حركة فتح .. المؤتمر السابع وحماية المشروع الوطنى الفلسطيني

بقلم: 

 

فى هذة الأيام تمر علينا الذكرى الخمسين لننطلاقة حركة التحرير الوطنى الفلسطينى "فتح " والتي شكلت عماد حركة التحرر الوطني للثورة الفلسطينية المعاصرة كونها حركة مفتوحة ومنفتحة على كافة مكونات الشعب الفلسطيني أولاُ، ولأنها حركة نأت بنفسها عن الارتباط بأجندات إقليمية أو دولية من جهة أخرى، ودفاعها عن القرار الوطني الفلسطيني المستقل الذي يعد من أهم عوامل ديمومة حركة فتح إلى وقتنا هذا. ومنذ غياب القائد المؤسس وعدد من قادة الجيل الأول للحركة، استطاعت حركة فتح أن تمارس التجربة الديمقراطية داخل مؤسسات الحركة بدءاً من ملئ فراغ غياب مؤسس الحركة الشهيد أبو عمار، مروراً بعقد المؤتمر السادس للحركة (بالرغم مما شاب هذا المؤتمر من حالة استقطاب وإقصاء على أسس تفتقد للنزاهة)، وتشكيل لجان المجلس الثوري وانعقاد الجلسات طبقاً للنظام ووصولاً الى الحدث الأهم وهو اصرار رئيس الحركة على عقد المؤتمر السابع مع بداية العام القادم.

لقد شكل شعار " تجديد الحرس القديم بالحرس اليقظ !" أو " تواصل الاجيال وضخ دماء شابة " مدخلاً اساسياً للمؤتمر السادس للحركة، وبالنظر لقوائم الثوري او المركزية وما تلاها من نتائج، اثار حنق وامتعاض الكثير من القيادة المؤثرة والمخضرمة داخل الحركة  والتي وجدت نفسها خارج السياق، وتم استبدالها بجيل من الشباب (جزءاً منهم لا ينتمي لحركة فتح، بل يشغل موقعاً تنفيذياً في السلطة مكنه من نسج العلاقات اللازمة ليكون مثلاً عضو مجلس ثورى).

لم يكن الجيل شريك الدم والنضال (أجيال الثورة) ليهدأ على ما حدث في المؤتمر السادس، وما تلاه من تشكيل المجلس الاستشاري لا يمكن أن يرتقي سوى لدرجة تفريغ انفعالي لحالة عدم الرضى على ما جرى في المؤتمر السادس.

وبالانتقال الى المهام والبرامج والملفات الجسام (الداخلية، العلاقات الوطنية والانقسام، مواجهة الاحتلال ) التي كانت ملقاة على عاتق المجلس الثوري واللجنة المركزية، يمكن للمتتبع والمهتم المتتبع بأحوال الحركة ان يحكم على تجربة (الحرس الحديث ، مناضلي الانتفاضة الاولى ، الكفاءات !!) والتي اقل ما توصف بانها كانت تجربة فاشلة على كافة الاصعدة.

على الصعيد الداخلي لحركة فتح: هل استطاعت حركة فتح تجديد الدماء داخل اطر الحركة، وهل استطاعت الحركة ان تخرج عن اعتمادها على مقومات السلطة كمدخل لنشاطات الحركة وهل استطاعت الحركة الفصل بين السلطة والحركة،  هل تم حصر العضوية (وخاصة  على الساحات الاوروبية وامريكا وافريقيا..الخ). هل تمت مراجعة تجربة الحركة بعد اوسلوا، هل تمت مراجعات فكرية. هل انعقدت لجنة السياسات والبرامج، وماذا عن لجنة المشاريع وتنمية الموارد، وماذا عن سياسة التفريغ من السلطة على الحركة لآلاف ممن هم ليس من حركة فتح والعاملين في مؤسسات خاصة ومؤسسات دولية خارج الوطن. هل تم معالجة ملفات الفساد المتغلغلة في القاعدة الفتحاوية (وخاصة في قطاع غزة)، وهل تم معالجة ملفات فساد اخرى غير تلك التي اتهم بها النائب دحلان. هل تم التحقيق في تحالفات (صديق الامس-عدو اليوم) وخاصة ان الاتهامات كيلت على الهواء مباشرة بين الرئيس وبين دحلان، وكلاهما كشفا عن اتهامات بقضايا امن قومي خطيرة ستكون مادة دسمة لحركة حماس ضد حركة فتح وضد المشروع الوطني (الذي يمثله ارث حركة فتح) في أي انتخابات قادمة.

أما على الصعيد الوطني، هل استطاعت الحركة على صياغة رؤيا لاعادة قطاع غزة للشرعية، وانهاء الانقسام.
وعلى صعيد مقاومة الاحتلال، هل استراتيجية المفاوضات ولا غير المفاوضات هي استراتيجية رئيس السلطة الوطنية، ام هي استراتيجية حركة فتح. كم مناضل سوى (الشهيد زياد ابو عين، ابو جهاد العالول، وعدد يحصى على اصبع اليد) هم الذين يخرجون مع الجماهير لمقاومة الجدار او واجهة الاستيطان، وسواهم من اصحاب ربطات العنق ياتي لالتقاط الصور التذكارية).

لقد جاء ت الانتفاضة الثانية التي بدأتها جماهير حركة فتح واشتدت رعونة ووحشية الاحتلال الاسرائيلي ضد مؤسسات السلطة وضد رئيس السلطة الشهيد ابو عمار، وبدلاً من تشكل تلك الانتفاضة عامل قوة لحركة فتح، انتشرت "الفوضى الخلاقة "، وتداعى قادة الاجهزة الامنية وخاصة في غزة الى نصب المكائد والتنافس على ما هو ات حينه (من يخلف ياسر عرفات)، فتناحر المتناحرون في غمرة الانتفاضة واستشهد ابو منهل القدوة (بعدما قام بصد المهاجمين لمدة 30 دقيقة كانت كفيلة بتحرك كافة عناصر امن السلطة التي تبعد فقط 5 دقائق من الحدث). قتل موسى عرفات وقتل الشهيد ابو لحية، وقتل ابناء بهاء بعلوشه والعميد التايه، واختطاف قائد الشرطة الفلسطينية وقتل الشيخ الرفاتي والشيخ عجور واختطف الاجانب والصحافيون لغرض الفدية وغير ذلك من الفوضى التي عمت البلاد.انتشرت العشرات من التشكيلات العسكرية الفتحاوية، بينما كانت حركة حماس تعد العدة للفوز في الانتخابات. الكل يعرف وحركة حماس نفسها تدرك انها فازت ليست لانها ام الجماهير، بل فازت لانها كانت الاكثر تنظيماً والاكثر انضباطاً تنظيمياً ولانها وعدت الناس بجلب الامن الشخصي لهم. وبغض النظر عن اسباب فشل حكم حماس وما تبعه من انقسام غير مبرر، الا انه لا يختلف اثنان على ان حماس اعادة الامن الشخصي والطمانينه للمواطنين في غزة.
خسرت حركة فتح لشعبيتها المستمدة من الشعب والجماهير وعوقبت فى الانتخابات التشريعية فى العام 2006 وتم عقد المؤتمر السادس للحركة والذى كان خطوة مهمة فى تجديد الدماء فى حركة فتح وقياداتها ولكن بعد عدة أعوام  أثبت المؤتمر السادس انه لم يحقق الاهداف ولم يوحد او يرمم حركة فتح  بل جعلها أكثر تشتتا وانقساماً على نفسها وعلى سياساتها وقياداتها، واضحت قيادتها الجديدة في المركزية والثوري عاجزة عن معالجة كافة المفات والتعامل مع التطورات والاحداث الجسام الملقاة على عاتق الحركة
المؤتمر السابع والمشروع الوطني:

لا بد من رؤيا لمستقبل الحركة. نريد حركة تستعيد دورها الريادي والجماهيري على الساحة الفلسطينية، ولديها الامكانيات لتوظيف الادوات المناسبة لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني. ومن هنا على قيادة الحركة ان تدرك ان مستقبل الحركة واستعادة دورها الوطني، هو اهم من مستقبل اشخاص قي الحركة غايتهم الحفاظ على دورهم التنفيذي.  ولهذا من الحكمة ان يأتي المؤتمر السابع وقد عولجت القضايا التالية دون ان يكون عامل الموعد الزمني مسلطاً على اهمية ما يجب التحضير له ومعالجته، ومن هذه القضايا:
1.     صياغة البرنامج السياسي، تطوير وتنمية الاطار الفكري للحركة، والمراجعة التنظيمية، واعداد تقرير الانجازات، وعرض البرامج والخطة التنفيذية.
2.      تقييم اداء المجلس الثوري واللجنة المركزية وعمل الاقاليم وعمل اعضاء المجلس التشريعي عن كتلة حركة فتح البرلمانية، وكافة الاطر التنظيمية المختلفة، المنظمات الشعبية، وعلى رأسها حركة الشبيبة كأهم اطار تعبوي وتنظيري واستقطابي داخل المدارس الثانوية والجامعات، واهمها ايضاً النشاطات الجماهيرية والميدانية ومدى التصاق المسؤولين بقضايا الجمهور، ولا بد من الاشادة بالانجازات وضرورة الاخذ بمعالجة الاخفاقات.
3.      الوقوف عند موضوع العضوية والانتخابات على الساحات الخارجية، (لا يجوز مثلاً ان يتم انتخاب اقليم احد الدول الاوروبية فقط بحضور عشرة اشخاص في مكتب السفير ليتم انتخاب تسعة اشخاص، علماً ان العضو العاشر ضيف من دولة مجاورة)، ويجب التوقف عند المفوضيات وطريقة عمل تلك المفوضيات وانجازاتها، وكذلك مراجعة أصول وبنود الصرف على تلك المفوضيات وخاصة صدقية المهات الخارجية.
4.     قضية عباس- دحلان: البعض يخطيء من توصيف المشكلة التي حدثت بين دحلان والرئيس على انها قضية دحلان، ولكن من الحكمة وحفاظاً على سيرة وتراث حركة فتح، من الحكمة ان يتم تشكيل لجنة تقصي حقائق وطنية تلتقي مع الرئيس ومع دحلان فيما يتعلق بالاتهامات الخطيرة التي كالها كلاً من الرئيس ضد دحلان وكذلك تلك التي كالها دحلان ضد الرئيس. ان القضايا والاتهامات التي كيلت من كلا الطرفان، هي قضايا تمس تاريخ ونضالات وسيرة حركة فتح المشرفة. وتكمن خطورة تلك الاتهامات كونها قضايا امن قومي من جهة، وخطورتها انها تصدر من شركاء الامس وحلفاء المؤتمر السادس، وشخصيتان تشغل وشغلت اهم مواقع المطبخ السياسي والامني للسلطة الوطنية الفلسطينية. وبدون حل تلك القضية، فان حركة فتح ستيقى مادة اعلامية وانتخابية من المنافسين ضد حركة فتح في أي انتخابات رئاسية او تشريعية قادمة.
5.     اعادة غزة الى الشرعية، وهذا يتطلب اعادة النظر في عملية المصالحة  برمتها، وعلى المصالحة ان تنطلق من الاساس بالاتفاق مع الكل الفلسطيني على استراتيجية وطنية موحدة. رؤيا فلسطينية موحدة ومتفق عليها على البرنامج الفلسطيني الممكن،  وليكن برنامج لفترة محددة حتى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 67 وعودة اللاجئين والاتفاق على سبل وادوات واساليب المقاومة التي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني. وما خلاف ذلك من حكومة وانتخابات وغير ذلك ما هو الا نتاج اجراءي يمكن الاتفاق عليه  بأي ثمن اداري او مالي.
6.     معالجة تمثيل  الاقاليم الخارجية وخصوصا فى اوروبا.  كيف يمكن لاقليم كاقليم رام الله او اقليم خانيونس او غرب غزة يكون بنفس حجم وتمثيل اقليم ايطاليا او النرويج او السويد او فرنسا؟ كيف لتسعة أشخاص او عشرة أشخاص يمثلون اقليم بكاملة وباقي الحضور ضيوف من خارج الدولة. من الضروري ايجاد عدالة فى توزيع العضوية التمثيلية لاعضاء الحركة فى الخارج طبقاً للنظام.  ان عدد اعضاء الاقاليم فى اوربا جميعها لا يتعدى عدد منظقة واحدة فى اقليم الخليل.
7.     التعيين داخل المجلس الثوري واللجنة المركزية يجب ان يكون طبقاً للنظام، بحيث يتم التعيين للكفاءات وشخصيات فتحاوية تنال الاجماع الفتحاوي، و لما تتميز وتتمتع به تلك القيادات من تاريخ مشرف، اخلاق وفضيلة ومحبة الاخرين. هؤلاء عادة يكونوا من الاخوة والاخوات المفكرين والعلماء والمثقفين، او ينحدرون من مناطق يصعب تمثيلها كألاخوة العائدين ومن فلسطين المحتلة 1948.

لا بد ان يخرج المؤتمر السابع ويحمل همماً وبرامج تجدد ديمومة حركة فتح كحامية ورافعة للمشروع الوطني الفلسطيني. يجب الفصل ما بين  السلطة التنفيذية لحركة فتح والمتمثلة فى  اللجنة المركزية ومواقعها والسلطة لقضائية بما فيها المحكمة الحركية وهى المهمة الأصعب للتخلص من الفاسدين والمتسلقين فى الحركة  ومحاسبة  أى عضو فى الحركة من قمة الهرم لأصغر عضو. حركة فتح الامينة على القرار الوطني المستقبل. فتح- العمود الفقرى للمشروع الوطنى الفلسطينى لا يمكن أن تتقدم الى الامام فى ظل وجود ترهلات وانقسامات فى الجسم الفتحاوى سواء كانت قانونية او غير قانونية. لا بد من الاستفادة من تجربة المؤتمر السادس وما رافقه من تحالفات مصالح لم تدم طويلاً وقد اصابت الحركة بضرر ممكن ترميمه. ولقد اثبتت التجربة ايضاً ان عملية اقصاء "الاجيال الاولى- الحرس القديم" وعملية الاحلال بالدماء الجديدة، اثبتت ان الدماء الجديدة تتطلع الى ما وراء الممكن، واختلطت الالوان امام البعض منهم لتصبح السلطة والموقع غاية الوسيلة ووسيلة الغاية بحد ذاتها. الحرس القديم مكانه ليس المجلس الاستشاري، بل ايضاً حقاً على حركة فتح ان تتسلح بالكثير من تلك الكفاءات لانها هي الدماء الحية والمتجددة فينا. واخيراً.على حركة فتح ان تنجح في المؤتمر السابع، والا ستسطوا الطحالب الضاره على الحركة وتقودها الى الهزيمة. وحينها لا يجدى نفعاً الا من يجد نفسه بديلاً.