الانفجار الإقليمي وأثره على الواقع الفلسطيني

بقلم: 

يجمع المراقبون للوضع السياسي في المنطقة العربية، على أنّ التحولات التي تجري في دوله عقب الربيع العربي، أشبه ما تكون بالزلزال الذي قد يقتلع الحجر والشجر والبشر، وإن ما تتعرض له هذه المنطقة قد يصل إلى سايكس بيكو جديدة.

لقد مضى على اتفاقية سايكس بيكو تقريباً مئة عام حيث قامت بريطانيا وفرنسا بتقسيم تركة الدولة العثمانية بالشوكة والسكين، لتكون هذه الدول ضحية استعمار جديد يُحكم سيطرته على مقدرات البلاد والعباد. لقد بقيت الشعوب العربية مخدرة طيلة تلك العقود، وفشلت في التخلص من تبعات ذلك الاستعمار الذي استخلف على أثره من يقوم بدوره ووفق خططه، لتبقى هذه الدول ضحية التخلف والفقر والاستعباد.

اليوم وقد عرفت الشعوب العربية طريقها للتخلص من قبضة الطغاة وفي دول عربية مهمة، حيكت المؤامرات وبذلت الجهود وضُخّت الأموال؛ للحيلولة دون وصول هذه الشعوب إلى مبتغاها، وحُرف المشهد الثوري القائم فيها ليتحول إلى بحيرة من الدماء تغوص فيها هامات الأطفال والشيوخ والنساء.

لقد رفعت هذه الشعوب شعار "العيش والحرية والكرامة الاجتماعية" ورفعت بجانبه شعار النصرة للشعب الفلسطيني وتحرير القدس، وفتحت بعض الحدود لتصل المساعدات الانسانية والقوافل الطبية وتبعتها بعض الوسائل القتالية للشعب الفلسطيني، ما أسهم  في بعض التغيير في المشهد المقاوم كمّاً وكيفاً، وعدّل من ميزان القوة المختل؛ فأشعل ضوءاً أحمر لدى كل من تمسه قوة الشعب الفلسطيني الباحث عن الحرية.

يدفع المواطن العربي في هذه الأيام فاتورة الانعتاق من التبعية والتخلف والتخلص من وكلاء الغرب؛ من دمه ودم أطفاله، لقد تعاقدت دول الاستبداد العالمي على غير عادتها، شرقيّها وغربيّها، لإدامة الواقع المقيت الذي عاشته أمة العرب في العقود الغابرة، لقد غرست كل ما يمكن أن يديم حالة الظلم والجبروت في الدول العربية وخاصّة دول الربيع العربي، فأمدت حلفاءها المتقاعسين عن نصرة شعوبهم والمتهالكين على السلطة؛ بالمال والسلاح وبالدعم السياسي الدولي، للحيلولة دون وصول إرادات الشعوب العربية لمطلبها من الحرية والكرامة، لقد تآمر الاتحاد الأوروبي ومن خلفِه أمريكا لإفشال التجربة الانتخابية المصرية والليبية، وبُذلت كلّ الجهود لإفشال الانتخابات التونسية ونتائجها، وتبعتها خطط تفجير التوافق اليمني، ليغرق بعدها الشعب في حرب طائفية ما زالت رحاها تطحن رقاب الأبرياء.

إنّ التوافق الأمريكي الروسي فيما يتعلق بالأحداث الجارية في سوريا بالذات، والسكوت عما يحدث في غيرها من تدخلات إيرانية وروسية، وما تقوم به بعض الدول العربية من إذكاء للصراع في ليبيا وتونس على الأقل، من خلال دعم أطراف على غيرها بالمال والسلاح والغطاء السياسي، لَيُكشَف بعد ذلك الوجه الحقيقي للدول التي تسمي نفسها العالم الحرّ المتغنية بالديمقراطية وحقوق الانسان. تعلم هذه الدول علم اليقين أنّ المواطن العربي التوّاق للحرية والباحث عن نسائمها، لن يقبل أن تبقى أوطانُه أسيرة لإرادات غريبة كبّلتها لعقود، وقد حُرمت هذه الشعوب من خيرات ثروات قارون في بلادها ليتمتع بها غيرها.

اليوم وفي اللحظة التي تواجِه فيها أوطانٌ عربية خطر التقسيم الجغرافي، والانقسام العرقي والقبلي والطائفي، وتغرق المنطقة في بحر من الدماء؛ تزدهي فيه دولة الاحتلال! فهي أبعد ما تكون عن أمّة موحدة مكافِحة رفضت وجود الاحتلال واغتصابه لفلسطين ومقدساتها، وهي أقرب من أي وقت مضى لبعض النخب العربية الحاكمة، تجتمع معها دون استحياء وعلى أعين الأشهاد لمكافحة ما يسمّى الإرهاب، وهو في الحقيقة إرادة الشعوب العربية الطامحة لنيل حريتها من قبضة الاستبداد المتفرد بالسلطة ونعيمها والذي فتك بها أزمنة مديدة، والذي قدّم مقدرات الأوطان وأقدسها على طبق من ذهب لينعم به المحتل مقابل حماية عروش هالكة.

لقد انعكست صورة التمزق والتشرذم في الإقليم العربي على القضية الفلسطينية، حيث بقي الشعب الفلسطيني وحيداً يواجه آلة الفتك والدمار والاغتيال، مفروضٌ عليه الانقسام بقوة المنع والحرمان، وتراجع الاهتمام في بفلسطين ومقدساتها إلى درجة ثالثة ورابعة، فلم يعد اغتيال الأطفال في شوارع القدس والخليل يثير مشاعر العُربِ في أوطانهم؛ فكل يوم يُقتل المئات في شوارع سوريا واليمن وليبيا، دون أن يحمر وجه حاكم شريف، وأصبح الإبقاء على الانقسام الفلسطيني مطلباً لدى دول الاستبداد العربي فهو يزيل حرج الحكام أمام الشعوب الحبة لفلسطين، ما جعل دولة الاحتلال تعيش أزهى وأبهى حالاتها، ولسان حالها يقول "بلاد العربِ أوطاني".