الاعتداء على معتقدات الناس ليس حرية رأي

بقلم: 

قتل النفس وهتك الأعراض وسرقة المال ومصادرة الحقوق واختراق القانون وحجب الحريات وتدمير الشعوب واحتلال الأرض ونهب الثروات وتجويع البشر وتكميم الأفواه واستخدام العنف، كلها محرمات لا يقبلها أي إنسانٍ حر، ولا تقبلها الأديان ذاتها، التي يتطاول عليها البعض مدنسين إرثها وتاريخ وسير رجالاتها ومآثرهم.

فقدح الناس جزافاً والتطاول على شرفهم ومعتقداتهم ومشاربهم ليس حرية رأي، وليست سمة حضارية، بغض النظر عن أي من الأديان والملل والطوائف نتحدث. وممارسة هــــذا الأمر والإصــــرار عليه ليس بطولة ولا شطارة ولا دليلاً معنوياً أو ملموساً على التحّضر والتّنور. فأنا شخصياً لا أتبع الدين المسيحي مثلاً، لكنني لم ولن أعطي لنفسي الحق أن أدوس كرامات ومشاعر المنتمين إليه، لا سمح الله. لا من باب التجريح ولا من باب الإيحاء أو حتى التصريح.
حتى الديمقراطية التي نعرفها جميعاً لا تتجاوز الحد الواضح بانتهاء مساحة الحرية مع بداية حرية الآخرين، لذا فإن حرية الرأي ليست طريقاً باتجاه واحد أو مسلكاً لا عودة فيه. فمن يقول عكس ذلك وكأنه يقول من حقي ضربك وقتلك وتقطيعك، من دون أن يكون لديك الحق في الدعوة لمنعي.
والمنع يجب أن لا يأتي إلا برباطٍ مجتمعيٍ واضح يكفله القانون والاتفاق المجتمعي والاحتكام للسبل العدلية والنسيج الآدمي والعقد الاجتماعي الواضح بين البشر.
فالأديان سواءً أعجبتني شخصياً أم لا ليست سلعة أمــــامي أتناولها متى أشاء أو أعطي لنفسي الحــــق، وبدعوى الحرية، أن أسخر جهدي للتطاول عليها وتجريح اتباعها والنيل منهم وكأنهم مجردون من المشاعر والأحاسيس.
ولربما الدليل القاطع على تحييد الأديان واحترامها موجود لدى الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الاحتلال الصهيوني والقتل والتنكيل والحديث الصاخب من حكومة الاحتلال عن يهودية الدولة وكل المكونات المرة للصراع، لكنه ورغم كل هذا لم يقرر ذات يوم أن يستهزئ، لا سمح الله، بشخص النبي موسى عليه السلام، بل يحتفظ بمقامٍ له ويحرص على تنظيم موسمٍ سنوي له انطلاقا من احترام الفلسطيني للرسل ورسائلهم.
العنف مرفوض بكافة أشكاله واللجوء إلى أخذ القانون باليد أمر لا يقبله عاقل وعليه فإن العلاج يأتي على المسببات والأعراض والنتائج ولا يقتصر على تحدي النتائج، والإصرار عليه تماماً كمن يريد أن يعالج معدة رجلٍ ميت!
لذا لا بد من نقاشٍ هادئ ومتزن وصريــــح حول تعــــريف حرية الرأي! ولو أن كلاً منّا شرّع لنفســـه ما اعتقد بأنه حرية لفني الناس جميعــاً! فهل الغلبة لمن يتحدث بصوتٍ مــرتفع وأكثر صخباً أم لمن يرفع سقف النقاش الهادئ الذي يؤمن بأن حرية الرأي ليست شيكاً مفتوحاً؟.

نقلاً عن القدس العربي