حماس وفتح...صناعة الرمز

بقلم: 

حماس تعرف كيف تدغدغ مشاعر الجماهير، فالجماهير تنتظر خطاب لأبو عبيدة بفارغ الصبر، حماس أبدعت في "صناعة الرمز" في حربها الأخيرَة، أصبحت "المقاومَة" و" تحرير فلسطين من البحر إلى النَهر" و"تحرير الأسرى" و"حق العودَة" و"الانتصار" كلُّها قِيَم تتجسَّد في شخصِ أبو عبيدة، عائلات الأسرى في سجون الاحتلال تترقَّب بأمَل ماذا سيقول أبو عبيدة عن مصير الجنود المخطوفين في غزَّة.

فالجماهير ترى في أبو عبيدة "جمال عبد الناصر" العَصر الجديد، أو "حسن نصر الله" الفلسطينيّ، تنتظر منه ولو إشارة عن معلومات عن منظومات صاروخيَّة جديدَة ، ستمطر سماء تل أبيب في أيَّة حرب قادمَة، وكأنَّ المُشاهِد يستشعِر رسالَة ترسلها هذه الصواريخ، هي نفسُها الرسالة التي قالها الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ذات يوم أنَّ "عكّا كغزَّة، وتل الربيع كخانيونُس، لأنَّ فلسطين هي فلسطين واحدةٌ لا تتجزَأ"، فما أن يبدأ أبو عبيدة الخِطاب، حتى يبدأ مسلسل التحليلات، من تحليل صورة الخلفيَّة التي يضعها خلفَه، إلى تحليل إشارَة إصبعه، إلى تحليل نبرة صوتِه، إلى تحليل كل حرف في خطابه.

حماس سخَّرت كل فنيّاتها في الخطاب الإعلاميّ، ولعبت ماكناتُها الإعلاميَّة دوراً في السيطرة على أسماع وأذهان الجماهير، وفي رفع جماهيريَّة حماس في الشارع الفلسطيني، ولكن في المقابل، فشلت حركة فتح، في بناء خطاب إعلامي يجذب الجماهير، وفشلت في عمليَّة "صناعة الرمز"، فبعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، إلى الآن لا تستطيع أيَّة شخصيَّة مَلئ الفراغ الذي تركه، أبو عمار الذي تمثل كوفيتُه فلسطين من بحرها إلى نهرها، أبو عمار الذي اكتسب شرعيَّة ثوريَّة، والتي شهدها الجنوب اللبنانيّ، وشهدت عليها معركة الكرامة، أبو عمّار الذي كانت القدس دائماً حاضرة في خطاباتِه، أبو عمّار صاحب الزيّ العسكري، والذي يمثل ثوريَّته كرجل مُقاوم، هذه هي الصورة التي ارتسمت في ذهنيَّة الجمهور عن ياسر عرفات، وإلى الآن حركة فتح لا تستطيع صناعة رمز جديد، يملك كاريزميَّة ياسر عرفات، ويحُلّ مكانَه.

حماس تعرف ماذا يريد الجمهور، وماذا ينتظر أن تقول حماس، ولكن يبدو أن مستشاري الرئيس عبّاس الإعلاميين في حالة فشل يرثى لها، فياسر عرفات الحاضر دائماً في الخطاب الفتحاوي، أصبح جزءاً من الماضي التليد للحركة، ولم يعد من المجدي استحضار رمزيَّتِه، ولا بدَّ من صناعة رمز جديد يستعيد جماهيريَّة الحَرَكَة، وحاضنَتِها الشعبيَّة.

الجمهور الفلسطيني لا ينتظر خطابات الرئيس محمود عبّاس، صاحب "البدلَة الزرقاء"، والتي تعبر عنه كرئيس، لا كرجل ثورة وتحرير، ولا تنتظر ما خلصت إليه جولاتُه المكوكيَّة إلى الأُمَم المتحِدَة، ولا مشاوراتُه مع"الأشقاء" العَرَب، ولا ماهيَّة العقبات الجديدة في طريق عمليَة السَلام، ولكنَّ الجمهور الفلسطيني ينتظر صاحب الكوفيَّة الحمراء، والزيّ العسكري، ورمز "المقاوَمَة" أبو عبيدَة.