كيف نودعك قائدنا عثمان ابوغربية

بقلم: 

في موانئ الرحيل، وفي شهر الشهداء، وفي مواسم الدموع، رحل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح القائد اللواء أبوعبدالله عثمان أبو غربية، ولازالت معركة القدس متوصلة، ولم تكمل حكايات الوطن وطريق الجنوب، ونرسم المدى لنحمل مشاعل الوداع المشتعل بزيت الثورة الذي لا ينضب، ولدرب الرجال الطويل، ويبقى السؤال " لمن تخلي سرج الجبال"، ولازلنا في شوق لك، وانتظار المزيد، لكنه الحضور والغياب وبين الحضور وبين الغياب، تتزين صدور الرجال بأوسمة الغار، كما تزينت أنت في كل محطات الوصول إلى عاصمة الوطن قدسنا الحبيبة وعواصم الشتات في عمان ودمشق وصنعاء والقاهرة، وفي محطات الصمود في الأغوار ودبين و كفر قوق وعيحا و في جنوب لبنان وعلى القاطع "رويسات العلم"، والجولان وعدن وعجلون، وصور اللبنانية.

 

في قاموسنا الثوري عرفناك فدائيا وسياسيا وشاعرا وقائدا وحكيما وهادئا وثائرا، وتأملناك حزينا وأنت تودع رفاقك الشهداء، لتستمر رحلة مواكب الخالدين، لنودعك اليوم، أخا وحبيبا وقريبا وناقدا وأديبا، ومفكرا، و ورائدا في مسيرة الإبداع والثقافة الفلسطينية والفكر الحركي والتنظيمي، وكأنك تختزل المسافات والسنوات ولتتعمق الذاكرة وتتسع بعناق عِطرك، ولتنثر أبجدية الحزن في سطورنا بلا توقف، لتتعالى أنفاس اللوعة وأشواق الفراق وحيرة الرحيل، مدا وجزرا، وتتجه زوارقنا دائما إلى شاطئ العودة، وفردوس حركتنا العملاقة "فتح" وحروف الوطن الذي يسكنك، وتحتفظ فيه ومنه بوعد الثائرين إلى الفجر والحرية والدولة والقدس التي عشقتها وعشقتك، لتكتب الخاتمة بداية التاريخ مفوضا عاما لشؤون القدس، ومن هنا تبدأ الحكاية وتستمر، وعهدا وقسما أن نواصل الدرب حتى النصر .

 

فلسطين التي سكنت قلبك، تبكيك اليوم، كما كل العواصم، وتطفئ شمعتها حِدادا عليك، وكأنها تنطق بل تصرخ، لا ترحل أبو عبدالله، لا زال هناك متسعا للفعل والمحاولة وبناء و صياغة النظريات التنظيمية للحركة و الكثير من الأدبيات التي تبقى إرثا للأجيال، ولتكتب لنا صفحات مشرقة بأحرف من نور وعطاء وإيمان وأصالة .

 

لحظات سماع الخبر كانت حزناً ساد المكان وأغرق المشاعر، وهيمن على الأفكار، فكيف يودع الحبيب الحبيب، والصديق يبكي الصديق، والمقاتل يحمل على أكتافه المقاتل، إنها ساعات العناق الحار لمن "صدموا" من هول الخبر، إنها أصدق دموع تترقرق في الأعين، ما تلبث أن تنفجر في موجة بكاء حار، إنه موقف مؤثر للغاية، فهو رفيق درب الأخ القائد الرئيس محمود عباس "ابومازن"، ورفيق درب الختيار الشهيد المؤسس ياسر عرفات ابوعمار والشهيد المعلم أبو جهاد خليل الوزير، و الشهيد كمال عدوان، وكل شهداء اللجنة المركزية والثوري ومسيرة من الثورة وآلالاف الشهداء.

 

في هذه اللحظات الأولى من صدمة الخبر، مهما فعلت ومهما أسهبت في الكلمات، سيبقى الحدث فوق ما يمكن أن نصفه، وستبقى مشاعرنا حية بتاريخك المشرق دائما، كيف لا وأنت القائد البطل، من صنَّاع مجد الثورة وتاريخنا، وأنت الرجل العملاق في صفاتك وحكمتك وقيادتك، المتفوق في مهامك وسياستك، الفارس الفلسطيني الجسور، كبير القلب، فلك المجد كل المجد، ولك محبتنا والذكرى الخالدة.
 

(من ديوان بين الحضور وبين الغياب)
ختمتُ قصائدي وختمتُ ما ابقى الفؤاد من الوجيب
ومن نوافذَ للرياح تمر عابرةً
وداعاً للقوافي للبداية والنهاية حين تجري
في وريدِ الليل والأقمار جامحة
وداعاً للصدى يبقى على سرج الجبال
وخيلهِ الوحشيْ.