عن الرجوب وحملة الكراهية

بقلم: 

نكتب عن الموضوع، بعدما تجاوزنا حالة الانفعال. هكذا نفترض، خاصة أن وسائل الإعلام حملت لنا ظهيرة أمس خبر توجه جاهة برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى منزل الأمير علي بن الحسين، لتطييب الخواطر، ودفن محاولات الفتنة. وقد سبق ذلك بيان حكيم لاتحاد كرة القدم الأردني، دعا إلى طي الصفحة نهائيا؛ صفحة انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، وما رافقها من جدل ساخن ومشتعل.

تجاوزنا الأمر؟ إذن، دعونا نفكر بعقل بارد في الأيام التي مرت، وفي السلوك الغرائزي الذي طبع تعليقات الكثيرين على ما جرى.

جبريل الرجوب وقف ضد الأمير علي. جبريل الرجوب أطلق تعليقات استفزازية، وتفوه بكلام أحمق. لن أجادل في ذلك، رغم ما صدر من طرفه من تصريحات تنفي صحة هذه الاتهامات.

سأسلم بكل ما تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. لكن السؤال: هل جبريل هو الوحيد الذي وقف ضد الأمير علي؟ ألم تعلن معظم الدول الخليجية، على سبيل المثال، موقفا مناهضا للأمير، وعلى رؤوس الأشهاد؟

رؤساء عدد من الاتحادات الخليجية أطلقوا، في وقت مبكر، تصريحات معارضة لترشح الأمير. وفي زيورخ، صدر عن بعضهم كلام استفزازي ضدنا. وساندت تلك الدول حملة جوزيف بلاتر بالمال والدبلوماسية.
بيد أن أحدا من كتابنا ومعلقينا، وجمهور "التواصل الاجتماعي" العريض، لم يجرؤ على توجيه نقد علني للدول الخليجية. تصفحت مقالات الصحافة والمواقع الإخبارية، ولم أجد نقدا للشيخ أحمد الفهد مثلا، ولو بنصف ما وجه من نقد لجبريل الرجوب.
السبب معروف طبعا؛ دول الخليج وقيادتها، حتى الرياضية منها، خط أحمر بالنسبة للأردن، لايجوز تخطيه. ومن يجرؤ، مصيره السجن، كما تعلمون. دول الخليج تدعم الأردن ماديا، وليس من مصلحتنا الإساءة لعلاقتنا معها، كي لا نخسر دعمها. أما جبريل الرجوب، والسلطة الفلسطينية، فلا كلفة تترتب على نقدهم.
إنهم الطرف الضعيف في المعادلة. الرجوب يحمل الرقم الوطني الأردني، ولا يستطيع العبور إلى فلسطين إلا من خلال الأردن. فدعونا إذن نعاقبه على فعلته الشنيعة، ونعاقب معه السلطة الفلسطينية، لا بل وكل أبناء الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة.
حملة استقواء على "الضلع العربي القاصر"، كنت لأفهمها لو أن الآخرين من عرب الخليج نالهم شيء مما نال الرجوب من نقد وتقريع.
والحملة جاءت من الطرفين؛ طرف يمثل الشرق أردنيين الكارهين، وطرف ثان من الأردنيين من أصل فلسطيني، يتملقون الدولة بانتهازية مفرطة، ليثبتوا أنهم جديرون بالولاء.
بالنتيجة، وجدت الأغلبية الشعبية نفسها وسط حفلة شتائم متبادلة، جبريل الرجوب مجرد تفصيل بسيط فيها، أججت مشاعر الكراهية، وأحيت الأحقاد الدفينة. حفلة كراهية ذكّرتنا من جديد بأننا على الحافة دائما، وقد ننزلق إلى ما هو أسوأ.
لم أقابل جبريل الرجوب في حياتي، ولا أرغب أبدا في لقاء ساسة من شاكلته. لكن معظم من هاجموه من الإعلاميين والسياسيين "تعشوا، وتغدوا" معه عشرات المرات، وفتحوا له صدر البيت كما يقال.
صراع "دحلان-الرجوب" كان حاضرا في الحفلة؛ هذا ما تؤكد عليه كل الأطراف. ونفس الاستقواء والمزايدات كانا باديين بقوة في الخطاب الإعلامي. يحق لإسرائيل أن تفخر بما أنجزت.

المصدر: 
صحيفة الغد