نتنياهو من مدرسة جوبلز

بقلم: 
مثل وزير اعلام نظام هتلر النازي المهزوم جوبلز  حينما كان مصراً على مواصلة الكذب والتضليل ، يعمل نتنياهو على مواصلة تحميل الشعب الفلسطيني نفسه مسؤولية ما يتعرض له من عذابات ، فالاحتلال الاجنبي الاستعماري التوسعي الاسرائيلي يعمل بوسائل متفوقة وأدوات تكنولوجية مؤذية في ذبح الفلسطينيين وبقائهم عبيداً للاحتلال وعمال خدمات للمشروع الصهيوني ، وفي نفس الوقت يعمل على تبرأة نفسه من دم الفلسطينيين المباح أمام جيش الاحتلال وميليشيات المستوطنين المسلحة وأجهزته الاستخبارية .
 
نتنياهو برأ هتلر من فكرة ذبح اليهود في أوروبا ، وحمَل مسؤولية فكرة المحرقة لزعيم الحركة الوطنية الفلسطينية أنذاك الحاج أمين الحسيني الذي حرّض هتلر وأوحى له بفكرة حرق اليهود  ، بينما نفى أبرز المؤرخين اليهود صحة تحريض الحسيني على ارتكاب المحرقة ، وقالوا ان لقاء هتلر مع الحاج أمين تم لمرة واحدة في شهر تشرين ثاني 1941 والمحرقة بدأت قبل ذلك التاريخ ، وفي ذلك اللقاء  لم يتطرقا فيها اطلاقاً اعتماداً على محضر الاجتماع ، لمسألة طرد اليهود من المانيا أو الدفع بحرقهم ، وكل ما حصل أن زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية سعى للحصول على مساعدة المانية “ كي يشمل الحل النهائي فلسطين والشرق الاوسط وشمال افريقيا “ ، لمواجهة المشروع الاستعماري البريطاني الهادف الى تنفيذ وعد بلفور في اقامة وطن لليهود على أرض الفلسطينيين ، ولكن الحسيني أخفق من تحقيق طموحاته في احباط وعد بلفور ، وخلصت المؤرخة الرئيسية لمؤسسة “ يد فشيم “ لتخليد ذكرى ضحايا محرقة اليهود دينا بورات الى نتيجة مفادها أن “ رؤية نتنياهو المختلقة من شأنها التسبب بضرر كبير وازاحة المسؤولية عن كاهل المانيا “ .  
 
السؤال الجوهري هو : هل نتنياهو بهذا الغباء وضيق الافق كي يُبرأ هتلر ويتهم زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية الحاج أمين الحسيني ويصر على تغيير الحقائق والوقائع التاريخية ؟؟ وهل تجربة جوبلز كانت فاشلة حتى يتمسك بها نتنياهو بعد أن درس فلسفة جوبلز الاعلامية التي كانت تقول اكذب واكذب وواصل الكذب حتى يصدقك الناس ؟؟ .
 
نتنياهو ليس كذلك ، واصراره ودوافعه واعية منهجية تستهدف ربط الحاضر بالتاريخ بهدف شيطنة الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ، ليس لأنهم عافوا الاحتلال ورفضوه وناضلوا ضده ويسعون نحو الحرية والاستقلال ، بل لأنهم من وجهة نظره  يكرهون اليهود ، منذ زعيمهم الاول الحاج أمين الحسيني ، وهو يُحاول الصاق تهمة التحريض للرئيس الفلسطيني أبو مازن وشيطنته ، كي يُبرأ “ اسرائيل “ من دم الفلسطينيين ، ويبرر أفعالهم المشينة وجرائمهم المتواصلة ضد الشعب العربي الفلسطيني ، ومواصلة الاستيطان التوسعي الاستعماري وتوسعه على حساب أصحاب الارض الفلسطينيين الذين لا وطن ولا أرض لهم سواها ، وأن لا يكون ملزماً بأي تسوية مع الفلسطينيين تُعيد لهم جزءاً من حقوقهم ، فهو يؤمن بأرض اسرائيل الكاملة ويعمل من أجل تحقيق كامل أهداف المشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني اليهودي الاسرائيلي ، ولهذا فهو يحتاج لقلب الحقائق وربط الصراع المستديم بالواقع الراهن وتبرير سياساته واجراءاته ضد الشعب الفلسطيني في منطقتي الاحتلال الاولى عام 1948 والاحتلال الثانية عام 1967 .  
 
ونتنياهو يُدرك أن الهولوكوست فقدت وظيفتها واستنفذت دوافعها ولم تعد سلاحاً يمكن استعماله ، بعد أن حصل مشروعه على التعويضات ولم يتبق منها سوى ثلاث سنوات حتى تنتهي قيمة التعويضات الالمانية بدل حرق اليهود ، وحاول ايجاد عدو أخر بعد النازية فوقع اختياره على ايران وسلاحها النووي ، ولكنه أخفق في الترويج ، ولم يقبض الاميركيون مخطط قصف ايران وتدمير مفاعلها وبدلاً من ذلك توصل الاميركيون مع الايرانيين لتفاهمات واتفاق ، فانتقل الى الفلسطينيين باعتبارهم الحلقة الاضعف لأتهامهم لأن صراعه الاساسي والجوهري مع الشعب العربي الفلسطيني ، وليس مع غيره ، فهو سارق أرض الفلسطينيين وسالب حقوقهم وداس على كرامتهم ولم يجد منهم سوى الصمود والنضال والمطالبة باستعادة حقوقهم ، وها هو المجتمع الدولي يعمل تدريجياً وخطوة خطوة بالانحياز لهم والعمل على انصافهم ، وان كان ذلك بطيئاً وبدم بارد  .
 
ثورة السكاكين ، انفجرت رداً مباشراً على محاولات المستوطنين والمتدينيين بالمساس بقدسية المسجد الاقصى وحرمه الشريف ، وفرض الشراكة والقسمة عليه والاخلال بمكانته كمسجد للمسلمين كما هي الكنيسة للمسيحين والكنيس لليهود والخلوة للدروز ، وهي محاولات متكررة لن تتوقف وسيتم افشالها طالما بقي حماتها يقظون من اجراءات الاستهداف بالتقسيم الزماني أو المكاني ، ولكن الانفجار هذا ، لم تكن دوافعه المسجد ومكانته وقدسيته فقط ، بل يشمل الوضع الفلسطيني برمته ، فاستمرار الاحتلال والتهويد والاسرلة والتوسع الاستيطاني وفقدان الفلسطينيين حقهم في الامل والحياة الامنة في القدس وسائر الاراضي الفلسطينية المحتلة هو الدافع المستمر والمتواصل لاستمرار الهبة – الانتفاضة وصولاً نحو الثورة الدائمة حتى يزول الاحتلال ، وهذا هو سبب الانتفاضة المدنية الاولى عام 1987  ، وسبب الانتفاضة المسلحة الثانية عام 2000 ، وها هي تجدد بانتفاضة السكاكين .
 
لقد فرضت ثورة السكاكين على نتنياهو للتراجع أمام صلابة المرابطين والمرابطات ، وأمام بسالة الشباب والشابات المنتفضين ، ولكنه تراجع مؤقت ، فالتسمية التي أطلقها على الحرم القدسي الشريف  “ جبل الهيكل “  لا توحي بالطمأنينة ، وكلماته تضليلية تحتمل التأويل وتعكس نواياه الخبيثة الدفينة والمعلنة ، فالتهدئة التي سعى نحوها وعمل جون كيري وزير الخارجية الاميركي من أجل تحقيقها لا تحمل الا معنى واحداً وهو استمرار الاحتلال ، ولا شيء غير بقاء الاحتلال ، وطالما بقي الاحتلال على أرض الفلسطينيين وعلى صدورهم طالما بقي الرفض والمقاومة وثورة السكاكين ، سواء بهذا الشكل أو ذاك من النضال المشروع ضد الاحتلال .