ما بعد "الفيتو" الأميركي

بقلم: 

رد واشنطن لم يتأخر كثيراً على مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن الدولي والذي يهدف إلى تحقيق سلام عادل قائم على حل الدولتين والاستحقاقات التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة.. الرد كان سلبياً، ومتوقعاً، وهو استخدام حق النقض "الفيتو" لإجهاض التحرك الفلسطيني نحو إنهاء الاحتلال.
واشنطن الراعي الأساسي لعملية السلام في الشرق الأوسط، غير قادرة على التحرك الحقيقي، أو الاقتراب أكثر من أجل حسم الوضع، على قاعدة إنهاء الاحتلال، علماً أن جهودها المتواصلة منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى اليوم.. لم تحقق شيئاً، بل على العكس، فإن التأخر أو التأخير المتعمد في تحقيق الحل العادل، أدى إلى تطرف إسرائيل من خلال خلقها وقائع على الأرض تمثل قنابل موقوتة للانفجار في وجه الحلول المستقبلية.
التأخر في إيجاد الحل؛ خلق قيادات إسرائيلية متطرفة وعنصرية، وأدى إلى تطرف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، بل ونحو أفكار جنونية ابتداءً من مفهوم يهودية الدولة وليس انتهاء بمجموعة مشاريع القوانين التي أقرتها الكنيست، وهي بمجملها قوانين ذات طابع شوفيني، ولا يمكن حتى التفكير بها في القرن الحادي والعشرين.
لا ندري ماذا تريد واشنطن حقاً من الشعب الفلسطيني، الذي قدم كل ما يمكن تقديمه من أجل السلام، تنازل عن أكثر من 70% من أرض وطنه التاريخية، وقبل بوجود دولة إسرائيل التي أقيمت على أنقاض نكبة هذا الشعب، واعترف بالقرارات الأممية كلها، وربما هذا فتح أبواب المنطقة أمام دخول إسرائيل إليها، بعد أن كانت العدو الأول.. ولكن مقابل ذلك لم تقدم إسرائيل أي مقابل واقعي وحقيقي، حتى السلطة الوطنية بالمفهوم الإسرائيلي هي مجرد كيان يعمل فقط على أساس خدماتي، ويحل محل مؤسسات الاحتلال التي بقيت كما هي، ولكنها انسحبت إلى خارج المدن فقط.
ومن الواضح الآن أن واشنطن من خلال مناوراتها الحالية تريد أن تحشر القيادة الفلسطينية في الزاوية، معتقدة أن هذا الحصار سيؤدي إلى تراجع القيادة أو إلى ربما تغيير كبير في المنهج الفلسطيني.. ولكن يبدو أن الأمور تسير عكس ذلك تماماً.
ولعلّ إصرار الرئيس محمود عباس على أن التوجه إلى مجلس الأمن لن يكون المرحلة الأخيرة في إدارة هذا الصراع المرير مع الاحتلال، وحتى مع مواقف واشنطن السياسية. وبهذا فإن الرد على "الفيتو" الأميركي أيضاً سيكون متمثلاً في الانتقال الفوري إلى المؤسسات والهيئات الأممية والدولية وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية.
هذا التوجه الذي سيتواصل إلى أشهر، لن يكون أيضاً هو المرحلة الأخيرة، ولكنه سيضع فلسطين بشكل رسمي وقانوني، على الخريطة الدولية. أما الخطوة الأخرى فهي تحميل الاحتلال مسؤولياته التي يحاول التملص منها، ولا يمكن أن يقبل الشعب الفلسطيني أن يكون هذا الاحتلال هو أرخص وآخر احتلال في هذا العالم، بمعنى أن سلطات الاحتلال يجب أن تتحمل المسؤولية الكاملة عن أوضاع شعبنا الفلسطيني المحتل في كل المناطق لا فرق بين مناطق "أ" و"ب" و"ج".
وبناء عليه فإن واشنطن اليوم أمام مفترق طرق، إما أن تكون راعية حقيقية لمسيرة السلام، وأن تعمل من أجل إنهاء هذا الاحتلال، وهي بذلك تحقق مصالحها القومية بشكل أساسي، وتعيد الهدوء والاستقرار للشرق الأوسط الملتهب، أو أن تساهم بشكل غير مباشر في تفجير المنطقة. في ظل سياسات إسرائيلية عنصرية لم تترك فتيلاً متفجراً إلاّ وأشعلته. ولعلّ ما يحصل في القدس اليوم والأماكن المقدسة لهو خير دليل على ذلك.. الخيار أميركي ونحن في الانتظار.

ملاحظة
في التصويت الذي جرى أمس في الجمعية العامة للأمم المتحدة حول قرار "حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير"، عارضت الولايات المتحدة القرار كعادتها وبعض الجزر المجهولة التي تدور في فلكها، فإذا كانت معارضة هذه الجزر مبررة بتبعيتها المطلقة، فإن الأمر غير المبرر والذي بحاجة إلى إعادة النظر هو موقف جنوب السودان التي امتنعت عن التصويت. لا ندري كيف لهذه الدولة التي انسلخت عن أكبر دولة عربية من حيث المساحة، تحت مسمى حق تقرير المصير، الوقوف ضد تقرير الشعب الفلسطيني مصيره.. هل هو التغلغل الإسرائيلي في هذه الدولة.. هل السبب قيادات هذه الدولة التي هي أقرب إلى الارتباط بإسرائيل.. علماً أن فلسطين كانت من أوائل الدول التي اعترفت بهذه الدولة.. فهل كان هذا جزاء "سنمار"!!.

المصدر: 
الأيام