أين كانت حرية التعبير في فرنسا عندما تم اصدار قانون " منع الحجاب" ؟

بقلم: 

 
أين كانت حرية التعبير في فرنسا عندما تم اصدار قانون " منع الحجاب" ؟ وأين كان العالم والفرنسيون تحديدا من الاستنكار والاحتشاد من أجل رفع شعار حرية التعبير والحرية الفكرية.

وكيف استقبلو هذا القرار الصادم الذي منع نسائنا من ممارسة أبسط حقوقهن في دخول المدارس مرتديات زيهن الشرعي ؟ لقد استقبلوه بملاحقتهن في شوارع العاصمة باريس والأحياء العامه في المدن الأخرى ونزع غطائهن جهرة واكالة الشتائم ضد المسلمين . لقد برر البرلمان الفرنسي ذلك بتطبيق مبدأ العلمانية (فصل الدين عن الدولة).

والعلمانية نوعان معتدلة ومتطرفة . اما المتطرفة فهي التي يؤمن بها الماركسيون حيث لا يسمح بأي دين أو فلسفة مخالفة لذلك. اما المعتدلة فهي لا تؤيد الدين ولكنها لا تعاديه ، فهي لاعلاقة لها بالدين بل تترك للناس حريتهم.

وفرنسا اقرت بانها تتبع العلمانية المعتدله واقامت الدوله على قيم ثلاث وهي الاخوة والعدالة والمساواة .

وبقرار منع الحجاب فانها حرمت المسلمين من  قيمتين الاخوة والمساواة .

وبذلك احدثت خللا عظيما في شعورهم بالأمن والاستقرار.

لم يقتصر هذا النظام المجحف على منع الحجاب بل وانتقل الى مرحلة اخرى من الظلم ومنع المسيرات الاحتشادات المنددة بوقف الجرائم الصهيونية ضد شعبنا في فلسطين وازداد تماديا بأن استهزىء من عمود ديننا وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

ولم يكتف الغرب برسم الصور المسيئة والساخره في مجلات مختلفه بل وكرس لها مجلة صهيونية خاصه بامتياز فرنسي .

تسمى ب (هارا كيري) والتي تم اغلاقها لاحقا لانها " خالفت الذوق العام " وذلك بسبب سخريتها من وفاة الزعيم الفرنسي شارل ديجول وهو عبارة عن رمز وطني للفرنسيين. لاحقا تم تغيير اسم المجلة الى شارلي ايبدو .

الجدير بالذكر انه في الاونة الاخيرة تم ربط اعمال داعش والدولة الاسلامية بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك ما عبرت عنه الرسومات .

السؤال الذي يراودنا جميعا ما هي علاقة النبي بهذه الجماعات وكيف يتم ربط الطرفين والفتره الفاصلة عباره عن اربعة عشر قرنا.

هل يجوز ان نربط المسيح ونطارد المسيحيين بسبب الحروب الصليبية والحروب العالمية الاولى والثانية والتي نتج عنها قرابة واحد وسبعون مليون قتيلا ؟

وما علاقة الأنبياء بما يفعله غيرهم من البشر ؟

ونحن كمسلمون تعبنا من محاولة الاعتذار دائما عما تفعله أقليات باسم الاسلام بصرف النظر عما اذا كانت عمليات مدروسه وموجهه تتبناها منظمات بتصريحات على التلفاز او فيما اذا كانت مبادرات فردية ارتجالية .

فما حدث مؤخرا في فرنسا كان عبارة عن تحريض عرقي وهدفه هو الاساءة والتجريح.

وطريقة الرد عليه كانت طريقة مدروسه لم تتبناها اي جماعه اسلاميه ولكن اقتصر منفذوها على ترديد عبارة الله اكبر وهذا لا يعطيها بالضرورة اي طابع اسلامي . ف بحسب موقع انترناشونال بيزنس تايمز الامريكي  أن الموساد رغب في الانتقام من تصويت البرلمان الفرنسي لصالح الفلسطينيين وصالح المشروع الفلسطيني في الأمم المتحدة.

فلم هذا التوقيت ؟ ولماذا يتم الصاق التهمة للمسلمين ؟ ونشر الخوف من تمدد الاسلام في فرنسا ؟ لقد سئم المسلمون الفرنسيون من ملاحقة هذه المجلة بالذات قضائيا وأيقنوا أنه لا سبيل للحديث بعقلانية وواقعية فالظلم يولد العنف.

كما صرح جان لويس بروجيري وهو قاض سابق في قضايا مكافحة الارهاب بقوله " لم أندهش وحسب من هدوء الملثمين، بل أيضا من الأسلوب الاحترافي الذي نفذو به هروبهم بعد أن أخذوا وقتهم للاجهاز على شرطي مصاب". وقالت آن جوديسيلي وهي مؤسسة لشركة استشارات أمنية " من الواضح انه كانت هناك عملية استطلاع سلفا، لقد وجدوا ثغرة في الترتيبات الأمنية واختاروا طريقة تضمن تحقيق النجاح"

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتم احترام الرموز الوطنيه في فرنسا ولا يتم احترام الرموز الدينية ؟ اليس هذا ما يسمى بازدواجية المعايير ؟

اضاءة بسيطة على تبني مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة قرارمكافحة تشويه صورة الأديان في الخامس والعشرين من اذار في عام الفان وعشر. الا ان السفير الفرنسي بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي عبر عن موقفه قائلا " ينبغي أن لايندرج مفهوم التشويه تحت اختصاص حقوق الإنسان لأنه يتعارض مع الحق في حرية التعبير" ، فيما رفضت السفيرة الأمريكية القرار وقالت "لايمكننا أن نوافق بأن منع الكلام هو وسيلة لتعزيز التسامح، لأننا لازلنا نرى بأن مفهوم مكافحة تشويه الأديان استُخدم لتبرير الرقابة والتجريم، وفي بعض الحالات الاعتداءات العنيفة والموت لأقليات سياسية، عرقية ودينية حول العالم"

لم يقتصر هذا المكيال الملتو على احترام الرموز الوطنية وتجريم من لا يعترف بمحرقة اليهود (الهولوكوست) وجعل المساس به جرما بشعا، بل تجاهل تماما الاساءة للاسلام علما بأن عدد اليهود في العالم لا يزيد عن الاربعة عشر مليونا في حين أن تعداد المسلمين في العالم تجاوز المليار ونصف مسلم بما يشكل اربعة وعشرون بالمئة من سكان العالم بالمجمل.

لم يقتصر هذا المكيال المعوج على المسلمين فقط بل طال حقوق الانسان الأسود وتجاهل مئتان وخمس وأربعون عاما من العبودية والرق.

وبهذا ألغت فرنسا القيمة الثالثة التي ترتكز عليها الدولة وهي المساواة.

ولم تتردد الحكومة الفرنسية لحظة واحدة في توجيه دعوة لشعوب العالم وقادتها قاطبة للاحتشاد والاستنكار لما حدث في مجلة شارلي ايبدو، لأنهم يحترمون مواطنيهم ولأنهم يعلمون قيمة الدم الفرنسي ، لقد أرادو أن يقدمو تعازيهم لعائلة المنكوبين والمتضررين من هذه الحادثة ، أرسلو فيها رسالة بأن لم يضع دمهم سدى وبأن العالم غدا كبيادق الشطرنج يحركوه متى شاءو وحيثما شاءو ، نسوا أو تناسوا قطعهم لرؤوس أخواننا الجزائريين والمغاربة وتعليقها على رؤوس العصي !

الوقاحة في الاستنكار لم تكن ما أرغمني على الكتابة بل احترامي لهم لاحترامهم لشعبهم بصرف النظر عن بشاعة واقعهم وأفعالهم وتاريخهم الملطخ بالدماء.

لم يكن احتقارهم للدم العربي ما أفزعني لأننا وعلى ما أعتقد قد ألفنا هذه الصورة.

ولكن الفضيحة الكبرى هي عدم احترام قاداتنا لشعوبنا وحرياتهم وكبحهم لأي محاولة للتعبير عن مشاعرهم ووأدها في مهدها. جعلتنا نؤمن بأن قيمة المواطن العربي في صوته هو يوم الانتخابات فقط ، لم يشعرو لحظة بالخزي من الركض للاستنكار من هذا العمل وتصدر الصفوف الاولى يدا بيد متظاهرين ضد الارهاب متجاهلين القيمة العقائدية المهانة. هذه الحكومات المرتوية بالدماء لم تفكر للحظة أن تستدعي أي دولة لتستنكر ما يحدث بالدول العربية . لمَ لَم نشهد مثل هذه الظاهره أبدا في بلداننا العربية ؟ لماذا يتم جر شعوبنا الى حرب ليست بحربهم ولماذا يقررون كيف علينا أن نفكر ؟ لماذا يتقولون على ألسنتنا ؟ هل يملكون حقيقةُ صوتاُ موحداُ لأمة المليار ونصف. لماذا كل هذا الاستخفاف بالانتماء لمن نصبهم على مناصبهم؟

كان يجب عليهم الامتناع عن محاباة مجرم حرب مثل بنيامين نتنياهو والشعور بالخزي من تواجدهم في نفس المكان.

أليس وجوده كان بمثابة صفعة ساخرة في وجه العالم والعدالة؟ وبصقة في وجه حرية التعبير وحرية الصحافة ؟ أم أن قتل سبعة عشر صحافيا في فلسطين ضمن ألفان ومئة وثلاثة وأربعون فلسطيني في غزة العام الماض كان نوع من أنواع الحرية؟.

لم تم تجاهل أكثر من خمس وثلاثون صحافيا قضى نحبه في تغطية حرب العراق بنيران أمريكيه ؟ لِم لَم يمجد هؤلاء ؟

أين كانت حرية التعبير عندما تم قتل الرسامة العراقية ليلى العطار عام ألف وتسعمائة وثلاث وتسعون عندما تم اطلاق ثلاثة صواريخ أمريكيةعلى بغداد استهدف أحدهم بيتها قتلها هي وأهلها وحولهم الى أشلاء. بسبب رسمها صورة كاريكاتيرية لبوش الأب على أرضية مدخل فندق الرشيد والذي عقدت فيه المؤتمرات الصحفية ونزل فيه كبار الشخصيات العراقية والعالمية. أم أنها أيضا تخالف وتمس الذوق العام ؟

هذا الموضوع لا نهاية له كما لا بداية . نظريات وفرضيات مختلفة فيما اذا كانت عملية مدبره او عملية عشواء ولكن نتاجها واحد في كلتا الحالتين أن معاداة الإسلام والتمييز العرقي لن ينتهي بنهاية حميدة وأنه فيما اذا كانت هذه عملية من قبل مسلمون أو تم الصاقها بهم فانه يجب على العالم أجمع أن يتدخل لوقف هذه المهزلة والتجريح المستمر لحقن الدماء.