بنات على دراجات وسيارات و"سروات"

بقلم: 

على بال زمن..بقلم صالح مشارقة

في الشارع القادم من حي الماصيون إلى دوار الساعة، كسرت بنتان على دراجة نارية عقول سائقي العمومي وأصحاب البسطات. الخوذة الحديدية والسترة الواقية "فتلت مخ الشباب"، والحذاء الناعم كسر رأس موتور الشارع من صرخات الموتور سايكل. كل هذا شاهدته بدون تذكرة، بل من سيارتي، ورصدت كم يكون المجتمع في إحدى ذرواته عندما تدخل الفتيات موقعًا جديدًا.

"ظب هالبسطة وخلينا نروح"، هكذا علق بائع جوال. "الحرب جايةجاية"، هكذا تفتق ذهن رجل آخر. "والله بنستاهل كل اللي بصير فينا"، قال ثالث. وفي المقابل، التزمت البنتان بمسار الطريق دون أي ازعاج، وعلى عكس الأولاد عندما يستخدمون الدراجات، ظلت البنتان في طابور السير بانتظار مرور الأزمة. وعلى الجانبين، كان فيلق الرجال يطلق صرخات الاحتجاج.

كم كنت سعيدًا بمشاهدتي لهذا الموقف، وصغر عقلي ووصفت نفسي شاهدًا نسويًّا على تحول تاريخي، وتمنيت أن تكبر ابنتي وتركب دراجة نارية، وأن تصيبني بالحول من شدة "التشفيط" في الشوارع، وأن يصير مجتمعي معتادًا على المنظر، وأن يخف أو يجف عقل أي رافض للتجديد.

كتب في الصحافة

منذ عامين، يشتغل مركز تطوير الإعلام على إنتاج سلسلة أبحاث في الصحافة الفلسطينية، وهذا خط جديد في الإنتاج الاكاديمي. اليوم، ستصل سيارة الجامعة المهجنة، التي يحلم كل مجتمع بيرزيت أن يقودها، وتذهب إلى غرفة المطبعة تحت الكافتيريا وتحضر من هناك ثلاثة كتب جديدة، هي لأصدقائي المؤلفين والصحافيين من الجيل الثاني في الصحافة الفلسطينية: عمر نزال وسعيد أبو معلا ومنى خضر وهداية شمعون ومحمد أبو عرقوب.

أستغل المساحة التي يعطيني إياها الزملاء في زمن برس لأقدم التهنئة لأصدقائي المذكورين، وأستغل الموقع أكثر لأقول إن سلسلة أبحاث ودراسات في الإعلام التي يتم إنتاجها في جامعة بيرزيت هي أبحاث جدية جدًّا في الإعلام.. هذا كلام اعتيادي.. انسوكم من الموضوع.

المهم أن السيارة الغرائبية الخاصة بجامعة بيرزيت التي تشبه "توك توك" القذافي، ستحمل الكتب الثلاثة من مبنى المطبعة تحت الكافتيريا وتمشي بالكتب باتجاه مبنى المسروجي للإعلام في موكب ينتهي بموجة زغاريد على الدرج.

"سَروات"

نمت في بيت والدتي في الخليل، واستيقظت مع الأذان الذي عبأ رأس الجبل الصامت بالصلوات، وخضعت لجلسة تأديبية لأني أسافر لمكان بعيد دون أن اصلي الفجر، أو حتى أن أتوضأ استعدادًا لوحشة الطريق. المهم أنني انطلقت في أغرب "سَروة" باتجاه رام الله.أيقظت عامل محطة المحروقات النائم في الظاهرية.أكلت كل الملبس الذي في السيارة، تأملت الخليل نائمة لأول مرة في حياتي، ادعيت الحول أمام الجندي على حاجز الموت في بيت اسكاريا.."عصيون يا هبايل". تسابقت مع سائق شاحنة مجنون في ريف بيت لحم الشرقي. شممت رائحة شموع كنيسة الرعاة، ورأيت صلعة الأقصى من بعيد. قاتلت حتى أجعل سائق سيارة صغيرة في أبو ديس يتجاوز عني ويمارس كبرياءه عليّ. وصلت رام الله مسكونًا بكلمة واحدة، هي كلمة "سَروات"، وأنكب الآن على كمبيوتري واكتبها، أرددها في المسافة بين المطبخ وبيت الدرج، أدندنها وأسمعها اسم رواية أو اسم أغنية.. سروات سروات سروات.

مقال خاص بزمن برس