هل تذهب إسرائيل إلى خيار المعركة البريّة في غزة؟

بقلم: ناحوم برنياع بلغت عملية الجيش الاسرائيلي في غزة مرحلة حرجة: فقد بدأت حكومة اسرائيل تفاوضاً غير مباشر مع "حماس" لوقف إطلاق النار. يبدو انه لا يوجد مبعوث إسرائيلي، لكن توجد اتصالات محمومة. "حماس" لا تُسرع إلى قول نعم. قبل أربع سنوات في عملية "الرصاص المصبوب" كانت "حماس" مُعرضة لضغط مضاعف من الجيش الاسرائيلي من جهة ومصر من جهة ثانية، وعرف وزير المخابرات المصري، عمر سليمان، كيف يفرض على "حماس" إرادته.

إن الضغط الذي يستعمله الجيش الاسرائيلي عليها هذه المرة مشابه، بل قد يفوق الضغط قبل أربع سنوات، أما ما تغير فهو دور حكومة مصر، فحكومة "الإخوان المسلمين" لا تريد الضغط على "حماس" أو لا تعرف كيف تضغط على "حماس". وهي تسعى الى وقف إطلاق نار يُمكّن "حماس" من إنهاء الجولة الحالية باحتفال نصر. ولا تستطيع حكومة إسرائيل أن توافق على هذا النوع من التسوية لا من جهة الموضوع ولا من جهة سياسية.

في محاولة لتعجيل التفاوض أطلقت جهة مفوضة في القيادة العليا لحكومة إسرائيل، أول من أمس، تهديدا وجه الى "حماس"، وووجه الى الرأي العام الإسرائيلي أيضا؛ وهو انه اذا استمرت "حماس" في إطلاق النار فلن يكون مفر من عملية برية. لا يؤمن نتنياهو وباراك ومثلهما رئيس الأركان وجنرالات هيئة القيادة العامة بفائدة عملية برية ولا يريدونها. ولا يتحمس افيغدور ليبرمان، وهو الضلع الثالث من قيادة الحكومة العليا، لعملية برية.

قال ليبرمان ان من يبدأ عملية برية فسيضطر الى المضي "الى النهاية". وقد كان يقصد التهديد لا التنفيذ كما هي الحال في أكثر تصريحاته. ولم يُبين نهاية أي: نهاية "حماس" أم نهايتنا؟. في الاتفاق الائتلافي الذي وقعت عليه كتلة "اسرائيل بيتنا" مع "الليكود" قبل اربع سنوات أصر ليبرمان على إدخال مادة تتعلق بغزة وهي "يكون هدف دولة اسرائيل الاستراتيجي هو إسقاط سلطة حماس في غزة".

وفضل ايهود باراك، الذي وقع على اتفاقين مع نتنياهو واحد باسم العمل وواحد باسم حزب الاستقلال، تجاهل ذلك. لا توجد في الحقيقة في الأهداف التي تم تحديدها للعملية كلمة واحدة عن إسقاط سلطة "حماس". فالأهداف في الحد الأدنى، وتُمكّن من وقف العملية في كل وقت. وكذلك الشأن في التوجيهات التي أعطاها باراك لهيئة القيادة العامة قُبيل العملية. فقد بيّن باراك للجيش الاسرائيلي انه لا يوجد في نهايتها ترتيب منسق مع "حماس".

إن الهدف هو المس بالقدرة العسكرية للمنظمات وإعادة الهدوء، وبيّن لهم انه ربما لن توجد تسوية منسقة بعد عملية برية أيضاً. فالهدف هو الردع، وهو مصطلح متملص يُعرّف على حسب غير الموجود لا على حسب الموجود: فحينما لا توجد قذائف صاروخية يوجد ردع الى اللحظة التي تُطلق فيها القذائف الصاروخية من جديد (وحينها يعلم الجميع بالطبع انه لا يوجد ردع). إن استقرار الرأي على تجنيد 75 ألف جندي يرمي الى تهديد "حماس"، لكنه ينبع أيضا من دروس حرب لبنان الثانية و"الرصاص المصبوب". ففي 2006 خرج الجنود في حرب على عجل مع معدات ناقصة ودون تدريبات. وفي 2008 اضطرت الحكومة الى تأخير العملية البرية الى ان يصل الجنود ويتسلحوا بالمعدات. سيكون ممكناً الآن الانتقال الى عملية في غضون ساعات. فالإعدادات حقيقية. قال لي ضابط رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي انه "لو كان الحديث يدور عن خدعة لاستطعنا أن نقترح على الحكومة إجراءات أقل كلفة من تجنيد جماعي".

كانت العملية البرية في "الرصاص المصبوب" ترمي الى ان تُبين لـ "حماس" ان اسرائيل لا تحجم عن عملية كهذه برغم انه يصاحبها سقوط جنود وهو موضوع حساس جدا في الرأي العام. وليس واضحا ما الذي ستمنحه عملية برية الآن. إذا قسَمَت القطاع الى جزأين – رفح من جهة وغزة وبناتها من جهة اخرى – فستقتضي بقاء الجيش الاسرائيلي في القطاع زمنا طويلا وتجعل اسرائيل مسؤولة عن رفاهية السكان هناك. واذا احتل الجيش الاسرائيلي القطاع فسيضطر الى ان يُسود عليه نظام احتلال في اليوم التالي، ولا يريد أحد هذا ربما سوى بني بيغن. لكن العملية قد تتطور الى عملية كهذه. حسب ما قاله لي مصدر مخول، أول من أمس، فان التطور الى عملية برية هو الإمكان الأكثر احتمالاً الآن.

لو كان عمر سليمان هو الوسيط في الجانب المصري، قال ذلك الشخص، ولو أن أبو مازن كان أقوى، لأمكن الانتهاء الى تهدئة لزمن محدد كشهرين أو سنة أو سنتين، أما من غيرهما فلا أحد يعلم. وأكد ذلك الشخص انه ليس السؤال من هو الذي سيطلق الصاروخ الأخير، فليست اعتبارات الكرامة هي الشأن هنا. بل السؤال هو هل يوجد بديل عن استمرار القتال؟ وقال ان لـ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أكثر من 50 في المائة من تحديد قرار العملية البرية، فهما ربما دون تعمد يؤديان بنا الى ما وراء الحد الفاصل. إن إنجازات العملية في الأيام الأربعة الأولى كانت مدهشة؛ أولها القبة الحديدية، فقد مكّنت الاسرائيليين في الجنوب وفي المركز من تجاوز إطلاق الصواريخ من غزة بأدنى ضرر. والثاني القصف الجراحي. فحسب تسجيلات الجيش الاسرائيلي قُتل 12 فلسطينيا غير مسلح فقط حتى أول من أمس، وهذا في وقت يُسقط فيه سلاح الجو على غزة 200 طن من القذائف كل يوم.

وليس الإنجاز مدهشا من جهة أخلاقية فقط بل من جهة سياسية فهو يُسهل على العالم ان يؤيد العملية. ستتغير الأعداد بالضرورة اذا وحينما تبدأ عملية برية وهكذا سيتغير، إذاً، رأي وسائل الأعلام الدولية ومعاملتها للحكومات.

تخشى الإدارة الأميركية انهيار علاقات اسرائيل بمصر وهي تؤيد العملية ما حافظت على التقسيط الحالي. هاتف نتنياهو الرئيس اوباما، أول من أمس، وشكره على الإنفاق على "القبة الحديدية". فحينما وقع أوباما على مخصص 200 مليون دولار للإنفاق على المشروع رفض نتنياهو ان يشكره، فقد زار اسرائيل زمن التوقيع ميت رومني، المرشح للرئاسة الذي راهن نتنياهو عليه، وفي هذه الأثناء فاز اوباما في الانتخابات وهو يستحق لذلك شكراً متأخراً.

عن "يديعوت"