بين غزة وصربيا .. تتباين الصورة

بقلم: 

صوت نواب البرلمان الصربي لصالح قرار يقضي بعزل وزير الدفاع بعد أن تفوه بتعليق على صحفية وصفه منتقدو الحكومة بأنه يظهر قلة احترامه لوسائل الإعلام.

حيث علق وزير الدفاع "براتيسلاف جاسيتش" على صحافية انحنت لتجنب إعاقة التصوير بقوله "أحب أولئك الصحفيين الذين ينحنون بسهولة". ، فكان ما أراده البرلمان.

وهنا في غزة بعد أن ضجّ الناس صراخاً وعويلاً ونحيباً بسبب امتهان كرامة الإنسان ليل نهار لا أحد يحرك ساكناً ، فساستنا أدام الله عليهم نعمة الصحة والعافية يتسابقون للدفاع عن ذواتهم وأحزابهم وبرامجهم المقيتة دون النظر إلى معاناة المواطن الذي أعيته الإهانات منذ أن تجرأنا على دماء بعضنا البعض فكانت آدمية الإنسان هي الضحية الأولى لهذا الشقاق.

كنت أتمنى ألا يقرأ الذين يتبوؤون مناصب وزارية في وطني فلسفة معاوية ابن أبي سفيان في حكم الشام الذي دام أربعين عاماً ولم تحدث فتنة بالرغم من حالة الغليان ، عندما سئل عن السر في ذلك فأجاب: "إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت, وإذا شددت أرخوا "، فإذا بالوزراء والساسة يحفظون هذه الفلسفة عن ظهر قلب.

بين غزة وصربيا تعتصر القلوب ألماً ، وتعتري النفس الغصص ، تهان صحافية بكلمة فيتداعى البرلمان للانعقاد ويطال قراره أكثر الوزراء سلطة وتنفذاً ، وفي بلدي نهان جميعاً بفعل الانقسام فلا تتعرق جباه القادة ولا ترتعد فرائصم.

تأتي هذه الكلمات في الوقت الذي تشهد فيه الدوحة لقاءات مكوكية بين المنقسمين ولسان حال المواطن يقول: "اتفقوا كي تنقذوا بقايا كرامتنا التي امتهنها الانقسام ، فقلد نفذ مخزون الصبر ، وضاقت علينا الأرض بما رحبت".

وليتسع صدر قادتنا قليلاً ، وليمنحونا من وقتهم الثمين اليسير ليتعرفوا على بعض من فصول المعاناة ، فهنا في غزة الغائبة التي يلفها الظلام عشرات الآلاف من العمال والخريجين تقطعت بهم السبل ، وهنا عشرات الطلاب الذين ضاع مستقبلهم بسبب إغلاق المعابر ، وهنا تتردى خدمات الصحة فيموت المريض قبل الحصول على تحويلة للعلاج ، وهنا يعاقب الموظف من قبل حكومة قالوا أنها توافقية ، فتوافق وزراؤها على ظلمنا من خلال التمييز بين الموظفين وتعاملوا معنا على أننا حمولة زائدة في قطارهم المسرع ، أما عن الضرائب من حكومة الظل فحدث ولا حرج.

هنا في غزة إذا ما فكر المواطن بالاعتراض على عدم انتظام جدول الكهرباء (8-2) يتهم بالخروج عن الصف، وإذا ما مارس حقه بالانتقاد في أي قضية طالته لعنات خطباء المساجد ، والمضحك أن أي سياسي وقائد إذا ما تمت دعوته لإلقاء خطبة أو الإدلاء بتصريح أول ما يتغنى به معاناة غزة وأهلها فيصفق له الجمع ويومئ بعينه رضاً واعجابا.

والسؤال الذي يبقى قائماً: إلى متى ستستمر فصول المعاناة ؟؟، وإلى متى ستبقى غزة خارج حدود الوطن المقسم ؟؟ أما آن الأوان أن تصبح معاناة الناس على سلم أولويات الساسة الذين أرهقونا كذباً ؟؟؟ واستكثروا علينا أن نتوهم الأمل في أن يتفقوا على طي صفحة الانقسام الأغبر فخرج بعضهم يطالبنا بألا نرفع سقف التوقعات.

للمتحاورين نقول: لازلنا نتمسك بالأمل برغم كل المعطيات المحبطة، كونوا على قدر المسئولية فلربما تكون الدوحة محطتكم الأخيرة ، وانحازوا إلى هموم الناس لأنهم لم ينصبوكم ليعيشوا حياة الهوان.

بين صربيا الكافرة .. وغزة المسلمة تتباين الصور ، مع يقيننا بأن الخلل لم يكن يوماً في الدين بقدر ما هو في أدعيائه.