ديما الواوي... عادت من فم الغول

بقلم: 

فُتحت البوابة، تركها الجنود بمفردها مع كيسها الصغير، لكنها تجمدت ولم تستطع التقدم نحو الحرية أكثر، على حافة السياج وقفت، تشابكت أصابع يديها معًا، وانطوت على نفسها للداخل وببطء تقدمت، لا ترفع رأسها سوى للنظر في والدتها تقترب منها، ودمعها يهوي على الإسفلت ولا يجف.

كأنها عادت من موت مفجع، أو هربت من فكي وحش لا يخطر على بال بشر، غرقت عيناها بدموع الوجع، واندملت شفتيها بالبياض، لا تتكلم، لا تبتسم، لا تعانق... لقد قتلوا وراء السياج كل معنى للحياة والبراءة والأحلام.

ديما الواوي ابنة الـ 12 عامًا، أصغر أسيرة في سجون الاحتلال، جاءت من وراء حاجز جبارة جنوب طولكرم، بملامح دفنتها العذابات، تخاف من الكاميرا، وتهاب المستقبلين، تلملم قواها المتبقية قدر الإمكان لتحضن والدتها التي لم ترها ولم تعانقها منذ 80 يومًا.

تسير بين المرحبين كأنها ولدت من جديد، بلا جدران ولا أسلاك، بلا بوسطه وحراس، تلتصق يديها الصغيرتين معا، وتنظر باستغراب إلى مرفقيها وقديمها، وتقول لنفسها أبلا سلاسل أمشي؟! أبلا أصفاد أصافح من جديد؟!

لقد رأت من فاشية وقبح هذا الكيان ما يفيض به التصور، كانت تنام وحدها، وتبكي وحدها، تبصر ما يدخل غرفتها من ضوء النافذة، فترى كل شيء حولها ظلام وفراغ، لا أم ولا أب ولا صوت لجرس المدرسة، كل ما حولها فولاذ وبنادق وحراس وزنازين.

لا يمكن لك وأنت تقف وتشاهد قدومها المبكي، ألا وأن تسمع تمتمات حوارها معها.. اليوم أفارق وسادة السجن القذرة، وأنام على صدر أمي، سأقلم أظافري، وأشرب من ماء بيتنا، وألعب في حديقتنا، وسأرسم في دفتري شبك صغير وشمس لا تتسع لها كل الصفحات.

اليوم سأصرخ للعالم النابح بالديمقراطية والعدالة وأقول: في السجن أجمل بنات العالم، وأطهر النساء الملأى بالحنين والضوء والجمال، يقرأن كل يوم سورة الوطن، وينشد مع كل فجر أزرق (ليس بعد الليل إلّا.. فجر مجدٍ يتسامى).