براهين الشموح والثبات

saadeq

في هذه الأثناء، تتكثف في سجون الاحتلال، عنصرية الممارسات الإسرائيلية ضد أسرانا الصامدين الصابرين الشجعان، مثلما تتكثف المكاسرة بين إرادتين، الأولى، هي إرادة الفلسطيني المفعم إيماناً بحقه وبجدارته، أما الثانية فهي الاحتلالية الغاشمة، التي تطمح الى جعل عذابات الأسرى وحرمانهم من أبسط الحقوق الآدمية، وحشرهم في زنازين انفرادية، وتغريمهم، ومنع الزيارات عنهم؛ جزءاً من عملية الاستنزاف السياسي للفلسطينيين. فالمحتلون يعلمون أهمية الأسرى في الوجدان الشعبي الفلسطيني، ويعرفون مدى المحبة والاحترام اللذين يحظى بهما الأسير في مجتمع بلادنا، لذا تراهم يتعمدون جعل عذابات الأسرى، موضوعاً ضاغطاً علينا جميعاً، على الصعيدين النفسي والسياسي، ظناً منهم أننا سنطلب التفاوض دون تلبية اشتراطاته الجوهرية، كوقف التوسع الاستيطاني على أرضنا، لعلنا في كواليس وثرثرات التفاوض العقيم، نلتمس ظروفاً أفضل لأسرانا ولحقنا في المرور والتواصل على أرضنا. بل ربما يكون أفيغدور ليبرمان، بلطجي البار القادم من مولدافيا، يطمح الى جعل الشعب الفلسطيني مضطراً الى اختزال مطالبه التاريخية الوطنية، لكي تصبح علاجاً أفضل للأسرى، و'حلاً' عادلاً لوضعية العزل الانفرادي، مع حل جزئي لمسألة الزيارة والمقصف، فضلاً عن 'مكرمات' تتعلق بحاجز أو بؤرة استيطانية، لكي نصل الى التسوية!

ومن سوء حظ ليبرمان، الذي اعترضت إدارة السجون الإسرائيلية نفسها، على توصياته ومتطلباته الفاشية؛ أن أسرانا ليسوا إلا براهين شموخ وثبات على الحق الذي ناضلوا من أجله. وهم مُسيّسون حتى النخاع، ويعرفون طبيعة المقاصد التي يضمرها المحتلون عندما يتعمدون مفاقمة الحياة اليومية للأسرى الفلسطينيين، وتغليظها بمصاعب لا تحتملها الجبال. لقد حدث أن إدارة السجون الإسرائيلية نفسها، رفضت الأخذ بهلوسات ليبرمان الحاقد المعتوه، التي لا تتناسب حتى مع المعايير العلمية، التي تأخذ بها تلك الإدارة، للحفاظ على السجين، لكي يظل سجيناً يتمتع بما يكفي من 'اللياقة' فيحس بإيقاع السجن ويشقى به!

* * *

يعرف المحتلون أن قضية الأسرى اجتماعية وسياسية بامتياز، وبالتالي هم يريدون خلق فكرة المساومة الدونية، في الوعي الباطني الفلسطيني، مثلما يتعمدون تكريس خواطر في هذا الوعي، تتحسب من المقاومة وترحب بالتهدئة، وتقلق حتى من التمسك السياسي بالثوابت، لأن التسويف المتعلق بالإفراج عن الأسرى، أو المتصل بتحسين ظروف حياتهم، أو بالمسار السياسي الطبيعي والمنطقي؛ يوظف كل هذه العناصر من خلال الممارسات ضد أسرى الحرية. فهمسات الأسرى وتشكياتهم، تصل الى كل بيت فلسطيني!

وفي سياق هذا التوجه، يريد المحتلون الاستمرار في تسريب الإحساس بالهزيمة الى أعماق أفئدة الفلسطينيين. فإن كان الصقور والميامين والشجعان، الذين هم براهين الشموخ، يعانون في السجن ويتداول المجتمع أنباء عذاباتهم، فلماذا يحس هذا المجتمع بالعنفوان؟!

هكذا يفكر العنصريون الفاشيون ويطرحون استفهاماتهم التقريرية. بل إن هؤلاء، يتعمدون خلق الفتن، في كل معالجاتهم لقضايا السجون والمعتقلين. وكلما أدركوا أن الحركة الفلسطينية الأسيرة موحدة ومتماسكة في وجه السجانين، تزداد الأساليب الاحتلالية بشاعة وخبثاً ونذالة!

* * *

إن الأسرى يعانون بسبب حرمانهم من حقوق إنسانية، تكفلها كل أنظمة وقوانين السجون في العالم، فما بالنا بالمعتقلات التي تضم أسرى الحروب، الذين تأسست لهم حقوق أكبر، وفق مواثيق وأعراف دولية. لذا بات ضرورياً، أن تُطرح المسائل التفصيلية المتعلقة بالمعاملة الغليظة للأسرى، في المباحثات مع كل المسؤولين الأجانب، الذين يزورون بلادنا أو نزورهم لعرض قضيتنا العامة. ولدينا آراء خبراء قانون دوليين، ولدينا الحقائق والمقارنات، ولدينا شهادات لإسرائيليين. بل لدينا ما يفيد أن مصلحة السجون الإسرائيلية، تبرمت من غلاظة المستوى السياسي، وهو يلح في طلب المزيد من القهر والعذاب لأسرى مجردين من السلاح، سلخوا من أعمارهم سنين طويلة في السجون التي ما زالوا يقبعون فيها.

لا بأس من القول لكل من يجرى الاتصال بهم، من المسؤولين الأجانب، إن سلوك هؤلاء المتطرفين الذين يحكمون إسرائيل، هو المُحفّز الأول والأخير على العنف، وهو الذي يُضعف عملية التسوية، وينتقص من تأثير مؤيديها. فمن يتابع نفسيات الناشئة، أو من يدقق في مشاعر أبناء الأسرى وإخوتهم، سيتأكد بأن سفالات الاحتلال في السجون، تجعل الصغار يتقمصون روح الثائر وليس روح الفيلسوف والناسك. من هنا تنشأ وتتواصل فكرة الحرب والثأر. لذا فإن ممارسات الاحتلال في السجون، هي واحدة من خطوط العمل العنصري القبيح، سعياً الى استنزاف سياسي للموقف الفلسطيني، وللعملية السلمية، بل سعياً الى تسريب الإحساس بالهزيمة، وترسيخه في الوعي الباطني وكذلك فكرة الحاجة الى تسوية تافهة تتجاوز عن الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني. غير أن شموخ أسرانا وصبرهم وثباتهم، هو الضمانة بأن لا يحقق المحتلون مسعاهم!