تبدل المواقف والسياسات

بقلم: 
لا شيء ثابت في السياسة ، سواء في مواقف الأشخاص أو الجماعات ، وهي سمة طبيعية إنعكاساً لتطور الحياة الأقتصادية والإجتماعية وتبدلاتها ، والتطور هذا يعكس تطور مصالح الأفراد والجماعات ، فينعكس ذلك على المواقف السياسية للأفراد والجماعات ، معبرة عن إنحيازاتها بما يلبي مصالحها أو لأن التطور يمس بمصالحها فتقف ضده .
 
في النظام السياسي لبلادنا ، ثمة تبدلات في المواقف من قبل الأفراد ، انعكاساً لتطور الأحداث والمصالح والرؤى ، فهنالك شخصيات خرجت من رحم قوى المعارضة الأسلامية واليسارية والقومية ، وإندمجت في “ سيستم “ النظام ومؤسساته أمثال الذوات عبد الرحيم العكور وبسام العوش وصالح القلاب وموسى المعايطة وسمير حباشنة ومازن الساكت وبسام حدادين وغيرهم العشرات الذين يتعذر إحصاءهم وإنخرطوا موظفين كباراً في مؤسسات الدولة ، واستجابوا لسياسات الحكومات المتعاقبة ، مدافعين عنها وأصبحوا جزءاً من برامجها وتوجهاتها ، من خلال مواقعهم كوزراء عاملين أو أعضاء في الأعيان ، فباتوا شركاء في مؤسسات صنع القرار ، كل منهم وفق قدراته وحسب الفرص المتاحة أمامه .
 
مثلما هناك ذوات محترمة كانت جزءاً من السيستم وباتت خارجه وبعضهم لا يدعي أنه إنتقل إلى صفوف المعارضة أمثال الرؤساء أحمد عبيدات وطاهر المصري وعبد الهادي المجالي ( رئيس مجلس النواب السابق ورئيس حزب التيار الوطني ) ومروان المعشر وأحمد عويدي العبادي ، وغيرهم العشرات ، مما يصعب حصرهم ، كانوا يدينون بالولاء وينفذون التعليمات ويشاركون في صنع القرار ، وباتوا اليوم خارج هذا كله ، ناقدين أو عاتبين أو ناصحين بدون أن يجدوا الأستجابة لمحاولات تصويبهم لسياسات “ السيستم “ وتوجهاته . 
 
فالثبات على الموقف ليس بالضرورة أن يكون صائباً ، ولكن له ثمن يجب دفعه ، وهذا هو حال المواقف المثالية لبعض الحزبيين مثلاً كما سبق وأوردت عن موقف النائب السابقة عبلة أبو علبة ، فعدم إستجابتها كي تكون جزءاً من السيستم أكسبها إحتراماً ، مثلما خسّرها مواقعاً ، وهكذا هي الحياة .
 
طاهر المصري الشخصية السياسية المعتدلة شكلاً ومضموناً يصف رجالات السيستم على أنهم “ نتاج الجهاز الحكومي ( بمن فيهم شخصه هو كما يقول عن نفسه ) وجميع الأفكار السياسية التي تخرج عنهم تبقى في إطار معين محدد لا يتعدى محتويات الصندوق “ ، ولذلك وبسبب نضوب الأبداع واستمرارية عُقم إنتاج سياسة منفتحة تضع حلولاً للمأزق السياسي والأقتصادي والإجتماعي وحتى الأمني الذي يواجه المجتمع الأردني ، يرى المصري الذي شغل مواقع النيابة والوزارة والرئاستين الحكومية والبرلمانية يرى ضرورة “ الخروج من السيستم”  و” التفكير خارج الصندوق “ بهدف “ فرز قيادات سياسية جديدة خارج عُقم هذا الأطار “ .
 
بينما ذهب عبد الهادي المجالي إلى تقييم حالة النظام العربي برمته ولم يستثن أحداً منه ، وخلص إلى نتيجة مفادها “ أن أغلب الشراكات السياسية في البلدان العربية لديها تشوهات وإختلالات “ وأن توسيع قاعدة الشراكة في مؤسسات صنع الحكم لدى قادة النظام العربي ليست في توجهاتهم وأنهم لم يستفيدوا من تجربة ثورة الربيع العربي وإستخلاص الدروس والعبر من إنفجاراتها ولذلك يرى أن “ مسألة الشراكة ليست في ذهن قادة النظام العربي “ وأن “ بيئة الشراكة في العالم العربي ليست متوفرة وغير وشيكة للأن “ .
 
مروان المعشر يعزو حالة الخلل وإستمرار نفوذ قوى الشد العكسي وعدم الجدية في برامج الأصلاح الوطني سياسياً وإقتصادياً إلى “ غياب الأرادة السياسية لدى مؤسسة صنع القرار الوطني “ فنسمع ضجيجاً ولكننا لا نلمس طحناً ، وما يُقال عن الأصلاح “ مجرد حكي “ بلا مضمون وبلا برنامج عمل وإذا كان ثمة قرارات فهي تعود إستجابة لضغوط خارجية مقابل مساعدات مالية مشروطة ، وحالما يتم إستلام المعونات المشروطة يتم التراجع عن قرارات أو تجميدها عندما تصطدم بمعيقات وعراقيل قوى الشد العكسي ونفوذهم .
 
التغيير مطلوب والتطور ضروري ولكن ذلك لا يتم إلا إستجابة لعاملين أساسيين متلازمين وإن خلا أحدهما فالثاني لا يملك القدرة وحده على إنضاج التغيير ، والعاملان هما :   
 
أولاً العامل الموضوعي الذي يشكل دوافع للتغيير كما حصل في إنفجار ثورة الربيع العربي فالظلم الإجتماعي والتخلف الأقتصادي وغياب الديمقراطية شكلت حوافز نحو الأحتجاجات والخروج عن الطاعة والمظاهرات في الشوارع ورفع شعار “ إرحل “ لقادة النظام .
 
أما العامل الثاني فهو العامل الذاتي والمتمثل بالأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني المنظمة والمحركة للأحداث والمبرمجة لها ، ويظهر جلياً أن غياب أو ضعف أو شرذمة العامل الذاتي وغياب القيم الديمقراطية ومفاهيم التعددية عن مضمونها أدى إلى فشل ثورة الربيع العربي وسقوطها المدوي نحو التطرف لأن المستفيد الوحيد من الربيع العربي كانت قوى التيار الأسلامي وأحزابه القوية المتمكنة غير الديمقراطية غير العصرية والتي كانت حليف قوي وداعم للنظام العربي  طوال مرحلة الحرب الباردة وطوال مرحلة الهيمنة والتسلط الأحادي ، وكانت وحدها التي تحظى بدعم تحالف النظام العربي مع النظام الرأسمالي الأميركي الأوروبي في مواجهة النظام الإشتراكي  وحلفائه اليساريين والقوميين العرب .