توظيف الدين بين الواقع والمأمول

بقلم: 

نادى العلمانيون بفصل الدين عن الدولة وعن السياسة ، وقد هاجمت الحركات الاسلامية بأغلب توجهاتها هذه المقولة بشدة لان الدين الإسلامي الحنيف شامل لجميع مجالات الحياة وعلى رأسها السياسية  ، وقالوا ان الرسول صلى الله عليه وسلم  رجل دولة ودين ، لأنه  صلى الله عليه وسلم عالج جميع القضايا سواءً الاجتماعية  أو السياسية بحكمة  وأخلاق عالية جداُ ، ولكن المسلمون اختلفوا بعد وفاته بقليل  وجُل اختلافهم كان على الحكم  أو الاولوية بالحكم والمبايعة ...الخ  ، وتنازع المسلمون على ذلك حتى سقوط السلطنة والخلافة العثمانية ، فكان التنازع والتقاتل حتى وصل الامر أن يتقاتل  الاخ مع  أخاه  أو مع ابن اخيه من أجل السلطة  ، .في حين ان الدول الغربية أخدت جانب الاستقرار خاصة بعد القرن السابع عشر والثورة الفرنسية ، وجرى تجديد للأفكار العلمانية ، فمن العلمانية الصلبة  والتي تبناها المتطرفون المسيحيون وجزء من المسلمين  كأتاتورك على سبيل المثال  والتي لا تسمح بكل مظاهر التدين والدين  ، الى العلمانية الجزئية  أو المرنة والتى تتبناها معظم الدول الغربية  والتى لا تمانع من اقامة الشعائر الدينية بل وتعمل على فتح دور العبادة من كنائس ومساجد ، وما الحرية التي يتمتع بها المسلمون في بلاد الغرب الا خير شاهد على ذلك ، مع وجود بعض الاحزاب اليمينية المسيحية المتطرفة في بعض البلدان الغربية والتي تعمل على تشويه الاسلام مستخدمة  أحياناً بعض افعال المسلمين الوحشية كأداة للتشويه وهذا يظهر جلياُ اليوم في بعض  دول أوروبا الغربية  ، وأيضاً كان هناك  تطوير على الليبرالية فمن الليبرالية  الكلاسيكية والتي بالغت بتمجيد الفرد  وتوسيع الحرية  بالإضافة الى تدخل الدولة  في حياة الناس ،  الى الليبرالية الحديثة والتى تحد من هذه الحرية وبدور أكبر للحكومة  تساهم في رفاهية المواطنين ، وانتجت هذه الحالات واقعاً اقتصادياً وصناعيا ًوعلميا ًكبيرا ًوواقعاً مريحاً  للغربيين  مع تحفظي على بعض من السلبيات التي تعم المجتمع الغربي باعتبارها أيديولوجيا دنيوية ،  وفي المقابل وبدلاً من اعادة النظر في الاوضاع الاسلامية المأساوية سواءً على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، وبدلاً من  الاخذ بأسباب النهوض والصعود والأخذ برسالة الاسلام الخالدة الصافية والتى تؤكد على الجوهر باعتباره أيديولوجيا سماوية طاهرة  ، بقى المسلمون  باستثناء بعض الدول القليلة تحت سطوة التخلف والفقر ، وأصبح دور الاسلام دوراً سطحياً رسخت فيه بعض الجماعات تساندها بعض الجهات الرسمية  المفاهيم الشكلية  للإسلام ، وازاء هذه الحالة  أصبح المسلمون والعرب على وجه الخصوص بين تطرفين ، تطرف الانظمة القمعية  والمستبدة  التى أوغلت في تعذيب وذل الناس والبطش بهم تحت شعارات براقة مثل الوطنية والامن القومي  والاستقلال والحفاظ على الدولة والمملكة  والعرش وحتى الممانعة والمقاومة ، تساندها ايضا بعض النعرات المذهبية  وتوظيف خاطئ للدين أحيانا من اجل المحافظة على ولى الامر ويساندهم جميعاً  في ذلك مجموعة كبيرة من علماء الدين والكتاب والمثقفين والاعلاميين يشرّعون ما يفعله هؤلاء ، وهؤلاء جميعاً لم يُوصلوا المسلمون الا لمزيداً من التخلف والرجعية وتبعية مطلقة للغربي خاصة في الشكليات وليس في التصنيع والتكنولوجيا ، والتطرف الاخر هو تطرف بعض الجماعات الاسلامية التي وظفت الدين توظيفا خاطئا بناءً على مصالحهم واهوائهم وبناءً على فهم خاطئ لنصوص القرآن  تحت مبررات مذهبية وطائفية  وتاريخية ،غُذوا بها منذ قرون وعقود عديدة ، أدى الى تطبيق هذه الأفكار المشوهة عملياُ في هذه الأيام ، فأصبحت تستخدم آيات مثل آيات الشهادة والتضحية والجهاد والابتلاء  في غير محلها من اجل استعطاف شباب المسلمين للانخراط في هذه الحروب الطاحنة مخلفةً ملايين من المسلمين ما بين قتيل وجريح وشريد ويتيم  في مقابل  قتال فيما يدعون ويقولون  الكفار والفاسقين والمرتدين وغير المبايعين والروافض والنواصب  ، السلطة هي المبتغى وهي الغاية عندهم ولا مشكلة في بحار من الدماء والاشلاء عند كلا الطرفين من المتطرفين سواء تلك الانظمة او تلك الجماعات ، وواقعيا يجب أن نعترف أن  الغرب وصل  الى حالة راقية في موضوع السلطة والحكم ، فاصبح الحكم والسلطة عندهم لا يساوى قطرة دم فيما نحن تكلفنا الكثير ، الرسول صلى الله عليه وسلم وظف الدين والآيات القرآنية توظيفيا صحيحا بعيدا عن الاهواء والمصالح  فنزلت الآيات التي تواسى النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقع، واستخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم لتكون تحفيزاً للمسلمين  في المجالات جميعاً من اعانة الفقير الى الدفاع عن الاسلام والمسلمين في الجهاد  وأصبحت الآيات وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته الموحى اليه  محفزة للصحابة والمؤمنين في التحمل والصبر ونشر العدل والقسط ، ولكن اليوم يصنع كثير من الجماعات كثير من المصائب والكوارث بأيديهم  مع  سبق الاصرار وتُوظف الآيات في غير مكانها مثل آيات الصبر والتحمل والجهاد  ، بل تلاعب البعض بالآيات القرآنية بناء على الظروف وعلى حسب العلاقة مع الخصوم أو المخالفين ، فلا يجوز ان يوقع هؤلاء الناس في مجاعات وفقر  مدقع وحروب ويقولوا لهم اصبروا وصابروا وهذا ما كتب لكم  وان هذا جزء من الابتلاء وجزء من التمحيص وبداية التمكين فهؤلاء في هذه الحالة يستخدمون الدين والآيات في غير محلها بل هذا ضحك على الناس من اجل استعطاف الناس، أما اذا وقع عدوان فلا مانع من استخدام الدين والآيات من اجل الدفاع عن المسلمين  وأعراضهم، أو وقع قحط أو أشياء لا للإنسان حول ولا قوة، وهنا لا بد من وضع الحلول المناسبة كي  نعالج  هذه القضية  حتى يتوقف هذا النزيف  ويتوقف هذا الفكر المتطرف  ، ولعل التثقيف مهم في هذه المرحلة بدءا من ولى الأمر في البيت مرورا بالمدرس وليس انتهاءً بخطيب المسجد والاعلاميين والمثقفين ورجال السياسة ، ومن هذه الحلول والمقترحات كما يراها السياسي والاكاديمي  الكردي هادي على :

1- اصلاح وتجديد الخطاب الاسلامي والتركيز على وسطية الاسلام .

2- اعادة التوازن بين النقل والعقل وتطهير الثقافة الاسلامية المعاصرة من الافكار والمواضيع التي لا تنسجم مع الوسطية الاسلامية وروح العصر ومتطلباته.
3- التركيز على مفاهيم التسامح والتعايش وقبول الاخر الديني والمذهبي.

4- تطهير التراث الاسلامي الفكري والفقهي من رواسب عصور وعهود الجمود ورفض القراءة  التقليدية للتاريخ الإسلامي خاصة في جانبيه السياسي والعسكري ، ومن القراءة غير الصحيحة التي تعتبر التاريخ والتراث جزءا من الدين وقد قسم  الدكتور أحمد الريسونى التراث الى ثلاث أقسام : قسم مفيد لزمانه ومفيد لزماننا ، وقسم مفيد لزمانه غير مفيد لزماننا، وقسم آخر غير مفيد لزمانه وغير مفيد لزماننا.

5-  ان نقل الماضي الى الحاضر وفرض هيمنة  الاموات على الاحياء هما شكل من اشكال التقليد الاعمى الذي لا ينسجم مع مفهومي  الاجتهاد والتجديد اللذين يكمن فيهما سر خلود الاسلام وشريعته وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

اذن لا بد من توظيف الدين بالشكل الصحيح بعيدا عن الاهواء والمصالح والشهوات وبناء استراتيجية جديدة للنهوض بأمتنا اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.