ما زلت أبحث عن أحمد مهنا في بلاد أحلام مستغانمي!

بقلم: 

أخي العزيز الكاتب والمناضل خالد عز الدين:
تحية من غزة العزة إليكم في جزائر المليون والنصف شهيد وبعد،،
أعترف لك بأنني تأخرت كثيرا في الكتابة عن المناضل والمجاهد الراحل أحمد مهنا وأدرك بأنك ستقدر بأنني لا أتوانى في الكتابة عن الأسرى وعن المحررين منهم لا سيما أولئك الذين يرحلون بصمت وخاصة من قضوا غرباء قبل أن يكتمل حلمهم بتقبيل ثرى الوطن المقدس كشهيد الغربة الراحل أحمد مهنا.

ستعذرني يا صديقي وأنا أشي لك بأنني منذ أن أخبرتني عن وفاته كي أكتب عنه وأنا أقلب ذاكرتي الوطنية بحثا عن هذا الرجل العظيم والذي لامست قلبي ملامح صورته منذ أن رأيتها، لقد خانتني الذاكرة وأنا أبحث عنه في سجل حياتي إذ أنني أدعي معرفة بعضا ممن أسسوا الحركة الإسلامية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ممن قابلتهم في المعتقل منتصف الثمانينيات، إذ كنت صبيا ومن الصعب علي استذكار جل هؤلاء القادة الأبطال كمؤسسين لحركة الجهاد الإسلامي مع كل من القائد الكبير الشهيد فتحي الشقاقي وزياد النخالة فلعل وهسى أتذكره على اعتبار أنه كان أحدهم مع أني أعرف جيدا من اكتحلت عيناي برؤيتهم في سورية إبان فترة إقامتي الطويلة فيها كصديقي ورفيقي الراحل أحمد مهنا القائدين المناضلين والمجاهدين إبراهيم شحادة وابراهيم أبو مر.

وما زلت يا صديقي أحاول أن أتذكر الشهيد أحمد مهنا لعلني قابلته في دمشق فأستدعي ذاكرة حقبة ثمانينيات الصبا ولكن دون جدوى حتى تمنيت بعد أن تحدثت إلي عنه لو تعرفت عليه هناك في دمشق من خلال الأخوين القائدين المناضلين والمجاهدين إبراهيم شحادة وابراهيم أبو مر على اعتبارهما كانا رفيقي دربه حيث قدر لهما الإبعاد القسري إلى سورية حاضنة الثوار والمقاومة.

لكنني علمت منكم يا صديقي خالد بأنه كان مقيما في مخيم الرمدان في ضمير بالقرب من بادية الشام التي عاش بها بقية حياته بعد النفي والإبعاد القسري عن وطنه فلسطين من قبل الإحتلال الصهيوني بعد أن أمضى أكثر من ثلاثة وعشرين عاما قضاها متنقلا بين المعتقلات الصهيونية قبل إبعاده إلى مرج الزهور جنوب لبنان ومن ثم ليقيم في سورية ويتوفاه الله هناك.

وبعد أن عاودت الحديث معي حول الكتابة عنه في ذكرى الأربعين لرحيله عدت للبحث عنه في موسوعة الشبكة العنكبوتية بعدما فشلت في نفض الغبار عن ذاكرتي القديمة ولم تسعفني هذه الشبكة في العثور على سيرته الذاتية الطويلة والعطرة فتذكرت بأنك قلت لي بأن أحمد كان رجل ظل وبعيدا عن الأضواء على الرغم من أنه مسؤوﻻ عن العديد من العمليات العسكرية ضد اﻹحتﻻل الصهيوني وأبرزها عملية اﻹسماعيلية والتي أودت بحياة سبعة عشر صهيونيا، فهو بصمة استثنائية في تاريخ النضال والجهاد الوطني والإسلامي منذ انخراطه في صفوف الثورة الفلسطينية وحركة فتح ثم حركة الجهاد الإسلامي.

فلا تلمني يا صديقي على تقصيري في الكتابة عن رجل بحجم المكافح أحمد مهنا سواء كان ذلك لعدم درايتي ومعرفتي الكاملة به وعدم تمكني من الحصول على معلومات تفيه حقه في تسطير مناقبه الكبيرة أو بسبب انشغالي في القراءة والكتابة ما بين الأدب والفكر والسياسة ولكن هذا بالطبع لا يعفينا جميعا من مسؤولية الكتابة عن الراحلين الإستثنائيين في تاريخ شعبنا، ولكن عزائي الوحيد في هذا السياق بأنني أكتب عنه الآن حتى ولو متأخرا "فأن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا"

ومع تزامن حديثك معي مرة أخرى يا صديقي وحثك لي على الكتابة حول القائد المناضل المجاهد والأسير المحرر أحمد مهنا كنت عائدا من جلسة مسائية مع أحد أصدقائي الذي كان يناقشني في:

-مقالة الكاتبة والأديبة الجزائرية الكبيرة أحلام مستغانمي- "بلاد المطربين أوطاني" وربما اختلفت مع صديقي قليلا حول تأييده لما كتبت مستغانمي ليس لمضمون مقالتها وإنما على كيفية توظيفه واسقاطه على مجريات الوضع الراهن في عالمنا العربي وانعكاساته على القضية الفلسطينية، لكنني وبعد الحديث معكم بعد أربعين يوم على رحيل مهنا وبعد أن ضقت ذرعا في البحث عنه أؤكد بأنه كغيره ممن يرحلون بصمت لا أحد ينصفهم غير الأقلام الصغيرة للأوفياء من شعبنا أمثالكم يا خالد وأمثال ممن ما زالوا على العهد.

إذن صدقت مستغانمي حينما قالت في مقالتها هذه:

"في الخمسينات، كان الجزائري يُنسبُ إلى بلد الأمير عبد القادر، وفي الستينات إلى بلد أحمد بن بلّة وجميلة بو حيرد، وفي السبعينات إلى بلد هواري بومدين والمليون شهيد ... اليوم يُنسب العربي إلى مطربيه، وإلى الْمُغنِّي الذي يمثله في "ستار أكاديمي" ... وهكذا، حتى وقت قريب، كنت أتلقّى المدح كجزائرية من قِبَل الذين أحبُّوا الفتاة التي مثلت الجزائر في "ستار أكاديمي"، وأُواسَى نيابة عنها .... هذا عندما لا يخالني البعض مغربية، ويُبدي لي تعاطفه مع صوفيا"

حقا صديقي الكاتب والمناضل خالد عز الدين إنه أمر مبكي أن نتنكر لمناضلينا ولمجاهدينا وننشغل فيما باتت تعنيه الشهرة في عصرنا الحديث وزد على ذلك نزوع قياداتنا وفصائلنا إلى الركض خلف كرسي السلطة والمناصب وتعميق حالة الإنقسام وعدم جلاء الوحدة الوطنية من أجل هذا الهدف متناسين بأنهم يقضون مضاجع الشهداء ويوجعون الأسرى في أقبية الظلام دون الإيفاء بحق من يقضي منهم على درب النضال والجهاد في الوطن والمنافي كالراحل الشهيد القائد المناضل والمجاهد أحمد مهنا.

أما أنا كغيري من البسطاء ما زلت أبحث عن أحمد مهنا في "بﻻد الطرب أوطاني" مع اعتذراي ﻷحﻻم مستغانمي وعن غيره من الزاهدين في ظل اشتباك الورق في زمن المغانم فبعد أن تركت المغارم للأسرى وللشهداء واختلطت كل القيم والمعاني.

'واأسفاه على أمة لا تكرم أبطالها أحياء إنما بعد موتهم هذا وإن كرمتهم أصﻻ'

لروحك السلام أبا الحسن أحمد مهنا ولكم أخي وصديقي العزيز الكاتب والمناضل الأسير المحرر خالد عز الدين كل التحية والتقدير والإحترام.