فكرة سيئة ونواياها سيئة
الحملة التي بدأها بعض تجار رام الله لتغيير اسم المدينة والمنشور الذي صاحب الحملة هو تصرف مخالف للقانون قبل أي شيء، وعليه ينبغي اتخاذ الإجراءات القانونية التي يقتضيها مثل هذا الخرق، اجراءات تشمل اعادة نظر الجهات المختصة، ( البلدية، المحافظة، وزارة العمل، ...)، بالتراخيص الممنوحة لهؤلاء التجار وصناعتهم ومزاولة تجارتهم بعد مخالفتهم الفاضحة لعقد الترخيص المتضمن اسم المنشأ، عليهم مثلا أن يحصلوا على شهادة مزاولة تجارتهم من " بلدية ومحافظة راملة " خاصتهم. أو الحصول من " المفتي " خاصتهم على مثل هذه العقود.
وسيكون من الضروري في مثل هذه الحالة التدقيق في دفاترهم، وحساباتهم، ومصادرهم، والبحث في مدى التزامهم ببقية بنود عقد الترخيص بما يشمل التهرب الضريبي ونسبة الربح ونوعية المنتج وصلاحيته، اضافة الى مدى التزامهم بحقوق المستخدمين لديهم من عمال وموظفين.
يبدو الأمر نوعا من الكوميديا السوداء فعلا، حين نتخيل انه عبر خمسة قرون، شهدت خلالها رام الله حكم العثمانيين والبريطانيين والأردن ثم الاحتلال الإسرائيلي فمنظمة التحرير، دون أن تحظى، البلاد ومن حكمها وما جاورها، أشخاص يتمتعون بالحرص والإيمان والحكمة حتى بعث لنا الله هؤلاء التجار، والمفتي السري خاصتهم، الذي حصن نزعة التعالي والغرور لديهم وزين لهم من خلال فتواه تصدر الفتنة ورعايتها.
لقد أقدموا، بقصد أو بجهالة، على ما لم يجرؤ الاحتلال، بدهائه، على فعله مستخدمين اسم الله جل جلاله في حملتهم الغريبة، رغم ان الأمر سهل وبسيط، ولا اظن انهم يجهلونه أويجهلون احكام "الاسم المركب " في اللغة العربية، لغة القرآن.
هذه الفكرة سيئة ونواياها السيئة الكثيرة.
هذا يذكر بالمطاردة الطويلة التي تعرض لها مسجد جمال عبد الناصر في مدينة البيرة من قبل ممثلي حماس في السنوات العشر الأخيرة، عندما تم تغيير اسمه الى " مسجد الشهداء "، بحيث يتحول الاعتراض على التغيير تقليلا من شأن الشهداء أنفسهم، اخرون اطلقوا عليه اسم" سيد قطب " في محاولة عصابية لانتقام سياسي من الرئيس المصري الراحل كان مآلها الفشل المضحك، اذ واصل سكان المدينتين، البيرة ورام الله، ورواد المسجد وعمال الحسبة المجاورة، وسائقو الحافلات في الكراج المركزي، والأولاد والبنات في الحارات القريبة، والمتظاهرون في دوار المنارة ومنظمو المسيرات، المعارضة والمؤيدة، مناداة المسجد باسمه الحقيقي "مسجد جمال عبد الناصر ".
النقاش الذي تقترحه هذه الحملة هو بمجمله مزيج محكم من الابتزاز والنفاق والتستر، كما درج مؤخرا، وراء رموز دينية، وينطلق من فكرة متعالية ومدعية مفادها أننا نعلم وأنكم لا تعلمون، ويطلقه أشخاص يواصلون استثمار الدين ورموزه واستخدامها في تجارتهم اليومية وفي مشروعهم السياسي، وهو نقاش لن يؤدي الى معرفة أو فائدة أو معنى. وان كان سينعكس، كما يأمل بعضهم، في تحسن تجارتهم وزيادة أرباحهم، عندما تتحول الحملة الى حملة اعلانية غير مدفوعة.
سيكون من الأجدى عدم الخوض في مثل هذا الجدل والذهاب مباشرة الى المحاسبة القانونية.
الحياة الجديدة