حـــكـــومــــة المــلــفــــات

بقلم: 

على الرغم من وجود وزراء من مناطق وعائلات لها حضور في الريف والبادية، وابناء عشائر معتبرة، ومن محافظات متعددة، فهي عوامل اسناد تقليدية توفر لحكومة هاني الملقي الغطاء المطلوب والقوة التعويضية عن غياب ثقة مجلس النواب المفقودة، ومع ذلك فالصفة الاكثر واقعية التي تنطبق على الحكومة الاردنية الجديدة انها  حكومة بيروقراطية بامتياز، وغالبية وزرائها، يغلب عليهم طابع التكنوقراط المهني والخبرات الادارية، الذين سيواجهون تحديات سبق وتعاملوا معها، وكانت ضمن مهامهم ووظائفهم واختصاصاتهم السابقة، ولا شك سيواصلون التصدي لاثارها وتبعاتها مع رئيسهم المتحفز للعمل .
حكومة الملقي سيسجل لها انها ليست جهوية على الرغم من وجود وزراء ينتمون لعائلات لها جذور وامتدادات عشائرية، بل حكومة تتوسم الاستجابة للقيم الملكية الاقرب الى العصرنة والمواطنة والمهنية والتنوع، من اصول فلسطينية، ومسيحيين، ونساء وشركسي، دون الاخلال بالقيم التقليدية للحكومات المتعاقبة التي حافظت عليها بالامتداد الجهوي لابناء المحافظات والريف والبادية، واضافت لها بشكل  لافت التعددية واصحاب الاختصاص، وخازني الخبرات من تجاربهم العملية لدى مؤسسات ووزارات الدولة، وبذلك وفرت رهانات لقطاع من الاردنيين يتطلعون للايام المقبلة لعلها تكون اقل قسوة وغلاء، واقل مشاكل وجرائم واثار نفسية ومادية اضعف .
سلامة حماد العائد بقوة المهمة التي سبق وانجزها في الفترة الواقعة ما بين ايار 2015 ونيسان 2016، بمطاردة 160 مطلوباً مصنفاً “ خطر وخطر جداً “ ورحل بعد القى القبض على 128 منهم وقتل ثلاثة وبقي 29 مطلوباً مطارداً ممن ارتكبوا جرائم جنائية وتهريب والاعتداء على مواطنين وعلى ممتلكات ومؤسسات مختلفة، اعاد الاعتبار للامن الداخلي وللقانون، وسيواصل مهمته التي لا تقل اهمية عن فريق معالجة الاختلالات الاقتصادية ان لم تكن اهم منها او رافعة للاستثمار الاقتصادي وداعماً له في الحفاظ على الامن ومتطلبات الاستقرار والطمانينة، ولذلك يمكن اعتبار الامن الداخلي غير السياسي، هو المهمة الرابعة لحكومة الملقي، بعد الاقرار بالمهام الثلاث : 1- استكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي للتوصل الى اتفاق، 2- تشكيل مجلس الاستثمار الاردني السعودي المشترك، 3- اجراء الانتخابات النيابية، و4- معالجة الاختلالات الامنية الداخلية ذات الطابع الجنائي غير السياسي، وهي مهمة مناطة باجهزة الامن والشرطة والدرك، بخلاف 1- معالجة محاولات التسلل من خارج الحدود المناطة بالجيش والقوات المسلحة وحرس الحدود، و2- الخلايا النائمة والتطرف السياسي من امتدادات داعش والقاعدة وامثالهما وهي مناطة بجهاز المخابرات، ولهذا لم يكن صدفة ولا مناكفة للرئيس المنتهية ولايته، بقدر ما هو قرار سياسي امني يرى بعودة الوزير سلامة حماد على انه القادر على معالجة الاختلالات الداخلية ذات الطابع الجنائي بحزم وعقلانية وتجربة متراكمة اهلته للتعاطي مع هذا الملف باقتدار، كما هو جواد العناني نائب الرئيس للشؤون الاقتصادية، ومحمد الذنيبات لملف التعليم، وناصر جودة لملف السياسة الخارجية، حكومة كفاءات وخبرات، محمية من المناكفات البرلمانية، نجاحها مكسب لنا، واخفاقها خسارة علينا .
يتطلع قطاع من الاردنيين لما هو ارقى من حقوقهم الاساسية : الامن والاستقرار وتحسين الخدمات التعليمية والصحية والسكنية وضمانات اجتماعية لائقة، يتطلعون لانتخابات نزيهة، وحكومات برلمانية جدية وحقيقية تعتمد على نتائج صناديق الاقتراع مثل البلدان المتقدمة والشعوب المتحضرة واحزاب لها مصداقية وتاثير في الشارع، ولكنها امال عريضة قد لا تكون قريبة المنال في المدى المنظور، إذ لا تتوفر الارضية الدستورية والقانونية الملزمة، وتغيب الارادة السياسية عن كل هذا، ولأن قوى الشد العكسي ما زالت هي المهيمنة مما يدفع القطاع الاوسع من الاردنيين لتناول الاولوية نحو الامن وتحسين الخدمات وتوسيع قاعدة الشراكة في مؤسسات صنع القرار اكثر من امالهم البعيدة، وهو ما يتوسلونه من الحكومة الحالية وما بعدها لعل المستقبل الحزبي والبرلماني والجماهيري يتحسن تاثيره وافعاله فتكون تطلعاتنا نحوها ورهاناتنا عليها اكثر واقعية من الرهان عليها الان وهي ابعد ما تكون عن الواقع الملموس .