تفاهمات عمان

بقلم: 

لم تصمد تصريحات وزير الخارجية ناصر جودة الترحيبية المستعجلة لبيان نتنياهو حول المسجد الأقصى ، حتى تم خرقها من قبل الشرطة وأجهزة الأمن الإسرائيلية بمنع إدارة الأوقاف الفلسطينية للإشراف المباشر على تركيب كاميرات المراقبة ، الهادفة أردنياً وفلسطينياً كشف خروقات إقتحام المستوطنين والمتطرفين الإسرائيلين ، والهادفة إسرائيلياً للتدقيق أكثر في هوية المرابطين والمرابطات الذين منعتهم أجهزة الأمن من دخول الحرم القدسي الشريف وتأدية واجباتهم الدينية أو الوظيفية لخدمة المسجد بحجة أنهم من القائمة المحظورة وتصديهم للمستوطنين .

بيان نتنياهو تضليلي وحمّال أوجه ومتعدد المعاني ولهذا أعلنه بالإنجليزية بهدف التسويف كي لا يصل لمستمعيه بمعنى واحد ، بل بعدة معاني ، فهو يتمسك بعدم التغيير وإحترام المسجد الأقصى لصلوات المسلمين ، ولكن لزيارات غير المسلمين في نفس الوقت ، ويحترم وصاية الأردن على الحرم القدسي الشريف ولكن بأي شكل وبأي معنى وكيف ؟؟ .

فقد سبق  لنتنياهو أن جاء إلى عمان برفقة جون كيري في شهر تشرين ثاني 2014 ، وأعلن إلتزامه بالوصاية الأردنية وإحترامها ، ولكنه بعد نتائج الإنتخابات الإسرائيلية يوم 17/3/2015 ، تراجع عن وعوده وأعاد ما كان يرغبه مع حلفائه من أحزاب المستوطنين والمتطرفين بفرض التقسيم الزماني ومنع المصلين المسلمين من دخول الحرم القدسي الشريف في أوقات معينة ، وإختصر وقت المستعمرين المستوطنين لإقتحام ساحات المسجد من السابعة صباحاً حتى ما قبل صلاة الظهر ، وهي الفترة الزمانية التي يسمح خلالها للمستوطنين بممارسة عربداتهم السياسية المتطرفة تحت غطاء ديني في غير مكانهم اليهودي ، مثلما غيّر الحراسة بدلاً من إرتباطها بالسماح أو منع الزوار بالأوقاف الإسلامية وتحولت لتكون بيد الشرطة الإسرائيلية ، التي تتحكم بدخول المصلين وأوقاتهم وأعمارهم ، وبذلك أزال القرار الإسلامي وإشرافه المباشر على دخول ساحات الحرم وكيفية إدارته ، وها هم المستوطنون يقتحمون ساحات المسجد برعاية الشرطة وحماية أجهزة الأمن الإسرائيلية ، طالما هو مسموح لغير المسلمين دخول ساحات الحرم القدسي أسوة بالمسلمين ، وها هي قضية الكاميرات تخلق حالة إشكالية ، فالإقتراح الأردني أن تكون تحت رعاية ومراقبة الأوقاف الإسلامية ، بينما سلطات الإحتلال ترغبها مفتوحة لصالحها لزيادة تشخيصهم لحماة الأقصى ، وهو ما يرفضه ، القائمون على المسجد من سدنة الأوقاف الأردنية والفلسطينية . 

لقد رفض رأس الدولة الأردنية الملك عبد الله إستقبال مكالمات نتنياهو غير مرة طوال الأسابيع الماضية وتدخل الأميركيون فكان شرط الملك إزالة مظاهر التقاسم الزماني حتى يستقبل مكالماته ، ورفض الأردن فكرة القمة الرباعية ، لأنها تضليل بلا فائدة ستمنح نتنياهو فرص العلاقات العامة والأستفادة منها بدون أن يدفع الثمن ويلتزم بما هو مطلوب منه  ، وبقيت الأتصالات معلقة تقتصر على الوساطة الأميركية المنحازة سلفاً للمشروع الإستعماري الإسرائيلي وغطاء لإجراءاته وحماية لأهدافه التوسعية ، وإلا لما إستعمل جون كيري مسمى الحرم القدسي الشريف نفس الوصف التضليلي الذي يستعمله نتنياهو بـ " جبل الهيكل " . 
الهبة – الأنتفاضة ثورة السكاكين ، ثورة القدس لم تكن لولا بسالة الشباب والشابات ، ولولا حماة الأقصى من المرابطين والمرابطات أبناء القدس وأبناء مناطق 48 ، ولولا الأسهام الأردني المباشر بتعيين الحراس الذين تجاوز عددهم السبعمائة موظف وحارس وسيتم تعيين مائة أخرين قبل نهاية هذا العام ، لزيادة فعالية الحراس والحماة والمرابطين والمرابطات ، وزيادة إرتباط عائلات القدس بالأقصى وتفرغهم للعمل كموظفين تحت إدارة الأوقاف الإسلامية المقدسية ، وهؤلاء هم إحدى الفرق المشاركة في العمل إلى جانب بواسل القوى السياسية من مناطق 48 ، وبواسل فصائل المقاومة والعمل السياسي الكفاحي الفلسطيني من أبناء القدس .

خرج الفلسطينييون من كل هذه الأتصالات ، خرجوا من المولد التفاوضي بلا حمص يُؤكل ، وبلا فائدة تُذكر ، فعليهم دفع الأثمان ، مع أن الأثمان ضرورية على طريق تحقيق الأنتصار ، إنتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وهزيمة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وإندحاره ، وبسبب تفوق قدرات العدو ، قبل الفلسطينييون عبر مؤسساتهم التمثيلية الحل التدريجي المتعدد المراحل ، شريطة أن يتم ذلك عبر خطوات متصلة متلاحقة ، لا تعيق الواحدة منها إنجاز الأخرى التالية ، لا أن تكون إحدى الخطوات وهي الهدف والمصير ، فالهدف هو إستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني الشرعية المتكاملة لمكونات الفلسطينيين الثلاثة : حق المساواة على أرض الوطن في مناطق 48 أسوة باليهود الإسرائيليين ، وحق الإستقلال الكامل والكرامة الوطنية لأصحاب الأرض الشعب الفلسطيني أبناء الضفة والقدس والقطاع ، وحق اللاجئين في العودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها ، ولذلك القدس ، الأقصى ، الكنيسة ، المهد ، القيامة ، البشارة ، مقدسات ملك للشعب الذي يتوق للحياة والعبادة الأمنة على أرض الوطن ، وفق قرارات الأمم المتحدة وقيم حقوق الإنسان ، ومثل كل الشعوب المتحررة المستقلة الأمنة المستقرة في بلادها .

خطوات التراجع الإسرائيلية عن أي فعل أو إجراء أو مظهر إستعماري ، مطلوبة ، على أن لا تكون هي الهدف ، بل هي خطوات تراكمية للوصول إلى الهدف بدءاً من صمود الشعب الفلسطيني على أرض بلاده في مواجهة المشروع الإستعماري الذي يستهدف جعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وترحيلهم بإعاقة فرص الحياة أمامهم أمنياً وإقتصادياً ومعيشياً وسياسياً ، فالصمود هو الخطوة الأولى لتتلوها خطوات النضال لجعل الإحتلال مكلفاً ، وهو ما فعله شباب إنتفاضة السكاكين حينما جعلوا حياة اليهود الإسرائيليين غير أمنة والقلق هو عنوان يومياتهم ، والشيء المؤكد أن سكاكين الفلسطينيين وحجارتهم لن تحرر فلسطين ولكنها التعبير الحي عن رفض الإحتلال ورفض التعايش معه ، وهي وسيلة من وسائل النضال الشعبي البسيط ، مثلها مثل الكفاح المسلح ، والعمليات الأستشهادية ، والأنتفاضة المدنية ، والمفاوضات ، والنشاط الدبلوماسي على المستوى الدولي ، هي جميعها أدوات الفعل التراكمي الفلسطيني لمواجهة الإحتلال  وتقويض مكانته وعزلهم وجعل حياته غير أمنة على أرض الفلسطينيين وغير قادرة على مصادرة حقوقهم وبلع وطنهم .