الحالة الإنتظارية ليست سياسية

بقلم: 

بات واضحاً مدى عقم التقدير الفلسطيني،بأن الحل الدبلوماسي سينتج حلا حقيقياً،فاتفاق أوسلو بالأساس لا يعدو في جوهره أكثر من اتفاق انتقالي،لكن للأسف تم إستخدامه وتوظيفه من قبل الإسرائيلي لتعميق الإحتلال،بحيث تضاعف الاستيطان في الضفة أربعة أضعاف،مما يشير إلى مدى التقصير الفلسطيني في رؤية تلك المخاطر،علماً بأن المشروع الاسرائيلي سافر ولا يمكن تغطيته أو التذرع بذلك.

عليه،تبدو المرحلة الحالية هي الأصعب في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته،فالمتحرك الوحيد على الأرض هو الاستيطان والعدوان الاسرائيلي المتواصل،لذا أرى من الضرورة بمكان قبل الخوض في الحديث حول البدائل والخيارات،تشخيص وقراءة مركبات القضية الفلسطينية محلياً وإقليمياً ودولياً....ها هو المشروع الوطني الفلسطيني يعيش مأزقاً حقيقياً،إذ لا يخفى بدايةً غياب الدور الفصائلي المألوف تجاه الهبة الحالية ودلالات ذلك،وتعاظم حالة الاغتراب بالمقابل ما بين القيادة والشارع،بحيث يأتي هذا وذاك في لحظة زمنية فارقة يصطدم فيها كلاً من مشروعي التسوية والمقاومة بالحائط،ليس هذا فحسب،بل يسير كلاً منهما في اتجاه معاكس ومتعارض مع الاخر،بدلاً من خدمة هذا لذاك.فلا نجاح البتة لهذا المسار ولا تحقيق للانجاز على ذلك الصعيد،فالاخفاقات والكوارث،هنا وهناك،حدث ولا حرج.
وما يفاقم الأزمة أيضاً إستمرار الانقسام الفلسطيني الحاصل والبناء عليه،لدرجة يستحيل معها إنجاز المصالحة الوطنية،الأمر الذي يضع مختلف الأطراف أمام الحالة الانتظارية المعاشة،والانتظار هنا ليس سياسية،بل مفاقمة للوضع القائم وشكل من أشكال العجز باعتباره انعكاساً طبيعياً ونتيجة حتمية للمراهنة والارتهان الفلسطيني للوضع الإقليمي والدولي.وما يزيد الطين بلة،ضعف وتهلهل حركة فتح بالمقابل،بحكم دورها التاريخي والقيادي،فالازمات والصراعات الداخلية في تصاعد مستمر خاصة في ظل غياب المراجعة التنظيمية في لحظات الصعود ومظهريتها في حالات الهبوط،فضلاً عن تحميل كل طرف المسؤولية للطرف الاخر عن الخسارات المتلاحقة خلال العقد الأخير،مما أعاق إمكانية عقد المؤتمر السابع في موعده المحدد بحيث أضحى ترتيب واستنهاض البيت الفتحاوي مطلباً شعبياً ملحاً لما يمثل من مصلحة عليا يمكن البناء عليها وطنياً بدرجات متفاوتة..للأسف لم يقف الأمر عند هذا الحد،فقد بتنا نلحظ مدى بروز الصراع الداخلي على السلطة،بمعنى عدم اقتصار ذلك عل الصراع بين حركتي فتح وحماس إنما تمدده إلى داخل حركة فتح،ولك هنا عزيزي القارئ حرية التخيل في حالة خلو مقعد الرئاسة لأي سبب من الأسباب وإلى أين سيقودنا ذلك..؟؟!

أما على الصعيد الإقليمي والدولي فالوضع ليس بأفضل حال،إذ لا يخفى انشغال العالم الحالي عن القضية الفلسطينية بملفات أخرى أكثر سخونة مثل القضية الأوكرانية،ملف المهاجرين وتأثير ذلك على أوروبا،الاتفاق النووي الإيراني،الصراع الطائفي في المنطقة العربية ودور الغرب في تأجيجه وتوظيفه،فضلاً عن انشغال العرب بأوضاعهم الداخلية،أي غياب موقف عربي جاد وضاغط لجانب الحقوق الفلسطينية...أمام هذا المشهد السوداوي بأبعاده المختلفة،ما زلنا نرى مختلف الأطراف الفلسطينية للأسف،تعمل بمنطق يعارض اللحظة ويناقض المصالح الوطنية،فهاهو كل طرف بمكانه،يسعى لتثبيت الوضع القائم،سواءً في الضفة أو في القطاع،مما يدل على غياب التفكير بالبدائل وتوفير متطلبات ذلك،جراء غياب القناعة بالأساس،وبالتالي غياب الإرادة فضلاً عن الخوف من دفع الأثمان المطلوبة أو من ردة الفعل الاسرائيلية المتوقعة،الأمر الذي يشجع على استمرار الحالة الانتظارية المعاشة والمراهنة والارتهان للوضع الإقليمي والدولي...عليه،واهم ومخطئ من يعتقد هنا بأن الحل للخروج من المأزق الراهن،يكمن في اتخاذ جملة من القرارات،سواءً هنا أو هناك،على غرار قرارات المجلس المركزي الأخيرة في أيار الماضي،فهناك فرق كبير ما بين اتخاذ القرارات وما بين القدرة والاستعداد لتنفيذها،فالوضع الراهن،ارتباطاً بما سبق،أخاله يمثل خيبات أمل متواصلة ومستمرة،قد تدفع الجماهير،في ظل الإنقسام الحاصل والتحريض القائم للانتفاض على السلطة،ولتفادي هذا وذاك لا بد مما يلي:-

أولاً:إجراء مراجعة تنظيمية جدية لاخفاقات الحركة وخساراتها المتلاحقة بهدف تهيئة الأجواء المناسبة  لاتمام المصالحة الداخلية للحركة تمهيداً لعقد المؤتمر السابع وفقاً لأصول وأبجديات العمل التنظيمي السليم،بمعنى الخروج بمقررات في صورة خيارات وبدائل تجاه كافة القضايا والأسئلة المعروضة.
ثانياً:إعادة تقييم العلاقة مع الاحتلال،لأنه لا يمكن استمرار الوضع الفلسطيني الراهن،أي مراوحة وسكون القيادة الفلسطينية في نفس المكان،فلا احتلال دائم ولا شعب بدون دولة.

ثالثاً:التوافق على رؤية استراتيجية محددة الأهداف والمسارات ،الخيارات والبدائل،انطلاقاً من الحوارات الحالية بين حركتي فتح وحماس وضرورة توفير متطلبات نجاح ذلك على قاعدة لا رابح ولا خاسر.

رابعاً:إيجاد قاعدة سياسية صلبة تقوم بالأساس على تنفيذ المصالحة وإعادة الاعتبار للخيار الديمقراطي إلى جانب نضال داخلي يعظم تكلفة الاحتلال الإسرائيلي ونضال خارجي على غرار جنوب أفريقيا،أي تفعيل كل أدوات الضغط على اسرائيل لسحب الشرعية دولياً عنها من خلال تعميق عزلتها والمقاطعة الدولية لها لتحويلها لدولة غير مقبولة بهدف إجبارها على إحلال السلام،فالعقوبات الاقتصادية هي من أجبرت إيران على إبرام الاتفاق النووي مؤخراً.

خامساً:ضرورة تعظيم البعد الشعبي في الاستراتيجية الفلسطينية وبالتالي استثمار استعداد الشباب الفلسطيني الحالي للتضحية وتوظيف ذلك ما أمكن من خلال الاتفاق على رؤية لتحويل الهبة الحالية لحراك شعبي شامل عبر توفير الدعم لها والمحافظة على إيقاعها مضبوطاً...سادساً:الذهاب نحو تدويل القضية الفلسطينية من خلال إيجاد إطار دولي يوفر الضمانات والشروط اللازمة والمحكومة بسقف زمني واقعي ومقبول لفرض حل جدي وحقيقي،ذلك في ظل المعرفة بأن اسرائيل لا تريد دولتين بل دولة اسرائيل الواحدة ونظام أبارتايد في حدود عام سبعة وستين.

ختاماً،أؤكد مجدداً بأن الحل يكمن في إجراء انتخابات عامة وفي عودة منظمة التحرير الفلسطينية...فهل من مجيب..؟؟!