عيون صهيون

بقلم: 

التاريخ لا يكذب

إن التاريخ يحكي لك أحداث دقيقة بمنتهي الصدق لا يكذب عليك ذكرى من يقاوم مع ذكرى من يهادن ..ذكرى الشجاعة ..مع ذكرى الجبن والخزي أحيانا إن البلاد العربية أحق البلاد أن تعرف عنه الشيء الكثير في ثلث القرن الأخير،وهي الفترة التي منيت فيها بجرائر "وعد بلفور" وبالتمهيد لقيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين.

إن هذا الكتاب  برتوكولات حكماء صهيون لا يزال لغزاً من الألغاز في مجال البحث التاريخي وفي مجال النشر والمصادرة، فقلما ظهر في لغة من اللغات إلا أن يعجل إليه النفاد بعد أسابيع أو أيام من ساعة ظهوره، ولا نعرف أن داراً مشهورة من دور النشر والتوزيع أقدمت على طبعه من تكاثر الطلب عليه، وكل ما وصل إلينا من طبعاته فهو صادر من المطابع الخاصة التي تعمل لنشر الدعوة ولا تعمل لأرباح البيع والشراء.

ومن عجائب المصادفات على الأقل أن تصل إلى يدي ثلاث نسخ من هذا الكتاب في السنوات الأخيرة: كل نسخة من طبعة غير طبعة الأخرى، وكل منها قد حصلت عليه من غير طريق الطلب من المكتبات المشهورة التي تعاملها.أما النسخة الأولى فقد أعارني إياها رجل من قادتنا العسكريين الذين يتتبعون نوادر الكتب في موضوعات الحرب وتدبيرات الغزو والفتح وما إليها، وقد أعدتها إليه بعد قراءتها ونقل فصول متفرقة منها. ونعلم أن الله يكره الخطايا ولكن رحمته لا تضيق بالخاطئين، وأن أشرف شمائلنا وأعمالنا ما كانت محاكاة لله مستمدة من فضله

 وأن مكاننا منه على قدر ما في نفوسنا من شمائله ونعمته، ولهذا أرجو الله أن يحفظ علينا فضائل نفوسنا الإلهية فلا نعمل حظنا من التسامح والرفق مع ألد الأعداء ولو فار الغضب بنا حتى اعتنق السيفان في قتال، وان السماحة لأقرب لتقوى الله الذي خلق الأبرار والخطاة، وكلفنا مباركة البر ومكافحة الخطيئة بالهداية والكف ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وأن أكرم ما نستطيعه من الحق هو الاجتهاد في توخيه،والجهاد في نصرته كما نعلم، وان الله وحده هو الديان الأكبر للعباد كما أراد، وهو وحده المحيط من ورائهم بعلمه وحكمته وقدرته. وليست هذه نهاية المعارك التي أثارتها البرتوكولات، وما كان لها أن تكون النهاية، فقد

استمرت المعارك حولها تضعف أو تشتد في بريطانيا كلما ظهرت آثار العبث اليهودي بمصالحها ولا سيما خلال الهزاهز العالمية كالثورات والانقلابات والمجاعات والأزمات المالية والسياسية والاجتماعية والفكرية، فكانت الصحف التي لم ينجح اليهود في السيطرة عليها

تنشب هذه المعارك بشدة حول البرتوكولات، فتتجاوب أصداؤها في صحف أخرى، ولم بهمل كتابهم ومفكروهم وساستهم أمرها فشاركوا فيها بكتبهم ومقالاتهم على السواء كما يخبرنا بذلك المؤرخ الانجليزي الجريء دجلاس ربد صاحب كتاب "من الدخان إلى الخنق" في بحثه عن الحركات السرية المعاصرة. وقد ازدادت هذه المعارك حول البرتوكولات عنفاً خلال الحرب العالية الثانية وفي أدبارها، عندما حاول اليهود جهدهم تسخير بريطانيا لإقامة دولتهم "إسرائيل" وإجلاء العرب عن فلسطين وتخوم سينا الشرقية في مصر

وهكذا فعلوا أيضا في فرنسا عندما أعلن عن قرب صدور الكتاب، وضغطوا على الحكومة الفرنسية لمصادرته ففشلوا، وإحالتهم على المحاكم، وكانوا في كل بلد إلا سويسرا يتجنبون رفع الأمر إلى المحاكم، لأن القضاء لابد أن يدمغهم بكل ما في البروتوكولات من مخاز وفضائح، وهذا ما يرون على تجنبه، وهناك وسائل سوى ما ذكرناها من النساء والأموال يلجأ إليها  اليهود لمنع الكتاب من التداول ومنع تأثيره، أو حصره في أضيق نطاق. من هذه الوسائل ما تقرره بروتوكولاتهم، وكتبهم المقدسة: كالتهديد والإرهاب والقتل غيلة للتخلص من كل عدو خطر، وإمامهم في هذا نبيهم موسى كما تصوره لهم التوراة، فانه حين رأى مصرياً وعمانياً يقتتلان التفت هنا وهناك "فلما لم يجد أحداً قتله وطمره في الرمل" وهذا المثل ـ في كتاب شريعتهم المقدس ـ يوضح لهم الطريق الذي يتخلصون به من كل أعدائهم، وعن هذا الطريق الرهيب اختفى أو اغتيل كثير من ذوي الأقلام الحرة الذين لم تنجح الأموال  والنساء والمناصب والتهديدات في استمالتهم إلى صف اليهود، أو في وقف حملاتهم عليهم. وهؤلاء الأحرار كلهم أو كثير منهم اختفوا أو اغتيلوا أو ماتوا طبيعياً ولكن في ظروف غريبة وطرق مريبة ستتعصي على الفهم. في ذات الإنسان، في داخله العميق المجهول، حيـّـز لا يستطيع الخداع أن يتسرب إليه، إنها منطقة حرام مقدسة الجنيات، كأنما أحاطها الله بأسوار وحواجز لا يمكن أن تخترقها قوة الشياطين، وإلا لماذا يشعر سليمان الحلاق بالخوف الآن؟؟ لماذا يرتجف قلب الخادم مراد القتال، حتى الحاخامات والرجال من أسرة هراري يؤدون دورهم البغيض وشيء ما داخل كل فرد يقول: (لا..) ويرفض الانصياع، أليس غريباً أن يحدث ذلك وهم مؤمنون بأن ما يفعلونه إنما يؤدونه كفريضة دينية نادي بها التلمود وأكدها الأحبار؟؟ إذن لو كان الأمر أمر دين لما حدث هذا التردد، ولا داهمهم ذلك الخوف، ولا أعجزهم الارتباك..

"القدس قلب العالم"

"القدس هي علاقة من أجيال لأجيال، عيون محمّرة اشتياقات واستباقات"أنا أسمع خطوات من الزمن القديم على وجه الحجارة عشرة مقوّمات للجمال في العالم، تسعة للقدس وواحدة للعالم كلّه القدس مدينة النبؤة، القدس مدينة الأبطال•"القدس، القدس، القدس للسلام القدس هي التي تجعل كلّ مواطني الدولة أصدقاء" وتُعتبر قبّة الصخرة هي أقدم هذه المباني، وكذلك المسجد الأقصى، وفي عام 1542م شيّد السلطان العثماني سليمان القانوني سورًا عظيمًا يحيط بالقدس، يبلغ محيطه أربعة كيلومترات، وله سبعة أبواب هي: العمود، الساهرة، الأسباط، المغاربة، النبي داود، الخليل، الحديد.

يعيش إخواننا في فلسطين هذه الأيام مرحلة عصيبة من تاريخهم ، فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجه، وكشف شارون عن وجه بني صهيون الحقيقي، فالقتل ، والتشريد وهدم المنازل والحصار الاقتصادي الرهيب، وخامسة الأثافي: الخذلان المخزي من لدن المسلمين عامة والعرب خاصة لإخوانهم في فلسطين، كل هذه الأحوال تطرح سؤالاً مهماً؟ هل لهذا الأمر من نهاية؟ وهل لهذه البلية من كاشفة؟ ويتحدد السؤال أكثر : أين المخرج؟ وما هو السبيل ؟ وبخاصة وقد بلغ اليأس مبلغه في نفوس كثير من المسلمين وبالأخص إخواننا في فلسطين ،وأصبح التشاؤم نظرية يروج لها البعض ، مما زاد النفوس إحباطاً، والهمم فتوراً. وأقول : مع مرارة الواقع، ووجهه الأسود الكالح ، وامتداد هذا الليل وتأخر بزوغ الفجر، مع ما يحمله هذا الليل من فواجع ومواجع مصحوباً بالرعود والبروق والصواعق والرياح العاتية ، كل ذلك لا ينسينا سنن الله في الكون ، وأن الظلم مهما طال فلن يستمر، وأن تقدم مدة الحمل مؤذن بالولادة ، وساعات الطلق الرهيبة تعلن نهاية المعاناة ، "فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا" "ولن يغلب عسر يسرين، " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" .

وأقول بحق إن تلك الأحداث المؤلمة التي يستخدمها المتشائمون واليائسون دليلاً على تشاؤمهم ويأسهم، هي نفسها من أقوى البراهين لديّ على التفاؤل والنظرة إلى المستقبل بأمل مشرق، وعزيمة صادقة ، وثقة بوعد الله وقرب تحقق وقوعه "أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون" وهذا التفاؤل وتلك الثقة لم تبن على عاطفة جياشة مجردة من الدليل، سرعان ما تهتز أمام ريح عاتية، أو تذبل لطول الطريق وقله الزاد وانفضاض المعين والرفيق، بل هي قناعة مبنية على أسس عميقة الجذور، من السنن الكونية التي لا تتخلف، وآيات الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد، وكلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، في ظروف مشابهة من تسلط قريش وطغيانهم واستكبارهم، مع ضعف المؤمنين وقلة المعين والناصر، أتى الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون حالهم، ويطلبون منه الدعاء والاستنصار

 وتحس من كلامهم بمرارة المعاناة واستطالة الطريق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلهم نقلة أخرى ، نقلة الواثق بربه، المؤمن بصدق وعده، "والله ليسيرن الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" نعم لقد تحقق هذا الوعد ، وصدق الله ورسوله ، ولكن ذلك لم يكن بين عشية وضحاها، بل احتاج إلى زمن طويل من الجهاد والبلاء ، فليست العبرة متى يتحقق النصر، وإنما المهم كيف يتحقق، وبأي وسيلة يستجلب؟ سواء طال الزمن أو قصر، فلله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله – ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. وفي ظل تلك الأركان الصلبة، سأقدم هذه الرؤية ، آملاً أن تكون مساهمة في رفع تلك المعاناة المعنوية ، المنبثقة عن المعاناة الحسية التي طال أمدها ، وأسود ليلها. إننا من أجل أن نعرف كيف يتحقق النصر ، لابد أن ندرك كيف وقعت الهزيمة، ومن أجل أن نرسم طريق الخلاص لابد أن نعرف كيف حدثت المعاناة، وما بني في عشرات السنين ، لا تنتظر زواله بين غمضة عين وانتباهتها، السنن الكونية تدل على غير ذلك ، فكما أن هناك أركانا للهدم، فهناك أسس للبناء، وما شيدته الجاهليات المتعاقبة على مرور الأزمان ، اقتضي وقتاً ليس باليسير حتى هدمه الأنبياء والمصلحون وأقاموا مكانه بناء راسخاً لا تهزه الرياح "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً" ، "حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب" ، "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً"، ومتى جاء الحق وزهق الباطل؟ بعد جهاد وصبر ومصابرة وطول