عبد الهادي العجلة يشن هجوماً كبيراً على المجتمع المدني الفلسطيني
شن الدكتور عبد الهادى العجلة، مدير المعهد الكندي لدراسات الديمقراطية هجوماً كبير على منظمات المجتمع المدنى الفلسطينى، داعياً الى اعادة النظر فى تركيبتها وطرق ادارة التمويل الخارجى. جاء ذلك فى مقالة له باللغة الأنجليزية على موقع "يور ميدل ايست” السويدى ونشرت على عدة مواقع أخرى لاحقاً. وفيما يلى نص المقالة مترجما كما ورد على صفحة المعهد.
لقد تواجدت منظمات المجتمع المدني في فلسطين لفترة طويلة من الوقت، وخاصة بعد الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس الغربية. وقد انضمت هذه المنظمات إلى العديد من الحملات ضد الاحتلال الإسرائيلي وتعمل على عدة أصعدة في المجتمع وخصوصاً في حقلي التعليم والصحة. جاءت هذه النزعة لتحل بدل مؤسسات المحتل عبر إقامة منظمات تعتمد على المجتمع تقوم بإدارة المدارس والمستشفيات والعيادات في المدن والقرى. وتم اعتبار هذه الأعمال كجزء من المقاومة.
وحسب حنا عيسى، أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس المفتوحة، فإن هناك حوالي 5000 منظمة أهلية عاملة في فلسطين. وعلى أية حال فإن هذا العدد ليس بالفعل صحيحاً إن قمنا بأخذ جميع أنواع المنظمات الأهلية بعين الاعتبار. وبفعل ذلك، سيصل العدد إلى 10000 وبسهولة شديدة.
هذا وتغيرت أجندة منظمات المجتمع المحلي بعد قيام السلطة الفلسطينية وعودة الفلسطينيين إلى قطاع غزة والضفة الغربية حتى أصبحت أكثر اعتماداً على المتبرعين الدوليين. وقد كان أغلبية الأشخاص الذين قاموا بتأسيس هذه المنظمات من الحركات السياسية اليسارية. استولى اليساريون على قطاع المنظمات الأهلية في الأراضي الفلسطينية وبدأ المال ينهمر في حساباتهم الخاصة في البنوك. وهذا ما ينشأ عنه تساؤل مهم حول الأجندة ونظام المساءلة والرقابة لهذه المنظمات الأهلية، بالأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنها مسئولة عن الرقابة على المؤسسات الرسمية.
وبعد مرور 21 عاماً على أوسلو، فقد عجز المجتمع المدني الفلسطيني بالكامل عن تشغيل الشباب والنساء أو تعزيز قيم الديمقراطية بين الفلسطينيين. وبدلاً عن ذلك فقد انتهى الأمر باستغلال المتبرعين الدوليين للحساب الشخصي. وفي الواقع، فأغلب أموال أوسلو تم ضخها عن عمد لتنفيذ مخرجات أوسلو وليس، بأية طريقة، من أجل الترويج للديمقراطية والمجتمع المدني وقيم الحكم الرشيد مثل المساءلة والشفافية. وهذا ما صنع ما يسمى بـ "الحيتان الكبيرة". إن الحيتان الكبيرة هي عدد من المنظمات الأهلية يرأسها اليساريون واليساريون السابقون، الذين وجدو أنفسهم خارج إطار المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية ومميزاتها، فقاموا بإقامة منظماتهم الأهلية الخاصة وتشغيل أتباعهم والترويج للبرامج التي يريد منهم المتبرعون الدوليون تطويرها.
وخلال الـ 21 سنة السابقة، ذهبت كميات ضخمة من التمويل الدولي إلى جيوب
الحيتان الضخمة، ما يعني انتفاع مجموعات صغيرة جداً من الشعب الفلسطيني. لقد كان المنتفعون بالضرورة نفس الأشخاص على مدار الخمسة عشر عاماً الأخيرة. وليس غريباً القول بأنه خلال الثمان سنوات الأخيرة فإن تمويل المشاريع من قبل المنظمات الدولية والأوروبية يتم الحصول عليه بالعلاقات الشخصية وليس من خلال معايير المساءلة والشفافية.
وعلاوة على ذلك، يعتقد موظفو فتح وغيرهم من موظفي السلطة الفلسطينية بأن المجتمع المدني يمثل عملاً. فقاموا بإنشاء منظماتهم الأهلية الخاصة وإقامة المشاريع واستقبال الأموال من السلطة الفلسطينية (في عهد عرفات) ومن ثم أخذوا إذن بالغياب من أعمالهم الرسمية بتعيين أنفسهم وأقاربهم للعمل في المنظمات الأهلية التي تتبع لعائلاتهم أو لأصدقائهم. وبالتالي، لقد زادت ميزانية السلطة الفلسطينية وحُرم الشباب من فرص مهمة؛ وبالأخذ بعين الاعتبار أن مؤسسي/عمال المنظمات الأهلية يستلمون رواتبهم من السلطة الفلسطينية ومن متبرعين آخرين في نفس الوقت، فإن هذه الأعمال لا تزال مستمرة حتى هذا اليوم.
تقوم السلطة بدفع رواتب المئات وربما الآلاف من موظفيها في غزة من غير القادرين على مزاولة عملهم في مكان آخر بسبب حكم حماس. ويعمل العديد من هؤلاء الموظفين في المنظمات الأهلية كمستشارين لها أو حتى كمنسقي مشاريع أو في مناصب أخرى. وفي الوقت ذاته، هناك آلاف من الخريجين العاطلين عن العمل في قطاع غزة والضفة الغربية.
هذا الفشل الكبير يظهر من خلال قصور ما نسميه نخبة المجتمع المدني عن تحميل كلا طرفي الانقسام الداخلي (فتح وحماس) المسئولية عن ممارساتهم. بدلاً من ذلك، فهم عملوا بموازاة الانقسام في محاولة للانتفاع قدر الإمكان حتى أن بعضهم بدأ برامج عن الانقسام والمشاركة السياسية والإصلاح السياسي. وعلي أية حال، تم تمويل هؤلاء من خلال متبرعين دوليين يهدفون إلى تعليم وتطوير جودة الحياة السياسية لكل الفلسطينيين. على النقيض ذهبت هذه الأموال إلى اجتماعات غير ضرورية في أنقرة وبرلين ولندن ورام الله. وباختصار، فإن المجتمع المدني عجز عن انتاج نخب تستطيع تولي السلطة وإنتاج استراتيجيات لإصلاح سياسي حقيقي أو تنافس مع الأجندة السياسية الحالية.
من الجدير ذكره أن النزعة هي مشاركة الناشطين في المجتمع المدني. وأغلبهم أعضاء في الأحزاب السياسية وخصوصاً اليسار وحركة فتح. وإن اجتماع كون الشخص عضواً في حزب سياسي وناشطً في الوقت ذاته في المجتمع المدني من شأنه أن يؤذي بشكل جزي مفهوم المساءلة والشفافية. وعلى الأحرى، يجب على المجتمع المدني أن يكون شريكاً وليس حاضنة للممثلين السياسيين.
إن امتهان واستغلال قطاع المنظمات الأهلية لا يتوقف عند هذا الحد. فالعديد من الشخصيات المرموقة أنشأت لها منظمات أهلية يجعلون فيها زوجاتهم وأقاربهم رؤساء لها. إنهم يجمعون المال من المتبرعين والقطاع الخاص وأحياناً الدول الشريكة. وهذه الخطوات تؤذي المجتمع المدني وقالب الحكم الرشيد بأكمله فيصبح الفقير أكثر فقراً ويبقى العاطل عن العمل عاطلاً وتستمر الأموال في التدفق إلى المجتمع حيث ليس هناك مجتمع حقيقي غير ظل لأناس منهكين وبائسين ومستغلين.
بقلم: عبد الهادي العجلة: مدير معهد دراسات الشرق الاوسط فى كندا والمدير الاقليمي لمعهد انواع الديمقراطية فى السويد.