التقلبات التي تواجه الإخوان المسلمين

بقلم: 

صمدت الدولة الأردنية منذ بداية ثورة الربيع العربي 2011 ، في وجه الضغوط الخليجية المطالبة بشيطنة حركة الإخوان المسلمين ، وإخراجها كحركة سياسية عن الشرعية المعطاة لهم ، ورفع الغطاء القانوني عن السماح لهم بالعمل العلني ، بعد أن وصفهم نظام الخليج العربي ، بإستثناء قطر ، على أنهم تنظيم إرهابي يستوجب الملاحقة ، ولكن الدولة الأردنية لم تتجاوب مع هذه الضغوط ، وحرصت على معاملتهم برفق وحنية وعدم التراخي معهم في نفس الوقت ، رغم قيادتهم للمعارضة ضد السياسات الحكومية الرسمية .

الإخوان المسلمون وصفهم الراحل الملك حسين عام 1996 ، على أنهم " حزب الدولة " بسبب عدم مشاركتهم في إحتجاجات رفع الخبز أنذاك ، إنعكاساً لحالات التوافق بينهم وبين الحكومات الأردنية المتعاقبة ، طوال فترة الأحكام العرفية منذ عام 1957 حتى عام 1992 ، وتحولوا إلى قيادة المعارضة ، بعد نفاذ دورهم الذي أدوه طوال مرحلة الحرب الباردة 1950 – 1990 ، ومشاركتهم في تلك الحرب في مواجهة المعكسر الإشتراكي وخاصة في أفغانستان بقيادة عبد الله عزام ،  وضد أحزاب التيارين اليساري والقومي في العالم العربي .

قاد الإخوان المسلمون المعارضة والشارع ضد السياسات الحكومية منذ بداية 1994 وشكلوا مع اليساريين والقوميين ، ومع النقابات المهنية  ومجموعة أحمد عبيدات مع بداية الربيع العربي ، شكلوا الجبهة الوطنية للإصلاح ، مع برنامج إصلاحي ، ورفعوا " الدوز " بمطالبتهم العلنية بتعديل المواد 35 و 36 و 37 من الدستور ، والتي تمس صلاحيات رأس الدولة ، إنسجاماً مع حالة صعود مكانة الإخوان المسلمين كتنظيم عابر للحدود في العالم العربي وسجلوا نجاحات ملحوظة لهم في مصر وتونس والمغرب ، وأثرّوا على إدارة العمل المسلح في سوريا وليبيا .

ثورة الربيع العربي المفترض أنها ذات طابع ديمقراطي تعددي ، تراجعت عن كونها ثورة ذات إحتجاجات شعبية ، قادتها مؤسسات المجتمع المدني ، تتوسل التغيير الأيجابي نحو العصرنة وحقوق الإنسان ، تحولت إلى موجات إنقلابية تدميرية ، إستفاد من حصيلتها أحزاب التيار الإسلامي وتنظيماته غير الديمقراطية الأربعة الإخوان المسلمين وولاية الفقيه وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية داعش المنشق عنها ، ووظفوا نتائجها لصالحهم بإعتبارهم تنظيمات قوية جنوا ثمار الحرب الباردة بهزيمة التيار اليساري وتشكيلاته وإخفاق التيار القومي وأحزابه ، وبات أحزاب التيار الإسلامي وحدهم ذات حضور جماهيري مستندين إلى عاملي الدين والمال ، مما أقلق الخليجيون على أثر عودة التفاهم الأميركي مع حركة الإخوان المسلمين وولاية الفقيه ، كمشاريع سياسية بديلة للنظام العربي كما حصل في مصر وتونس والعراق وكما يجري في سوريا وليبيا واليمن ، فخاض الخليجيون معركتهم للدفاع عن النفس وعن صيانة نظامهم وإستمراريته في مواجهة عمليات التغيير الجارية والتي بدأت في مصر وتونس واليمن وسقوط قادة أنظمتها الحليفة للأميركيين .

الدولة الأردنية بقيت متزنة ومتوازنة في تعاملها مع حركة الإخوان المسلمين ، ولم تُخرجهم عن الشرعية وعن القانون ، وبقيت حليمة وحكيمة في التعامل معهم بإعتبارهم جزءاً من مركبات النسيج السياسي التعددي الأردني ، وتم ذلك بما يتعارض مع رغبات الخليجيين ونظام الرئيس السيسي المصري ، بإستثناء قطر ، وصمد الأردن بسياسته الوطنية في وجه الضغوط الخليجية المصرية .

إخفاق المعارضة السورية المسلحة من النيل من النظام وفشلها في إسقاطه ، وبعد التوصل إلى الأتفاق النووي الأميركي الإيراني ، وبعد النجاحات التي حققتها الحركة الحوثية في اليمن ، وقع التفاهم السعودي القطري التركي بهدف مواجهة إيران وإمتدادتها في الجغرافيا العربية على حساب الخليجيين ، فأدار الخليجيون تحالفاتهم على أثر العوامل الثلاثة : 1- إخفاق المعارضة السورية ، 2- الأتفاق النووي الأميركي الإيراني ، 3- نجاح ثورة الحوثيين ، وعادوا عن مخاصمة الإخوان المسلمين والتراجع عن شيطنتهم ، مما سجل مكسباً للإخوان المسلمين وإرتفعت معنوياتهم ، وإستعادوا روح العزيمة ، رغم فشلهم في إستعادة المبادرة في مصر ولا زالوا مطاردين من قبل نظام السيسي وإستمرار الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة بسبب إنفراد حركة حماس في إدارة القطاع  .

همام سعيد المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في الأردن صرح في مقابلة هامة مع صحيفة " العربي الجديد "  نشرتها يوم 9/10/2015 بقوله :

" الوضع الآن يختلف عما كان عليه قبل سنة تقريباً ، حينها كانت الأمور مغلقة في كثير من البلاد ، وكانت معظمها تتجه نحو وصم الجماعة بالإرهاب ، لكن جاءت أحداث جديدة أبرزت دور الجماعة ، فمثلاً كان دور الجماعة في اليمن دوراً مهماً في إعادة اليمن إلى دائرتها العربية والإسلامية ، ودور " الإخوان المسلمين " في الأردن ومعظم بلاد العالم كان واضحاً بالوقوف أمام المد الإيراني الذي استفحل في معظم البلاد ، والذي كان يريد تحويلها إلى غنيمة لصالح إيران ، ولعل السعودية بحكمها الجديد كانت أول من التفتت لهذا الدور ، ولم يقتصر الأمر على لقاء بيني وبين وزير الأوقاف السعودي ، بل إن لقاءات عديدة تمت ، لقاءات مثمرة أظهرت أن هناك من يقرأ الجماعة جيداً " .

حركة الإخوان المسلمين ، باتت جزءاً قوياً من المشهد السياسي العربي لا يستطيع أحد تجاوزه أو القفز عنه وما النتائج التي حصلت في كل من تونس والمغرب وإقرار تداول السلطة فيهما سوى نموذجاً يمكن البناء عليه بالإتجاهين الأيجابي والسلبي فهي حركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة وهذا حقها الطبيعي ، على أن يتم ذلك عبر صناديق الأقتراع وقبولها للأخر مهما بدا مختلفاً معها ومعارضاً لها .