الاعتراف بالحق فضيلة

ookal

الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة الجمعة الماضية، في إطار القرار الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بشأن التوجه بملف الدولة الفلسطينية إلى المؤسسة الدولية، ذلك الخطاب ينبغي أن يكون قد وضع الجميع في الساحة الفلسطينية أمام ضرورة إجراء ومراجعة لكل الأداء الفصائلي السياسي والإعلامي والجماهيري.

لقد قيل في النهج الذي اتبعه الرئيس عباس، ما لم يقل مالك في الخمر، وتحمّل من الاتهامات التي تصدر عن الفصائل الفلسطينية، والتي بلغت أحياناً حد التخوين ما لا يمكن قبوله أو تحمّله، وها هي اليوم الفصائل تضطر للإشادة بخطابه وموقفه أو الصمت في أقل الأحوال.

العادة السيئة ذاتها، طغت على الأداء الفلسطيني الداخلي في أوقات سابقة بحق الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم اضطر الكثيرون للترحم عليه، والثناء على مواقفه، التي ذهب شهيداً ضحيتها.

وحين طرح الدكتور سلام فياض رئيس الحكومة، خطته الاقتصادية تحت عنوان بناء مؤسسات الدولة على الأرض، كأساس لقيامها في وقت لاحق، اتهمته أوساط فلسطينية كثيرة، بأنه إنما يستجيب لمضمون السلام الاقتصادي الذي تحدث عنه بنيامين نتنياهو قبل نحو ثلاث سنوات.

كان نتنياهو يقصد دعم وتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأراضي المحتلة العام 1967، في إطار وتحت سقف السلطة الوطنية، دون أن يؤدي ذلك، أو يرتبط بمسألة الدولة الفلسطينية، وكان فياض قد طرح خطته تحت عنوان بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، ولتعزيز أهلية الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، إزاء قدرتهم وحقهم في تقرير مصيرهم، وكأساس تحضيري لقيام الدولة.

صحيح أن رئيس الحكومة، قد فعل ما فعل استناداً لوعود دولية أميركية وغير أميركية، وفي إطار التفاؤل بإمكانية نجاح الجهود الدولية في دفع الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، لاستئناف المفاوضات، وتحقيق السلام، وهو لم يكن متفرداً في هذه الرؤية، وإنما كان يجتهد في إطار النهج الذي تتبناه القيادة الفلسطينية، لكن ما فعله الدكتور فياض يصلح كأساس لتطوير الرؤية الفلسطينية في حالتي التفاوض والصراع.

وعملياً، فإن التفهم الذي لقيه خطاب الرئيس عباس من قبل رؤساء وزعماء وممثلي الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنما يعود في بعض أجزائه الأساسية إلى الشهادات التي صدرت عن مؤسسات وجهات دولية عديدة، كانت قد أشادت بإنجازات حكومة الدكتور فياض. هذه الانجازات الملموسة على الأرض، تساهم في تعميق الشعور بالحرج من قبل الإدارة الأميركية، التي اضطرت للتراجع عن مواقفها، وعن الوعود التي أطلقتها في الأعوام السابقة، بما في ذلك من خلال الخطاب الذي ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرئيس الأميركي ذاته الذي وقف هذا العام، ليعلن عزم بلاده استخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني بعضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.

قصير القول، إن ما وقع حتى الآن وفي أكثر من مرة، ليستدعي من كافة التيارات الفلسطينية، والنشطاء، والكتّاب والمفكرين، أن يتبصروا طرائق ووسائل التعامل مع التناقضات الداخلية، والآراء والمواقف والبرامج، على نحو يوقف حالة الاستنزاف الداخلي، والتي بلغت حد الصراع، والاقتتال والانقسام.

إن مَن يتابع سيرة النضال الوطني الفلسطيني في العقود الأخيرة، بمختلف أشكاله وأدواته، وأشكال الصراع التي تخللت مرحلة البحث عن السلام كان سيصل إلى نتيجة واضحة، وهي أن تحقيق السلام غير ممكن، بل ربما من المستحيل تحقيقه في ظل التضارب الشديد في رؤية كل من طرفي الصراع، لمصالحه، وادعاءاته وحقوقه.

من الواضح أن مسيرة البحث عن السلام مهما طال أمدها، وتعددت آليات وأشكال البحث، ستصطدم أخيراً بحصيلة موازين القوى التي تميل كل الوقت لصالح إسرائيل، سواء على المستوى الدولي أو على المستوى الاقليمي والعربي والمحلي.

وربما علينا أن نضيف بأن التجربة الملموسة قد اثبتت أن إسرائيل بما هي عليه، كل إسرائيل بكل أحزابها وأدواتها، غير قادرة بنيوياً على التماثل والتكيف مع المحيط العربي، الذي أتاح لها ضعفه وتمزقه، فرصة تاريخية للاندماج، دون أن تدفع ثمناً كبيراً مقابل سلام كان يمكن تحقيقه، لولا الأطماع التوسعية التي تشكل سمة لازمة للسياسات الإسرائيلية.

إن المراقب للسياسات والسلوكيات الإسرائيلية، كان سيستنتج بأن إسرائيل تنزلق أكثر فأكثر نحو العنصرية والابارتهايد، ونحو تحقيق النهج الاحتلالي والإحلالي، الذي يصادر حقوق الفلسطينيين ويقوض الأساس الذي يمكن أن ينبني عليه السلام، وبالتالي لا يمكن المراهنة على إمكانية تحقيق أي سلام معها.

الاستيطان بالنسبة للحكومات الإسرائيلية ليس تكتيكاً ولا وسيلة تفاوضية، والتهويد الجاري في القدس، ليس تكتيكاً، أو لتحقيق المواقف التفاوضية، وكذلك الأمر بالنسبة لجدار الفصل العنصري، كما أن خطوة إعادة الانتشار في غزة عام 2004، لم تكن هي الأُخرى تكتيكية، بل إن كل ذلك مفردات ومفاصل لرؤية إسرائيلية، إزاء كيفية التعاطي مع الحقوق الفلسطينية. وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، فسنجد أن شارون هو الأب الروحي لهذه الرؤية، التي تلتزم بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 2001، حين طرح ما سماه بالحل المرحلي بعيد المدى، والتي حرص شارون على توثيقها عبر ما سمي بوثيقة الضمانات الأميركية التي صدرت عن إدارة بوش الابن في الرابع عشر من نيسان العام 2004. هذه هي موضوعياً نهاية طريق البحث عن السلام، ويترتب على الفلسطينيين وعي هذه الحقيقة، والعمل على هديها، أما مواصلة الحديث عن المفاوضات، فهو وسيلة لمخاطبة المجتمع الدولي فقط.