تسليع المواقف

بقلم: 

 يستطيع خبراء قراءة لغة الجسد أن يصنفوا الناس وفقا لحركات أجسامهم ونبرات أصواتهم ونظرات عيونهم، ويقال أن الإبداع يكون دائما لدى الأشخاص المتصفين بالهدوء والاتزان ويتحلون بالقيم والمباديء ويسابقون الريح كي تصل أفكارهم، ويقومون بتحليل المواقف والأحداث لكي يتمكنوا من صناعة معلومات تصل بالقرار الى بر الأمان سليما من الخلل .

يعمل البعض على إمتهان التسليع الظاهر والمفضوح للمواقف والقيم والمبادئ، وهؤلاء يتم إحاطتهم بهالة كبيرة ولامعة لكي يتم إدخالهم الى "السوق"، وأما أصحاب القيم الثمينة حقاً فيراد تبخيسهم وتحويلهم الى المكانة الأدنى، ويفشلون دائما لأنه ببساطة ما يُبنى على باطل يبقى باطلاً طال الزمن أو قصر.

هناك تسليع يصاحبه تكريم وهمي لشخصيات لا تحمل أي قيمة حقيقية ولكنها إرتضت أن تكون سلعة بلا قيمة في بازار الابتزاز وبالتالي يتم تخزينها لوقت ما "عوزة"، وهذا ما يشبه صنع الخلايا الخاملة.

 هناك من تنظر له كقامة عملاقة ولكنها انتقلت الى سوق التسليع وحادت عن المبادئ والقيم والمواقف وارتضت أن تغرق في الخنوع والخضوع، وبهذا يتم صناعة الشخصيات الفاشلة والتافهة، وتكرم في أوقات الحصاد المحدّد لتتحول الى ركام، وهكذا يتم صناعة الشِلل والجماعات، وتزوير الحقائق والتاريخ.

 أصحاب القيم والأخلاق لا يبحثون إلا عن الرضا الداخلي والقيم الذاتية وتقديم أجود الفعل في الخفاء بعيدا عن الرياء والكذب وشراء التصفيق الحاد المزيف، ويواجهون الباطل وينتصرون للمظلوم ويقفون على حاجة الناس في أوقات الشدة والرخاء ولا يهمهم من خالفهم أو من ذهب إلى بازار التسليع في زمن عز فيه الوفاء والرجال.

وأخيراً فان الثقافة المطلوبة لصناعة الغد المشرق والمواقف الصلبة والرجال الصادقين المنتجين والمبدعين والأوفياء، لا تتم على أيدي فاقدي كل ذلك، وكما أن الثقافة لا يتم طباعتها بين لوحي زجاج مزخرف وملون، لأنها قيمة حاضرة تدل على الشخص حتى في غيابه ويذكر بها، وبكل تأكيد فهي لا تقبل القسمة على التسليع والرخص والبيع والشراء .