غيوم يناير... تسير بعكس ما يتوقع أهل فلسطين مسيرها!

بقلم: 

أننا هالأيام نعاني من كثرة الضجيج والتساؤلات التي لا تنقطع، وهي تدور حولنا، لمعرفة وتفكيك لغز ما يحدث، وما يؤول أليه مصيرنا كشعب فلسطيني في هذه الفترة. فأرتدائنا نظارة هالأيام في وضع مقلوب، يبدو أنها ستمكننا من رؤية الواقع في وضعه، وربما تساعدنا على فهمه. لذا فأنا من الأشخاص الذين يؤمنون بصدقية أن القرارات السياسية هي محصلة تسويات وصفقات ما بين ذوي العلاقة، وما تتفق عليه مصالحهم... ذلك نتيجة للتساؤل الذي شغل بالي خلال الأيام الماضية، كما شغل بال الكثرين غيري. هو، لماذا هذا التسرع والاستعجال من قبل السلطة الفلسطينية في تقديم مشروع القرار " لأنهاء الأحتلال" إلى مجلس الأمن، والإصرار على عرضه للتصويت عليه، قبل نهاية العام ... وما القصد، والمغزى من ذلك؟؟

ولماذا هذه الهرولة والعجلة في طرح مشروع القرار قبل ضمان الأصوات التسعة، خاصة أن بالإمكان تأجيله إلى بضع ساعات فقط، مطلع السنة 2015، وهذا قد يوفر إمكانية الحصول على الأصوات التسعة مع خروج 5 بلدان (من مجلس الأمن) ودخول خمسة أخرى جديدة أكثر تعاطفا وتضامنا؟

فلو انتظر الفلسطينيون 36 ساعة فقط لاختلف الحال ( ويبدو أن الله ما بدو، هذه السخريات والتنازلات التي تفوت، وتضيع، وتهدر ثوابت، وحقوق هذا الشعب الذي طالما ضحى من أجلها بكل ما يملك، فالله في ما يحصل شؤون، وكشف صفقات وطبخات سوداوية هذه الغيوم التي تملاء سماء شهر يناير. ففي العجلة الندامة وفي التأني السلامة، كما قال المثل!! ). لأنه ابتداءً من الاول من كانون الثاني/ يناير 2015 خرجت (لوكسمبورغ والارجنتين وأستراليا وروندا وكوريا الجنوبية)، وحلـــت مكانها (اسبانيا ونيوزيلندا وأنغولا وماليزيا وفنزويلا).. وبهذه التشكيلة كانت السلطة الفلسطينية ستضمن على الأقل 9 أصوات.. وهي أضافة إلى (روسيا والصين وفرنسا، وتشيلي والأردن وتشاد)، كل من (أنغولا وماليزيا وفنزويلا).. وهناك اسبانيا التي كان يحتمل ان تدعم مشروع القرار ونيوزيلندا التي كانت تميل لدعمه. وكان يمكن أن نرى في شوارع رام الله حين ذاك مهرجانات النصر حسب مقاييس أصحاب السلطة في رام الله، وتكون عملية التحشيد الجماهيري تفعيل ثوري، بدل الاستعراضات العسكرية، والتي يبدو أنها رسالة موجهة للشعب: "الكل يخرس، وممنوع حد يفتح تمه". وألا... وألا ؟؟؟!!!!

لذا أجد أن تبرير أحد المسؤولين للأسف في السلطة، أن العجلة في طرح مشروع القرار قبل ضمان الأصوات التسعة، كما يقول «لأن شعبنا يضغط وفصائلنا تضغط». للأسف شعبنا يضغط دوما لكن ضغوطه لا تستجاب.. فمنذ متى تصغي السلطة لصوت الشعب؟ فالسلطة منذ قيامها عملت على تسريح شبابها قبل القيام وأتمام مهمة التحرير الأرض للأسف!!! وأيضا منذ متى كان الشعب على دراية بما يحدث أو ما اتقوم به السلطة ؟ ومتى قامت السلطة بمصارحة الشارع بما تفعل وتقوم به من خطوات، تحدد مصيره ومصير قضيته؟؟  أحدى وعشرون عاما على أتفاق التسوية "أوسلو" والسلطة، وقياداتها تفاوض في واد والشعب مغيب في واد... ولكي يعلم الشعب بما يحدث، يضطر للأطلال على وسائل الأعلام الأجنبية والعبرية، لمعرفة ما يحدث، وحجم التغييب والغموض الذي يتعرض له هذا الشعب. وحين تسألهم لماذا هذا الاستعجال في عرض القرار قبل الحصول على الأصوات التسعة الضامنة لمرور القرار يأتيك الرد : استجابة للضغط الشارع الفلسطيني....أووووو شارع مين والناس نايمين ؟؟ أو حتى الفصائل المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.. فهي مثل الأطرش بالزفة... لا يخرج دورها سوى عن استكمال العدد لكي يتم حسم النصاب لعقد الاجتماعات، أن عقدت أصلا. ناهيك عن الفصائل الأخرى وانشغالاتها بقضاياها وقضايا شخوصها ...

فرغم كل التعديلات، والمحسنات الصحية، والهدر والتنازلات التي أجريت على مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن، لكي يتلاءم ويتوافق مع لاءات واشنطن ونتنياهو. حيث خضع هذا المشروع للتعديل مرتين، المرة الأولى من قبل فرنسا، للتوفيق بين مشروعها، والمشروع الفلسطيني. (أجريت 8 تعديلات على النص الأصلي غيرت فحواه بشكل جذري) إلى حد أنه أصبح أدنى في مطالبه من الحقوق المنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية السابقة، الخاصة بالقضية الفلسطينية، والتي كانت الأمم المتحدة في قراراتها السابقة قد أيدتها وصوتت عليها، للأسف !! ..

والمرة الثانية، جاء من قبل السلطة الفلسطينية نفسها، عشية تقديم مشروع القرار، بعد موجة الاحتجاجات والانتقادات من الفصائل الفلسطينية، خاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وحركتي حماس والجهاد الإسلامي. واستهجان هذه الفصائل تفرد فصيل في حسم قضايا مصيرية دون استشارتها، وعرضه قبل تقديمه، ليتم البت فيه، والتشاور عليه، وطرح أراءها بخصوص ذلك... إلا أن هذه الفصائل لم نسمع مثلا أن هددت بخطوات معينه كالأنسحاب مثلا من هياكل منظمة التحرير أن تم تغيبها؟؟؟

لكن يبدو من المرجح هو وجود صفقة ما بين السلطة ووزير الخارجية الأمريكي(جون كيري)، كم يرشح وكما ينتج عنه الأمور في الأيام القادمة. على أن تقوم السلطة في تقديم مشروع القرار قبل نهاية العام، وهذا من دون شك يضمن فشله بعدم الحصول على الأصوات 9 المطلوبة لتمريره وهذا من شأنه: أعفاء الولايات المتحدة من اللجوء لخيار الفيتو. ويجنبها الأحراج الذي لا ترغب فيه. خاصة في وجود ما يسمى بالتحالف ضد الأرهاب. وخصوصا ضد "داعش". أيضا كان هذا سيضفي مزيدا من التأليب عليها في المنطقة في مثل هذه الظروف التي تعيشها المنطقة والتي تتحمل واشنطن القسط الأكبر من المسؤولية عنها.

كذلك يجب أن لا نجهل أن الفشل الذي ترافق مع الاستعجال بتقديم القرار للتصويت عليه، أيضا يعطي في المحصلة التي لا لبس فيها فرصة للانتخابات الإسرائيلية كي تجري بدون مؤثرات خارجية وتشويشات. وهذا بتأكيد "طلب أمريكي"، ويبدو أن السلطة استجابة لذلك.

كما أن ما ألت الأمر، يؤكد ويعزز التأكيد أن الأستعراض والخطوة التي قامت السلطة بها بالتوجه لمجلس الأمن، بالمشروع لأنهاء الأحتلال وتحديد سقف زمني لذلك، والاعتراف "بالدولة الموعودة". لا يخرج عن كونها خطوة، ومسعى " تكتيكي " من قبل السلطة. ولم يكن كما يبدو مسعى جاد. وهذا يعزز أن السلطة ما زالت واضعت رغم كل الفشل. ثقلها وتفكيرها بخيار المفاوضات مع إسرائيل. فأن فشلت المفاوضات فالخيار المفاوضات. لأن بالنسبة للسلطة وقادتها الحياة مفاوضات !!!!

كما أن ما نتج عن ذلك الفشل من قيام السلطة من توقيع الصكوك والمواثيق الدولية - ويبدو تأكيد لما كانت تهدد به أن فشلت في مسعى التصويت على المشروع-  والتي لن تصبح بتأكيد نافذة المفعول مباشرة، لأنها تحتاج إلى 3 ثلاث أشهر حسب عريقات. أما تفعيلها فسوف يطول ويطول أكثر، خاصة أذا أستخدمتها السلطة كعامل ضغط لاحقا لتمارسها بعيدا عن كل ما يعتقد الشعب ، وما تعرضه للأسف السلطة وتسوقه من أنجاز .

كذلك حسب تفسير صائب عريقات، عند تسليمه أوراق المواثيق الدولية لممثل الأمم المتحدة في مدينة رام الله، حيث لم يتطرق لا من قريب ولا بعيد، ولم يأتي على ذكر جرائم الأحتلال، وخاصة المذابح المرتكبة وخصوصا خلال العدوان الذي تعرضت له غزة الأخير، والسابقين. وإنما قال: كما جاء في وكالات الأعلام " أن ملف الأستيطان هو الأساس في ما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية، وفلسطين ملتزمة بتغيير قوانينها". كما أن السلطة لم يكن لديها الرغبة بوقف التنسيق الأمني كما هددت بذلك، وألقاء  مسؤولية إدارة الأراضي المحتلة، على إسرائيل لتحمل مسؤولياتها كسلطة احتلال. وبتالي تجد السلطة الفلسطينية مرامها في رفض مشروع القرار لتقوم بذلك لكي تجعل الأحتلال للأرض الفلسطينية أكثر كلفة بالنسبة لهذا الأحتلال. ونخص بالذكر التهديدات الكثيرة التي صدرت عن المسؤوليين في السلطة بهذا الشأن والتي ملئت السماء غيما في يناير... والتي أخرها تصريحات الرئيس في الجزائر باللجوء لهذا الخيار في حال فشل المشروع..

وأخيرا، يبدو أن السلطة في كل خطواتها، تؤكد للأسف، أن خيارها المفاوضات وثم المفاوضات دون تفعيل أي وسيلة من وسائل الأخر كالمقاومة بكافة أشكالها، والإيفاء والصدق في تصريحاتها التي لطالما أخذت ترددها. من وقف التنسيق الأمني وحل السلطة، وألقاء كامل العبيء على الأحتلال في أدارة الأرض المحتلة، وأيضا التغيير على مستوى الخطاب، من خطابات المهادنة والاستسلام إلى خطاب المقاومة وتفعيل كافة الطاقات ، لأن خطاب التوجه لمجلس الأمن وغيره، هو خطاب نخبوي، يستثني الخطاب الجماهير الشعبي الذي يتم تغيبه وتحيده وإغراقه في أزمات، عبر التلاعب بقوته اليومي، عبر مسرحيات تأخير رواتب الموظفين والأزمات المفتعلة الماليه، وأيضا التهويل من خطر الأحوال الجوية عبر التهويل الإعلامي للمواطنين من المنخفض والثلج وأثاره، بدل الاستبشار بالخير القادم.

ولكي تكون غيوم يناير محملة بالخير.  وكذلك يجب على السلطة القيام والالتزام بخطوات استراتيجية وليس حصر كل عملها فقط بخطوات تكتيكية من أجل العودة لطاولة المفاوضات.

حمى الله أهل فلسطين وأبعد عنهم كل الشرور....