خيارات القيادة الفلسطينية في ظل فشل خيار المفاوضات

بقلم: 

مجموعة من الرسائل الإسرائيلية للقيادة الفلسطينية، اجتمعت سوية خلال الأيام والأسابيع الماضية، يشكل كلّ واحد منها رسالة واضحة جليّة من قبل دولة الاحتلال، أنْ لا مفاوضات ولا دولة فلسطينية ولا حلّ الدولتين؛ إلاّ بالمقاس الإسرائيلي.

فالحدث الأول وهو رفض إسرائيل التوقف عن اجتياح المناطق الفلسطينية المصنفة (أ)، ومن هنا فإن مناطق السلطة الفلسطينية والتي تمّ تسليمها للفلسطينيين عام 1994 و1995، والتي تعتبر نواة الدولة الفلسطينية ‏المستقبلية، قد فقدت ميزتها منذ اجتياحها عام 2002، ومع استمرار اقتحامها من قبل قوات الاحتلال، والإصرار على ذلك ‏من خلال التصريحات الإسرائيلية الرافضة لعدم دخولها، وتأكيد ذلك بالفعل اليومي على الأرض، يسبب الحرج الشديد للسلطة الفلسطينية أمام شعبها، وينتقص من السيادة المنقوصة على هذه المناطق.

والحدث الثاني وهو رفض المبادرة الفرنسية الداعية لمؤتمر دولي للسلام، حيث يهدف هذا المؤتمر إلى إعادة الطرفين لطاولة المفاوضات تحت رعاية دولية، وعلى أساس العودة لحدود عام 1967، مع جعل القدس الشرقية عاصمة للشعبين، وقد غاب عن هذه المبادرة موضوع حق العودة وطبيعة الدولة الفلسطينية وسيادتها.

والحدث الثالث وهو الأخطر عبر عشرات السنين، حيث يتم الحديث عن مشروع قرار سيتم تقديمه للكنيست الإسرائيلي في الأسابيع القريبة القادمة، وسيقوم بتقديمه بالتحديد وزيرة العدل الإسرائيلية "إيليت شكيد" القيادية بحزب البيت اليهودي، حيث وردت تقارير عن إمكانية تأييد هذا المشروع من قبل عدد كبير من أعضاء الكنيست. ويقضي المشروع إن تمّ إقراره بالقراءات المختلفة في الكنيست، بتنفيذ القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، التي تضم حالياً حولي 700 ألف مستوطن ويجري العمل على إيصالهم لمليون خلال السنوات القليلة القادمة، والذين يتوزعون على حولي 60% من أراضي الضفة الغربية. ويعني تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنات؛ مقدِّمة لضم تلك الأراضي لإسرائيل.                               

من هنا فإن الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية التي نصّت على حلّ الدولتين قد ذهبت أدراج الرياح، فهي تتلاشى شيئاً فشيئاً بسبب استمرار الاستيطان في الضفة الغربية التي هي أصلاً مادة أوسلو ومفاوضاتها، وبدونها لا يمكن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وكذلك، تعطي رسالة واضحة للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير الفلسطينية الموقِعة على الاتفاقيات، عن طبيعة الأمر الواقع والذي يجب عليها أن تتعايش معه، فلا دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967.                                                                                                                     

لقد أصبح موقف القيادة الفلسطينية في ظل انسداد أفقها السياسي، وفي ظل رفض إيقاف الاستيطان كشرط للرجوع لطاولة المفاوضات، وفي ظلّ التضييق على صلاحيات السلطة الفلسطينية إلاّ فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، أمراً محرجاً، مّا جعل المواطن الفلسطيني يتساءل عن الدولة الفلسطينية، وعن جدوى الاتفاقيات الموقعة بعد حوالي 25 عاماً من المفاوضات.

وأخيراً إن تم إقرار مشروع وزيرة العدل الاسرائيلية، فلن يبق للدولة الفلسطينية أكثر من حدود الجدار.                                                                

لا شك فإنّ الواقع على الأرض يجعل خيارات السلطة الفلسطينية محدودة جدّاً، وخاصة في ظل الواقع الدولي الرسمي سواء كان منحازاً بالكامل لدولة الاحتلال، أو لا يجرؤ على الضغط باتجاه إعادة الحقوق الفلسطينية، كذلك فإن إسرائيل تملي إرادتها ولا تجد من يجبرها على ذلك في ظل الواقع الإقليمي المتفجر، وانشغال الدول العربية بظروفها القاسية الواقعة فيها، وفي وقت تعتبر الإدارة الأمريكية في مرحلة انتقالية، وغير راغبة بالتدخل في الصراع العربي الإسرائيلي، بعد وصولها إلى طريق مسدود في فرض حل لهذا الصراع، راغبة أو عاجزة.

وأخيراً فإن البعض يرى أنّ الخيار الذي أعلنت عنه السلطة الفلسطينية باتباع السلمية في التعامل مع الاحتلال، لا يشكل ضغطاً يجبر إسرائيل على الأقل للجلوس على طاولة المفاوضات.

من هنا فإن الخيارات التي يمكن للسلطة والقيادة الفلسطينية اتباعها محصورة وقد لا تتعدى الخيارات التالية:

الخيار الأول: بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، جمود في المفاوضات السياسية، مع بقاء التنسيق الأمني، وتسيير الحياة اليومية للفلسطينيين، والعمل على الاستمرار في جلب الاعترافات الدولية والدخول في مؤسساتها الرسمية. وهذا الأمر قد يسهّل عملية الاستمرار في الاستيطان وفرض الواقع على الأرض.

الخيار الثاني: الذهاب إلى مصالحة فلسطينية حقيقية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات رؤية شمولية للوضع الفلسطيني، وتغيير الاستراتيجيات المعتمِدة على التفاوض كخيار وحيد، وعليه قد يتطور الأمر إلى السماح بمواجهات مع الاحتلال دون تقييدها بالأعمال الشعبية، ولا يكون هدفها العودة الروتينية إلى طاولة المفاوضات، وهذا الخيار يحتاج قبل ذلك توافق فتحاوي داخلي، حيث أنّ حركة فتح هي التي تقود السلطة الفلسطينية ورئيسُها هو رئيس السلطة والمنظمة معاً وهي التي تسيطر على الوضع الفلسطيني في الضفة الغربية.

الخيار الثالث: تنفيذ السلطة الفلسطينية تهديداتها بوقف التنسيق الأمني، والذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، حيث أنّها تمتلك الكثير من القضايا التي يمكن لها أن تضغط على إسرائيل من خلالها، ولكن هذا الخيار كسابقه، يحتاج من السطلة إعداد خطة لمواجهة ردات الفعل الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق باسترداد أموال الضرائب، إضافة إلى الصمود أمام الدول التي رعت مسيرة التفاوض وخاصة الولايات المتحدة، والتي تضغط دائماً باتجاه واحد.

الخيار الرابع: وهو خيار هدد به الرئيس أبو مازن حينما قال: "تسليم مفاتيح الفندق"، وهذا يعني حل السلطة الفلسطينية، وترك الشعب وجهاً لوجه مع الاحتلال، ليعيد تحمل مسؤولياته الإدارية المالية كاحتلال عن السكان الذين يقعون تحت قبضته.

بلا شك فإنّ الأحداث تسير بوتيرة سريعة، وعندها لا يمكن لأحد أن يتوقع الحلّ الذي يمكن أن يفرض على القضية الفلسطينية، ولكن المؤكد أنّ الشعب الفلسطيني، المنتفض حالياً وإن كان بشكل فردي، قد يصل إلى مواجهة حاسمة في المنظور المتوسط أو الأبعد منه، وقد تقلب هذه المواجهة كل الخيارات وتعيد الحسابات إلى نقطة الصفر.