الحد الادنى للاجور

مشروع الاقتراح الذي تقدمت به اللجنة المشكلة من وزارة العمل والنقابات ورأس المال الخاص بشأن الحد الادنى للاجور المرفوع للحكومة اليوم للمصادقة عليه، الذي حددته اللجنة ب (1450) شيقل، يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. كون جهات الاختصاص تقدمت خطوة للامام من حيث : اولا الخروج من دوامة المراوحة والمطمطة ،التي رافقت هذا الموضوع؛ وثانيا وضع مشروع اقتراح محدد بالحد الادنى للاجور؛ وثالثا رفعه فعليا للحكومة للبت به، في غياب السلطة التشريعية الكاملة.

المشروع الاقتراح المذكور اعلاه وفق ما يعتقد المرء، كان بحاجة الى طرحه للنقاش العام في اوساط الشعب، لتلقي ردود الفعل عليه ايجابا او سلبا. كما كانت تفرض الضرورة تمريره للكتل البرلمانية لمراجعته ، ومشاركة الحكومة بما لديها من وجهات نظر لمساعدتها قبل إقراره.

كما ان مشروع الاقتراح شابه خلل جوهري، حيث تفيد الدراسات المختصة من المنظمات الدولية والمحلية ذات الاختصاص، ان خط الفقر في المجتمع الفلسطيني يبدأ هبوطا من مستوى ال (1750) شيقل لعائلة من خمسة افراد. فكيف يمكن لجهات الاختصاص المذكورة حددت الحد الادنى للاجور ب (1450)؟ وعلى اي اساس؟ وما هي المعاير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي اعتمدتها في تحديد الحد الادنى للاجور؟ هل اخذت مصالح الرأسمال المال الخاص بعين الاعتبار أم انها اعتمدت مستوى الرواتب الدنيا في السلطة؟ وهل اعتبرت وحدة القياس الازمة المالية الراهنة ، التي تعيشها السلطة؟ وهل يمكن لقوى متخصصة إعتماد العوامل الطارئة أساساً للقياس ام ان الحكمة كانت تحتم اعتماد الاسس العلمية لتحديد الحد الادنى للاجور؟

بالتأكيد المواطن الفلسطيني يدرك جيدا ثقل الازمة المالية والاقتصادية، التي تعيشها السلطة الوطنية، ويدرك أثر تلك الازمة على قدرة السلطة في تأدية مهامها الوطنية تجاه فاتورة الراتب، والنفقات التشغيلية والارتقاء بتطوير البنى التحتية لمؤسسات السلطة. لكن هذا الادراك على اهميته وضرورته، لا يكون عائقا امام المحددات والاسس العلمية لتحديد الحد الادنى للاجور.

الامر الذي يكشف عمق الهوة بين ما اقترحته اللجنة المختصة برئاسة وزير العمل، وبين الاسس العلمية. كما ان اللجنة يبدو انها غيبت من حيث المبدأ العلاقة بين الحد الادنى للاجور واسعار السلع الاساسية، الذي لم تتمكن وزارة الاقتصاد من وضع ضوابط جدية لاسعارها. ومع ان المرء يدرك جيدا جدا، ان الحكومة غير قادرة على دعم تلك السلع (الاساسية)، لانها لا تملك المقومات المالية الكفيلة بذلك إلآ إذا لجأت للدول المانحة، وطالبتها بتحمل مسؤولياتها لدعم تلك المواد والسلع، لاسيما وان الفرق بين مستوى دخل الفرد في دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ومستوى الدخل في الاراضي الفلسطينية المحتلة، من المفترض ان تتحمل اعباؤه اما دولة الاحتلال الاسرائيلية او الدول المانحة وليس موازنة السلطة، التي لا تكفي في ظل الاحتلال والغلاف الجمركي الاسرائيلي المقيد لاي مستوى من مستويات التطور. ومع ذلك كان على اللجنة المختصة ان تأخذ بعين الاعتبار العلاقة التبادلية بين الحد الادنى للاجور في دولة التطهير العرقي الاسرائيلية والاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، خاصة وان الغلاف الجمركي واحد، واسعار السلع متقاربة جدا، والخدمات مرتفعة جدا تحديدا في مدن رام الله والبيرة وبيت لحم واريحا وطبعا القدس الشرقية. والنقطة الاخيرة لا تعني المساواة بين الحد الادنى للاجور في إسرائيل والاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، ولكن كان من الضروري أخذها كمؤشر بعين الاعتبار.

في كل الاحول لا يملك المرء، سوى تقديم الاقتراح للحكومة الفلسطينية يتمثل بالاتي: اولا تأجيل البت في مشروع الاقتراح ؛ وثانيا عرضه على الشعب وامهال القوى السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني مدة اسبوعين لتقديم اراؤهم مكتوبة ومرفوعة للحكومة ، وكذلك رفع المشروع للكتل البرلمانية لمناقشة مشروع الاقتراح وابداء وجهة نظرها فيه، وعقد لقاء مع وزير المالية ووزير العمل ومن يرونه مناسبا لمناقشة مشروع الاقتراح والخروج بوجهة نظر أكثر واقعية بشأن المقترح.

وفي الاطار يتم دراسة الافكار والرؤى المرسلة من قطاعات الشعب من قبل لجنة مختصة ، وتلخيص ما جاء بها ووضع التصور المناسب ردا او تجاوبا مع الاراء الواردة. موضوع الحد الادنى للاجور ، موضوع حيوي، لا يجوز سلقه سلقا دون تمحيص وتدقيق، ولا يجوز التباطؤ ايضا كثيرا، ولكن من الضروري أخذ وجهات النظر المختلفة بشأن للوصول الى موقف اعمق وانضج وتجمع عليه الاغلبية.

a.a.alrhman@gmail.com