القيادة الفلسطينية: عين على مجلس الأمن والأخرى على الأوروبيين!
كما توقعنا في مقال سابق، هنا في "الأيام"، فإن القيادة الفلسطينية، وفي مواجهة الصلف الإسرائيلي، وفي ظل الوضع الداخلي، كذلك الحالة الإقليمية والدولية، تستند إلى ما تتمتع به من خبرة ومن حنكة سياسية، وذلك لاستثمار ما لديها من أوراق للدرجة القصوى، وهي تحارب على الجبهة السياسية/ الدبلوماسية.
وفي مقابل الحكومة الإسرائيلية التي تستند للحليف الأميركي، حيث لا تبدو حكومة نتنياهو مهتمة بأمر توجه الجانب الفلسطيني لمجلس الأمن بمشروع قرار مدعوم بالمجموعة العربية، التي يمثلها الأردن في المجلس الأممي، حالياً، بقدر ما هي مشغولة بالانتخابات الداخلية أكثر من أي أمر آخر، لدرجة أنها تعتمد _ على ما يبدو _ اعتماداً كلياً على الفيتو الأميركي.
ورغم أن فحوى اللقاء بين بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية وجون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة، منتصف الأسبوع، لم يظهر للعلن، إلا أن جوهر الموقف الأميركي ظهر خلال لقاء الوزير الأميركي مع كبير المفاوضين الفلسطينيين، الدكتور صائب عريقات، والذي لم ينجح في التوصل إلى توافق بين الرجلين، ورغم تهديد كيري، ربما للمرة الأولى، فيما يخص هذه المسألة، بالفيتو الأميركي، إلا أن الأمر لم ينطل لا على عريقات ولا على القيادة الفلسطينية، التي أدركت تماما بأن التهديد الأميركي ما هو إلا محاولة لثني القيادة الفلسطينية عن توجهها لمجلس الأمن، حتى تخرج ببياض الوجه ولا تتعرض لأي اختبار أو حرج.
وما أكد ذلك، هو قول كيري نفسه يوم الثلاثاء الماضي، إن بلاده لم تحسم أمرها بعد، ويقينا بأن السبب يعود إلى أن القيادة الفلسطينية، قد اعتمدت تكتيك المقاربة مع الموقف الأوروبي، نظراً لأن الأوروبيين بالجملة، وفرنسا على وجه الخصوص، يبدون اهتماماً متزايداً بالملف الفلسطيني/ الإسرائيلي، بعد أن أهملته واشنطن، منذ الربع الثاني من هذا العام الذي يوشك على الانتهاء.
والحقيقة أن الموقف الأوروبي، ومنذ عقدين من السنين، أي منذ انتهاء الحرب الباردة، وهو يظهر كموقف مختلف عن الموقف الأميري فيما يخص تسوية الملف الفلسطيني، وخير دليل على ذلك، نجاح الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في تحقيق الاختراق التفاوضي عام 1993 في أوسلو، فيما كانت مفاوضات واشنطن تراوح مكانها.
وفي التفاصيل، تظهر أوروبا كل يوم مواقف ليست مختلفة فقط عن الموقف الأميركي وحسب، ولكنها تؤكد اقترابها وتأييدها المتصاعد للحقوق الفلسطينية، بينما الموقف الأميركي في عموميته لا يكاد يتجاوز الموقف الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية، وتجاه الحقوق الفلسطينية، فحتى اتفاقات أوسلو، رعتها واشنطن، لأن إسرائيل كانت هي من توصل إليها مع الجانب الفلسطيني، وما زالت واشنطن غير قادرة على تجاوز الموقف بقبول ما يتوصل إليه الطرفان عبر التفاوض الثنائي بينهما، أي هي تقبل فقط ما تقبل به إسرائيل، وهي بالقول فقط تقر بأن الاستيطان غير شرعي وبأن الضفة الغربية والقدس هي أراض محتلة، ولا تقبل لا بمؤتمر دولي ولا بالاحتكام للشرعية الدولية!.
فحتى بذهابهم لمجلس الأمن لا يتجاوز الفلسطينيون الشرعية الدولية بل يلجؤون إليها، كما أنهم لا يعلون اختيار العنف ولا بأي شكل في التوصل إلى الحل، الذي تغلق أبوابه إسرائيل بالكامل، كما أن تجربة عشرين سنة لم تقنع الأميركيين بعدم جدوى التفاوض الثنائي.
ولعله أمر ذو دلالة بالغة أن يقدم الأوربيون عبر البرلمان الأوروبي بتأييد إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 67، وأن تقدم محكمتهم في الوقت ذاته على نزع صفة الإرهاب عن "حماس"، تدشينا لسحب واحدة من الأوراق الإسرائيلية الخاصة بتشجيع الانقسام الفلسطيني الداخلي، وفتح الأبواب لإعمار غزة، ودمج "حماس" بموظفيها ومناضليها، وطاقتها السياسية في الكل الفلسطيني، وذلك خلافاً للموقف الأميركي الذي كان أول من بادر لإدراج الحركة على قائمة الإرهاب ووضع العراقيل في طريق السلطة الفلسطينية والكفاح الوطني من اجل الحرية والاستقلال.
بقي أن نشير إلى أن مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن، وإن كان لا يستعجل إصدار القرار، أي انه لا يتطلب إصداره خلال 24 ساعة، إلا انه قارب الموقف الأوروبي الذي استند إلى فتح الباب لمفاوضات لمدة سنتين لإنهاء الاحتلال، بمنحه إياها مدة عام واحد، ثم عامين لمجلس الأمن، في حال عدم توصل المفاوضات للحل، وجعل الباب مواربا أمام الموقفين الفلسطيني/ العربي والأوروبي للتوصل إلى توافق في نهاية المطاف، وحتى يمنح في الوقت ذاته الجانب الفلسطيني فرصة تحقيق النجاح بجمع التسعة أصوات اللازمة لتمرير القرار للتصويت، دون أن يضع حداً لقوة الدفع الخاصة بمشروع القرار، بما يجعل واشنطن أمام خيارات صعبة، قد يكون أفضلها بالنسبة إليها، هو أن تمني النفس بانقلاب في إسرائيل، يعيد الوسط واليسار للحكم في تل أبيب، حتى يوجد شريك إسرائيلي في صنع السلام، قبل فوات الأوان، أو أن تجرب الولايات المتحدة لمرة واحدة فقط، أن تكون محايدة، وألا تظهر كدولة غير مؤهلة لقيادة العالم، حين تجلس وحدها مع دول قليلة في العالم إلى جانب إسرائيل، متجاهلة الحقوق الفلسطينية، في المنظمة الدولية!.