قانون الضمان الاجتماعي يشملك أنت أيضاَ

بقلم: 

المحامي رائد ظرف

بعيدا عن المصطلحات القانونية المعقدة والغامضة وبعيدا عن الندوات والمؤتمرات و ورشات العمل والمقابلات الخطابية عبر وسائل الاعلام ومحاولة البعض تجميل هذا القانون والبعض الاخر تشويهه ، متاهات هنا وهناك عبر مواقع التواصل الاجتماعي فهناك صفحات تدعو الى الوقوف ضد هذا القانون وصفحات تدعو الى الوقوف معه ، وانا متأكد اخي القارىء انك في كل مرة تدخل الى هذه الصفحات سواء كنت مع او ضد هذا القانون تقوم بالضغط على كبسة الاعجاب بشكل لا ارادي في محاولة منك ان تفهم وتقرأ وتسمع الرأي والرأي الاخر ، وتكون النتيجة بعد كل ما سمعت وقرأت هي علامات استفهام اضافية ، لا اريد اخي القارىء ان اقلل من قدراتك على استيعاب ما يجري ولكن الحقيقه هي اننا نحن القانونيون انفسنا وجدنا صعوبة في فهم واستيعاب هذا القانون نظرا لتداخل عدة امور قانونية ومحاسبية واقتصادية .

دعنا من المقدمات المقيته التي تبعث على الملل ولنحاول ان نجيب عن بعض التساؤلات التي ربما تعزز فهمنا للقانون اكثر بلغة بسيطه ومختصرة لتخرج بهذا المقال وفي جعبتك الخطوط العريضة التي تضمنها هذا القانون .

بداية من هم المشمولين في هذا القانون او بلغة اخرى على من يطبق هذا القانون ؟؟

عدد القانون الفئات المشمولة باحكامه وذلك في المادة 4 منه على النحو التالي :

العمال : وهذا يعني ان العمال والموظفين الذين يعملون لدى الشركات الخاصة كبيرة كانت او صغيرة او في الورش كالحداده والنجارة والبناء ، او المنظمات والجمعيات غير الحكومية.. ( اي كل العمال المشمولة بقانون العمل ) .
العاملين الفلسطينيين لدى المنظمات الدولية أو الاقليمية أو البعثات الدبلوماسية أو السياسية الاجنبية العاملة في فلسطين .
العاملين والموظفين في الهيئات المحلية ( كالمجالس البلدية والقروية )
خدم المنازل ومن في حكمهم .
ربما اتضحت لك الصورة الان ان كنت او احد افراد اسرتك او احد اصدقائك يشملهم هذا القانون ام لا ، واذا كان يشملك فالبضرورة انت مهتم بمتابعة القراءة لاننا سنتطرق الى فهم بسيط لبعض الامور الجوهرية والمهمه في هذا القانون دون الخوض في التفاصيل وطرح التساؤل الثاني وهو :

ماهو قانون الضمان الاجتماعي ولماذا تم تشريعه في ظل وجود قوانين اخرى مطبقة كقانون العمل الفلسطيني ؟؟

فكرة الضمان الإجتماعي مستمدة من فكرة التأمين، وتتمثل في  فكرة الضمان الإجتماعي التعاون المشترك بين كل من العامل وصاحب العمل وذلك عن طريق إقتطاع جزء من راتب العامل بنسبة معينة ودفع صاحب العمل أيضا جزء آخر يحسب كنسبة معينة من راتب العامل ليودع في صندوق خاص يعرف  بصندوق الضمان الإجتماعي تشرف عليه جهة خاصة تشكل بموجب القانون ، وعادة يتم استثمار اموال الصندوق وتنميتها في جوانب عدة ضمن ضوابط محددة في القانون ولا يتم صرف الرصيد اوالارباح للعامل بشكل مباشر ولكن يتم صرف مبالغ معينه في احوال معينة يحددها القانون وعادة تكون المبالغ التي يحصل عليها العامل اكثر من المبالغ التي دفعها ، وتتنوع اوجه الصرف حسب اوضاع معينة على سبيل المثال التعويض في حالات الإصابات الناتجة عن العمل مباشرة ، التعويض في حالات العجز عن العمل نتيجة الأمراض و الحوادث ، التعويض بدفعة واحدة أو أقساط دورية مفتوحة على شكل رواتب شهرية بعد التقاعد من العمل، التعويض في حالات الوفاة نتيجة حادث عمل أو الوفاة الطبيعية للورثة .

هناك منافع يحصل عليها العامل افضل من المنافع التي يحصل عليها من قانون العمل في بعض الاحيان وفي احوال معينة حيث ان قانون العمل يعطي مكافئة نهاية خدمة في نهاية العمل ويلزم صاحب العمل بالتعويض عن الاصابات والوفاة ولكن في حالات عديدة يكون الحصول على هذه الحقوق من صاحب العمل صعب وربما يتم اللجوء الى القضاء وتحتاج الى سنوات من اجل الحصول عليها ، ولكن في ظل قانون الضمان الاجتماعي يكون هذا اسهل ، وتجدر الاشارة هنا الى ان قانون الضمان الاجتماعي لا يلغي قانون العمل بل ان القانونين يكملن بعضهما البعض فهناك امور كثيرة تبقى خاضعه لقانون العمل كعقد العمل وساعات العمل والاجازات والفصل التعسفي … ) ولكن على سبيل المثال مكافئة نهاية الخدمة واصابات العمل واجازة الامومة تخضع لقانون الضمان الاجتماعي .

التساؤل الثالث في هذا المقال ربما الاهم وهو ما هي النسبة التي يتم اقتطاعها من راتب العامل والنسبة التي يتم دفعها من قبل صاحب العمل وفي النتيجة هل تكون المبالغ التي يحصل عليها العامل منصفة له ؟

حسب قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني نسبة مشاركة العامل هي 7.5 % تقتطع من راتبه بالمقابل يدفع صاحب العمل 8.5% كمشاركة (وذلك بدل ان يدفع مكافئة نهاية خدمة كما كان الحال في قانون العمل ولكن الفرق ان العامل كان يحصل على المكافئة دون ان يقتطع شيء من راتبه ) منه في صندوق الضمان ، ولكن هل هذه النسب عادلة وتحقق العيش الكريم للعامل واستمرارية بقاء صاحب العمل ؟ وبناء على ماذا يتم تحديد هذه النسب ؟

ان هذه النسب تحدد بناء على دراسات اقتصادية  معقدة يقوم بها خبراء اقتصاديون  تسمى دراسات اكتوارية حيث يقومون بحساب ما سيؤول له الاقتصاد خلال 50 سنة قادمة وضمن معادلات وحسابات معينه يتم تحديد هذه النسب وهي بالضرورة تنصب بمجملها للحفاظ على استمرارية اصحاب الاعمال وما يمكن لهم ان يقدموه للعامل مع بقاء عجلة الاقتصاد في الدولة تدور بشكل مستمر ، ولكن هل يؤخذ بعين الاعتبار العمال وما سيحقق لهم العيش الكريم ؟؟؟ في قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني اعتقد ان  الاجابة هي بالقطع لا ، ذلك ان حساب الراتب التقاعدي حسب القانون الفلسطيني ضمن شروط وضوابط ونسب مئوية محدده لا يحقق اطلاقا العيش الكريم فعلى سبيل المثال العامل الذي تقاضى راتب 4000 شيكل وعمل لمدة عشر سنوات يكون راتبه التقاعدي حسب قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني حوالي 720 شيكل فقط . مع الاخذ بعين الاعتبار ان لا يقل الراتب التقاعدي في كل الاحوال عن 720 شيكل وهو نصف مبلغ الحد الادنى للاجور ، ولكي تحصل على راتب تقاعدي اعلى من 720 شيكل يجب ان يكون راتبك اعلى من 4000 شيكل ومدة تسديد اشتراكاتك لدى صندوق الضمان اكثر من عشر سنوات ، وهي نسبة وتناسب تختلف باختلاف مبلغ الراتب وعدد السنوات والعملية الحسابية تطول .

ربما اصبح واضحا لك ما هو قانون الضمان الاجتماعي وما هي الية تطبيقه ، ولكن يجب ان تعلم ان قانون الضمان الاجتماعي هو بالاصل قانون مهم ومفيد للعاملين ولكن هذا يعتمد على تحديد نسب مشاركة العامل وصاحب العمل بصندوق الضمان الاجتماعي والية حساب الراتب التقاعدي ، ويجب ان لا نغفل ان القانون يغطي ايضا اصابات العمل وحالات الوفاة نتيجة الاصابة والطبيعية ويغطي اجازة الامومة .

وفي استعراض سريع للقرار بقانون  بشأن الضمان الاجتماعي الفلسطيني لسنة 2016 ،يمكن لنا ان نسجل بعض الملاحظات الهامة عليه وذلك على النحو التالي :

اولا : الية تشريع القانون والمصادقة عليه من قبل رئيس دولة فلسطين :

لم يتم مناقشة القانون المشار اليه من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني وهو المجلس المخول بمناقشة وسن القوانين بل صدر على شكل قرار بقانون من قبل الرئيس ، فهل هذا يجوز ؟

ان القانون الاساسي الفلسطيني اعطى الحق للرئيس اصدار قرارات على شكل قوانين وذلك فقط في حالة الضرورة التي لا تحتمل التأجيل عند تعذر اجتماع المجلس التشريعي الفلسطيني ، ولكن التساؤل المفصلي هنا هل اصدار قانون للضمان الاجتماعي هو حالة ضرورة لا تحتمل التأجيل ؟؟ الاجابة بالقطع لا ، وبالتالي نكون باصدار هذا القانون قد خالفنا القانون الاساسي الذي لا يجوز باي حال من الاحوال مخالفته ، اي ان هذا القانون بوجهة نظري  بشكله الحالي غير دستوري ما يستوجب عدم تطبيقه .

ثانيا : عدم ضمان الحكومة لصندوق الضمان الاجتماعي :

المقصود بضمان الحكومة للصندوق هو ان اي عجز مالي قد يتعرض له صندوق الضمان الاجتماعي لاي سبب كان ان تتقدم الحكومة وتسد هذا العجز وبذلك يكون هناك أمان كبير عندما تتكفل الحكومة بذلك ولا تتعرض رواتب ومستحقات العمال الى اي خطر يذكر ، ولكن قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني لم ينص على هذا الضمان ما يجعل هناك خطورة بالغه لتعرض هذا الصندوق لاي عجز مالي قد يلحق به ، وقد يقول لك البعض كما نسمع ونقرأ ان هناك بعض مواد القانون بين السطور قد نصت على ضمان الحكومة له ، لكن الحقيقه ان هذا الكلام غير صحيح حيث ورد فقط في المادة 49 منه ان الحكومة يمكن لها انت تقدم للصندوق منح وقروض ان رغبت بذلك وليس هناك اي اجبار من قبل القانون للحكومة بتقديم هذه المنح او القروض ، وهذا مأخذ مهم على هذا القانون لخلوه من الزام الحكومة لتكون ضامن .

ثالثا : نسب المساهمة في الصندوق بين كل من العامل وصاحب العمل :

ان توزيع نسب المشاركة بهذا الشكل الوارد في القانون وهو ( 7.5% على العمال ) و (8.5% على اصحاب العمل ) هو توزيع غير عادل ومجحف بحق العمال وهم الطرف الضعيف في علاقة العمل ، حيث كان يجب على القانون ان يحمل صاحب العمل كونه الطرف الاقوى في هذه العلاقه اكثر من ذلك بكثر ، فلو القينا نظره على قوانين عربيه اخرى لرئينا انها انصفت العامل بشكل افضل بكثير من القانون الفلسطيني فعلى سبيل المثال القانون الاردني حمل صاحب العمل نسبة  13.75% والعامل 7.25% ، والقانون اللبناني حمل صاحب العمل 21.5% والتونسي 16.57% (منهم 0.5% مساهمة من الدولة) ، وبالتالي فان هذه النسب حسب القانون الفلسطيني هي نسب مجحفة بحق العامل بشكل كبير ما يستوجب تعديلها .

رابعا : طريقة احتساب الراتب التقاعدي للعامل :

ان تحديد طريقة احتساب الراتب تتناسب طرديا مع تحديد نسبة المساهمات وكلما زادت نسبة المساهمات زاد الراتب التقاعدي ، وكما ذكرنا ان نسبة المساهمات هي نسبة قليله الى حد ما وتحديدا مساهمة صاحب العمل بالتالي لا تستغرب ان يكون الراتب التقاعدي لا يكفي للعيش الكريم ، حيث ان القانون قد حدد طريقة حساب الراتب التقاعدي على النحو التالي :

نقوم بضرب مبلغ الحد الادنى للاجور في 2% ونضرب الناتج في عدد سنوات الخدمة .
نقوم بطرح مبلغ الحد الادنى للاجور من الراتب ونضرب الناتج في 1.7% ونضرب الناتج في عدد سنوات الخدمة .
نقوم بجمع ناتجي ( 1+2 )  اعلاه .
وفي كل الاحوال يجب ان لا يكون الراتب التقاعدي اقل من نصف مبلغ الحد الادنى للاجور .

خامسا : الانظمة التنفيذية للقانون :

القوانين بشكل عام بحاجة الى الية تطبيق وعادة يتم النص في القوانين على تكليف لمجلس الوزراء لاصدار انظمة خاصة تسمى الانظمة التنفيذية للقانون من اجل تفصيل وشرح ووضع الشروط التي تسهل عملية تطبيقة ، وفي قانون الضمان الاجتماعي كلف القانون في العديد من المواضع مجلس الوزراء باصدار الانظمة التنفيذية لتحدد وتشرح وتفسر وتضع الشروط لتطبيق مادة او مواد معينة وبالتالي فان مجلس الوزراء يحدد ما يراه مناسبا في ذلك ، اي ان لحين صدور هذه الانظمة تبقى الصورة غير واضحة في جزء كبير من هذا القانون فربما تأخذنا هذه الانظمة الى الاسوأ مما نحن عليه الان ، وكان بالامكان ان يحدد القانون نفسه  قدر الامكان جزء من هذه الامور المهمة والمفصلية في بعض الاحيان دون ان يكلف مجلس الوزراء بها لنكون امام المجهول ، وعليه فان الملامح النهائية الكامله للقانون غير واضحة .

هذه بعض الملاحظات الجوهرية العامة على قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني ولكن يجب عليك ان تعلم ان هناك امور تفصيلية كثيره يوجد عليها ملاحظات ايضا ، لكن كما اخبرتك في البداية انني سأعمل على سرد بعض الخطوط العريضه لهذا القانون وبلغة بسيطة لتكون قادر على القراءة والاستماع والمشاركة برأيك .