التحديدات الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي

بقلم: 

  أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مؤخراً قراراً يتضمن وضع تحديدات اقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، حيث أقرت اللجنة المركزية لحركة فتح ومجلس الوزراء الفلسطيني العمل بهذه التحديدات .

إن هذه التحديدات تتمثل بما يلي :
- الاستغناء عن التعامل بالشيقل الإسرائيلي وإحلال الدولار الأمريكي كبديل له في التعامل .
- الاستغناء عن الكهرباء الإسرائيلية وإبدالها بطاقة أخرى كالطاقة الشمسية مثلاً.
- إيقاف تحويل المرضى الفلسطينيين إلى المستشفيات الإسرائيلية .
إن هذه القرارات هي قرارات صائبة وهي حق من حقوق شعبنا على طريق الاستقلال الناجز برحيل الاحتلال الإسرائيلي وإحقاق حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهي مقدمه مشروعة للعمل على فك الارتباط مع الجانب الإسرائيلي المهيمن على الأرض ومقدرات شعبنا مستخدماً الوسائل الأمنية والتقسيمات الإدارية التي تضمنتها اتفاق أوسلو واتفاق باريس لإبقاء سيطرته على الأرض والوطن الفلسطيني وإبقاء الاقتصاد الفلسطيني تابعا لاقتصاده وسوقاً استهلاكياً لمنتجاته .
منذ بداية تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية نادى العديد من المحللين والسياسيين والخبراء بضرورة وضع برنامج طويل المدى ومتكامل من كافة الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية والتنظيمية والقانونية ...الخ هدفه التقليل تدريجياً من الارتباط والهيمنة والسيطرة الإسرائيلية وذلك من خلال وضع إستراتيجية تشترك فيها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات السلطة الوليدة مع المنظمات والأحزاب والنقابات والقوى الاجتماعية والشعبية الفلسطينية لتجسيد طموح إنهاء الاحتلال، لأنه كان مفهوماً منذ اليوم الأول أن إنهاء الاحتلال ليس عبارة عن قرار سياسي يمكن اتخاذه من قبل إسرائيل والدول المانحة، بل إن ذلك يتطلب نضالات طويلة ومتشابكة ومترابطة مع بعضها البعض على كافة الصعد والمستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والشعبية والمؤسساتية بجميع أشكالها الرسمية والخاصة بالإضافة إلى العمل من خلال برنامج تأسيسي وتطويري للنظم والقوانين لتنظم العلاقة ما بين الشعب وممثليه وقياداته بمختلف أشكالها بأشكال وأساليب ديمقراطية سليمة .
لا أريد أن ألوم أحدا في هذا المضمار لأنه لو تم العمل بما تم ذكره سابقاً لكان الشعب الفلسطيني ومؤسساته قد قطعت شوطاً كبيراً في وضع مثل هذه التحديدات وغيرها موضع التنفيذ بالرغم من الرفض الإسرائيلي لذلك، إلا انه للأسف الشديد نزل الكثير من على ظهر الجبل دون أن يكون هناك اهتمام أن مرور الوقت سيكرس الإبقاء على كل ما اتفق عليه مع الجانب الإسرائيلي كما هو، دون العمل على التقليل من تأثيراته المعيقة والتي تجعل من الاعتراف الدولي لدولة فلسطين انجازاً يصعب تحقيقه على الأرض والذي يتطلب إنهاء كافة المعيقات والمتمثلة بالعديد العديد من الارتباطات المنصوص وغير المنصوص عليها في الاتفاقيات والتي تحتاج إلى تحديد و أو إنهاء أيضاً.
إن ما يجب الانتباه له عند العمل على وضع التحديدات الثلاثة المذكورة موضع التنفيذ هو توفر العديد من الإمكانيات والآليات والمتطلبات المتداخلة والمتشابكة والمتمثلة بما يلي :
1- العامل الزمني المطلوب لتحقيقها والذي قد يتطلب شهوراً أو سنوات شريطة أن يتم ذلك بجدول زمني محدد السقوف لكل الإمكانيات والمتطلبات .
2- دراسة رد الفعل الإسرائيلي لمثل هذه التحديدات وكيفية مواجهة ردود الفعل هذه للتقليل من تأثيراتها على الانجاز والتنفيذ، على أن يتم ذلك بوضع الاحتمالات العديدة التي قد تقوم بها إسرائيل وكيفية مواجهة كل احتمال من هذه الاحتمالات ووضع البدائل الممكنة في مواجهة احتمالات المواجهة الصعبة .
3- إن إحلال عملة الدولار في التعامل بدلاً من الشيكل حالة تحتاج إلى دراسة وإمكانيات وتهيئة كاملة، بالإضافة إلى تحديد مضمون القرار في هذا الصدد فيما إذا كان الإحلال هو خاص بالمعاملات الرسمية (الحكومية) فقط أم يتعلق بالإحلال الشامل على المستوى الرسمي والشعبي معاً .
أ‌- فإذا كان الإحلال يتعلق بالمعاملات الرسمية فقط فان ذلك يتطلب دراسة ما يلي :
- إمكانية توفر الكتلة النقدية المستوجب دفعها بالدولار والمتمثلة بالرواتب واستحقاقات الدفع المطلوبة من الحكومة والمؤسسات الحكومية والشبه حكومية الأخرى، بالإضافة إلى تغطية دفعات التجارة الخارجية وخاصة مع الجانب الإسرائيلي .
- إن تغطية هذه الدفعات قد يتعرض إلى نقص في توفير الكميات المطلوبة من الكتلة النقدية بالدولار، ما يتطلب إدخال كمية من الكتلة النقدية للدولار من الخارج والذي قد يصطدم مع الجانب الإسرائيلي لسيطرتها على المعابر الحدودية، كما أن هذا الأمر قد يصطدم بالحصول على الكميات المطلوبة في الوقت المناسب ومن هي الجهات التي سيتم الحصول منها على هذه الكميات .
ب‌- أما إذا كان الإحلال شاملاً فانه بالإضافة للمعوقات المذكورة أعلاه فإن الأمر يتطلب تحديد أسعار السلع والخدمات بالدولار كبديل للشيكل وفي هذه الحالة أيضا يجب توفير كميات كبيرة من فكة الدولار (أنصاف وأرباع الدولار) بالإضافة إلى العملة الورقية ليتم تداولها من قبل المواطنين لتغطية دفعاتهم اليومية .
4- إن إحلال بديل للكهرباء المستوردة من إسرائيل بطاقة يمكن إنتاجها محلياً مثل الطاقة الشمسية وغيرها من الطاقات لتأمين الكهرباء المطلوبة، يتطلب ما يلي :
- إمكانية توفير حاجة الشعب الفلسطيني بصوره كافية من التيار الكهربائي ما يتطلب دراسة الحاجة الحالية للشعب من التيار الكهربائي مع إمكانية زيادة الإنتاجية تبعاً للزيادة السكانية .
- وضع خطة متكاملة يتم من خلالها تحديد الكيفية التي سيتم من خلالها إنتاج مثل هذه الطاقة هل هي شمسية أو مائية ... الخ وهل سيتم ذلك من خلال مشاركة المواطنين كما هو الحال في الطاقة الشمسية من خلال استخدام أسطح منازلهم أم من خلال تخصيص مساحات واسعة من المناطق المكشوفة لإنتاج مثل هذه الطاقة ؟
- تحديد آلية التمويل لإنتاج الطاقة سواء بمشاركة المواطنين أو من خلال تمويل مباشر لهذا الإنتاج من قبل مؤسسة الطاقة .
- تأمين الحماية للمساحات المخصصة لتوليد الطاقة الكهربائية وخاصة من الجيش والمستوطنين الإسرائيليين وتأمين الإمكانية لعدم الاعتداء عليها وتخريبها أو تدميرها .
5- وقف إجراءات تحويل المرضى الفلسطينيين إلى المستشفيات الإسرائيلية، إن مثل هذا الإجراء هو إجراء ضروري لأسباب عديدة، كما أن مثل هذا الإجراء يتطلب البحث عن مستشفيات بديلة لكافة الحالات المرضية والتي كانت تستوجب التحويل إلى المستشفيات الإسرائيلية وإمكانية توفيرها في المستشفيات العاملة في فلسطين أو الدول العربية والأجنبية وما يتطلبه ذلك من اتفاقيات وتأمين التمويل اللازم لتغطية هذه التحويلات .
إن ما تقدم يتضمن ثلاثة من حالات التحديدات مع الجانب الإسرائيلي فقط والتي ستوفر مئات الملايين من الدولارات للجانب الفلسطيني وتشكل في نفس الوقت خسارة للجانب الإسرائيلي بنفس القيمة .
إن هذه التحديدات الثلاثة هي جزء من مجموعة كبيرة من الارتباطات التي تربطنا مع الجانب الإسرائيلي والتي تحتاج إلى تحديد أيضا والتي تضمنتها اتفاقيات أوسلو وباريس .
إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والوصول إلى الاستقلال الناجز يتطلب تحديد و أو إنهاء كافة الارتباطات مع الجانب الإسرائيلي لان التحديدات الثلاثة هذه ليست بكافية لإيصالنا للاستقلال الناجز المنشود، وإنما ذلك يتطلب حشد كل الإمكانيات والطاقات الجماهيرية المدنية والمجتمعية والمؤسساتية الاقتصادية بطرفيها العام والخاص بالإضافة إلى الأحزاب والمنظمات السياسية لان الصراع الذي نحن بصدده هو صراع مصالح وإرادات وثقافة وتاريخ وحق يجب استرداده والذي تم سلبه منا بالقوة والغطرسة ومن خلال دعم القوى المهيمنة والمسيطرة في العالم .
إن ذلك يتطلب منا جميعا لغة واحدة هي لغة الوطن أولا وقبل كل شيء بعيداً عن الفردية والأنانية وإنكار أو تهميش أو إبعاد الآخر، ويجب أن يتم من خلال برنامج عمل وطني متكامل يشارك فيه الجميع انطلاقا من كون الوطن للجميع يتضمن بنوده إنهاء الاحتلال من دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف وتأمين حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وبناء دولة فلسطين العتيدة لتأخذ وضعها بين الدول .