لا يعرفون أين تقع القدس!
كثيرًا ما نخون القدس. حتى في التذكير بمأساتها تخوننا الذاكرة، وحينما نجدد التأكيد على فلسطينيتها نخطئ، ونتورط بفصلها عن السياق.. "جل من لايخطئ"، لكن لا تقولوا "الضفة الغربية والقدس" إذا قصدتم الحديث عن القدس الشرقية؛ لأن "القدس" التي نطالب بها تقع في الضفة. لم تنته الحكاية بعد.
إن هذا المقال لا ينكر أحقيتنا في كامل القدس وفلسطين التاريخية، لكنه موجه بشكل أساسي لتوضيح علاقة القدس الشرقية بالضفة الغربية، إذ يخطئ كثيرون ممن يطالبون بحل الدولتين، بتوصيف متعثر لمطلبهم المتكرر بالسيادة الفلسطينية على القدس الشرقية، أو حتى عندما ينددون بجرائم الاحتلال فيها.
قبل 1948 كانت فلسطين مترابطة والقدس واحدة، ولم يكن هناك شيء اسمه الضفة الغربية أو القدس الشرقية، وعندما احتلت "إسرائيل" الضفة الغربية في حزيران 1967 كان الأردنيون قد قسموها إداريًا إلى ثلاث محافظات: القدس، الخليل، ونابلس.
تنطبق قواعد القانون الدولي على القدس (الشرقية) تمامًا كالضفة الغربية، التي تبلغ مساحتها بما تتضمن القدس الشرقية 5860 كم²، وجاءت القرارات الدولية الصادرة بعد احتلالها بما يتوافق مع هذا المعنى، وفي سنة 1980 أقرّ الكنيست قانون "القدس عاصمة إسرائيل"، فجاء الرد من مجلس الأمن بقرارين، رقم 476 ورقم 478، بالتأكيد أن هذا القانون يخالف القانون الدولي، وأنه ليس من شأنه أن يحول دون استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 على الجزء الشرقي من القدس.
ولما فازت قيادات وطنية في الانتخابات البلدية في الضفة منتصف السبعينيات، مثل: بسام الشكعة/ نابلس، فهد القواسمي/ الخليل، وكريم خلف/ رام الله؛ حوّل الراحل فيصل الحسيني بيت الشرق -القريب جدًا من البلدة القديمة في القدس- لشبه مقر لمنظمة التحرير، رغم الإجراءات والعراقيل الإسرائيلية.
وبموجب "أوسلو"، اختص الاتفاق بترتيبات لمنطقتين من فلسطين التاريخية، تحت عنوانين رئيسيين لا ثالث لهما: الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن يؤجل موضوع السيادة على القدس مع مواضيع أخرى لـ "مفاوضات الوضع الدائم". وباستثناء الجزء الخاضع لبلدية القدس الاحتلالية، سرى بند التقسيمات الإدارية (A.B.C) على قرى وبلدات القدس الشرقية مثل باقي محافظات الضفة.
فيما قسمت السلطة الفلسطينية عام 1995 القطاع إلى خمس محافظات، والضفة الغربية إلى أحد عشر محافظة، على رأسها محافظة القدس، بتوجيه من الرئيس الراحل ياسر عرفات.
إذن، القدس الشرقية بعد نكبة 1948 جزء من الجزء الذي يكون الكل.. فهي جزء أساسي من الضفة الغربية وتفاعلاتها، والضفة والقطاع جزءان من فلسطين التاريخية، هكذا أدت سيرورة التاريخ وحدود الجغرافيا وقواعد القانون الدولي.
فلماذا يُصّر البعض (سياسيون، مسؤولون، إعلاميون، الخ..) على قول "الضفة والقدس" عند تحديد جغرافيا الدولة الفلسطينية، أو الحديث عن جرائم الاحتلال، وكأنهما جزءان منفصلان؟! أليس في ذلك شرعنة وخضوع، في معظمه عن عدم دراية وغير قصد، لسياسة الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال؟ ألا يعتبر ترديد للرواية والخطاب الإعلامي الإسرائيلي اللاهث لتكريس فصل القدس عن محيطها؟
الأصح أن نقول "الضفة بما فيها القدس الشرقية" أو "الضفة بما تتضمن القدس الشرقية"، وقد نبّه سابقًا عدد من أساتذة القانون الدولي والعلوم السياسية لهذا الخطأ الشائع دون الالتفات إليهم، إلا قلة؛ فمصطلح الضفة الغربية يشمل القدس ضمنيًا، لكن وجب التأكيد والتذكير دوماً باشتمالها القدس، سيما في ظل محاولات الاحتلال الرامية لخلط الأمور وتحريف المصطلحات.
قد يقول قائل: ما نفع الخلاف على المصطلحات والمفاهيم، في غضون ما تتعرض له القدس اليوم ومن قبل على الأرض؟ أقول: تعتبر المفاهيم والمصطلحات من أهم ميادين الصراع الفكري والثقافي، ويترتب على استخدامها وتوظيفها الخاطئ الكثير من النتائج القاتلة سياسيًا وقانونيًا، فكيف عندما يكون الحديث عن القدس؟!