لماذا الانتفاضة !؟

بقلم: 

تغلي الساحة الفلسطينية هذه الأيام بأحداث كثيرة، لعل أبرزها وفي مقدمتها قضية استشهاد القيادي الفتحاوي زياد أبو عين، الذي شرّف الفلسطينيين بوطنيته الخالصة وحرصه على مواجهة الاحتلال واستيطانه وجداره العنصري بشجر الزيتون وجسد عارٍ.
أبو عين كغيره من آلاف المواطنين الذين ضحوا ودفعوا أرواحهم ثمناً لعنجهية الاحتلال الصهيوني واستكلابه في الإطاحة بكل ما هو فلسطيني، وتمرير مخططات عنصرية إجبارية بالباع والذراع، دون أي اعتبار لأي أحد صغيراً كان أم كبيراً.
على شاشات التلفزيون شاهد الجميع الرسالة التي كان ينقلها أبو عين إلى الإسرائيلي وإلى المجتمع الدولي، فلم يكن الشهيد يحمل سلاحاً ولم يبادر بضرب الاحتلال بالحجارة، وعلى لسانه قبل الاستشهاد بدقائق قال هذا الكلام.
ليس هناك من حاجة لتشريح جثة الشهيد، لأن الوقائع التي جرى تداولها على كاميرات التلفزيون، تؤكد مائة بالمائة أن جنود الاحتلال اعتدوا على أبو عين واستهدفوه بشكل مباشر وهمجي، أما أن تكذّب إسرائيل الرواية الفلسطينية الطبية التي تقول، إن أسباب الوفاة إصابية المنشأ، فقد تعوّد الشعب الفلسطيني على وقاحة الاحتلال الذي يتهرب دائماً من كل المجازر التي يرتكبها ويفلت من العقاب.
يتأكد من استهداف أبو عين أن الاحتلال الإسرائيلي سواء في مواجهته مشروع مقاومة فلسطيني مسلح أو سلامي حتى النخاع، أم حتى مشروع رفع الراية البيضاء، هو احتلال ساديّ مجرم يمتلك ثقافة الإفراط في استخدام القوة وتوجيهها كل الوقت ضد الفلسطينيين.
هذه الثقافة رسختها الحكومات الإسرائيلية، سواء الحالية أم المتعاقبة، عبر التأسيس لمجتمع متسلح بقيم ومعتقدات عنصرية ترفض الفلسطينيين ولا تقبل التعايش معهم، وتتكرس هذه القيم عبر الأدوات والأذرع ممثلةً بقوات الاحتلال وميليشيات المستوطنين.
كما أن واقعة الاستشهاد تقدم دليلاً على أن الكل مستهدف، القيادات ومختلف فئات الشعب الفلسطيني، ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يريد اختلاق مشكلات مع الفلسطينيين لتبرير وتمرير عدواناته وجعل ردود الفعل الفلسطينية تساعده أمام المجتمع الدولي على تسريع وتائر الاستيطان وضرب الفلسطينيين وملاحقتهم بدعوى الدفاع عن النفس.
إن الفكر الصهيوني يسعى لترجمة شعاره "الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت"، وما حدث في ترمسعيا وغيرها من الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أم قطاع غزة، يعكس هذا الفكر الذي يحاول بكل قوة ضرب المشروع الوطني الفلسطيني والقضاء على مستقبل الدولة.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية اعتمدت ما يمكن تسميته "العلاج بالصدمة"، حيث إنها أطلقت رصاصة الرحمة على عملية المفاوضات بتسريع الاستيطان وعدم وقفه، وشنت حملة شرسة لم يسبق لها مثيل على القدس الشرقية وأهلها، وبشكل مباشر استهدفت المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى، بهدف تهويد الضفة وفي القلب منها القدس.
عملية التهويد المتسارعة هذه لم يستوعبها الشعب الفلسطيني وشكلت صدمةً بالنسبة له، لكنه لم يستطع مواجهتها وفعل الكثير لوقفها، خصوصاً في إطار الانقسام الداخلي وفي إطار موقف السلطة الفلسطينية المتمسك بخيار المفاوضات والسلام الاستراتيجي.
ولو متأخراً، حسناً فعلت القيادة الفلسطينية حين اجتمعت على الفور وقررت البقاء في حالة انعقاد، رداً على استشهاد القيادي أبو عين، وينبغي حقيقة استثمار هذا الغضب القيادي والشعبي للخروج بقرارات تعزز من صمود الفلسطينيين وتعيد اللحمة الوطنية.
هذا يأتي بطرائق عدة، أولاً: ضرورة أن تأخذ القيادة الفلسطينية قرارات مستعجلة وسريعة تتناسب والمرحلة الحالية، على أن يشمل ذلك الإعلان الرسمي عن ولادة انتفاضة شعبية سلمية مدعومة من قبل القيادة وكافة الفصائل الفلسطينية.
ثانياً: تعميم نموذج بلعين على مختلف الأراضي والقرى الفلسطينية، وبلعنة الانتفاضة بالمعنى الحرفي والفعلي للكلمة، ذلك أن هذا النموذج النضالي الراقي الذي اعتمدته قرية بلعين لدفع الاحتلال في السنوات الماضية للتخلي عن مصادرة ما يزيد على 1000 دونم من الأراضي البلعينية التي كان يفترض أن يبتلعها جدار الفصل العنصري لصالح دولة الاحتلال.
ثالثاً: وقف التهديدات وترجمتها فعلياً عبر توسيع ونقل الصراع وتقديم شكاوى لدى المؤسسات الدولية والحقوقية، والتوقيع على طلب الانضمام إلى عضوية الهيئات الدولية، بما يساعد الفلسطينيين على استعادة حقوقهم ووضع الاحتلال تحت طائلة العقاب والمسؤولية.
رابعاً: الدعوة لتشكيل جسم أو إطار قيادي طارئ ومخصص لتوجيه وحماية الانتفاضة، يربط القيادة الفلسطينية بمختلف الفصائل، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، بهدف تثبيت ركائز مقاومة شعبية سلمية حقيقية تستهدف الإطاحة بيهودية الدولة ووقف كل أشكال الاحتلال الصهيوني.
خامساً: ضمان استمرارية الهبة الشعبية وعدم اعتبارها مجرد فورة تستجيب لحدث معين ومن ثم تموت، خصوصاً وأن إسرائيل باتت أقرب من أي وقت مضى، من مساعي تهويد القدس وتفتيت الضفة الغربية وجعلها معازل فلسطينية تفصل بينها المستوطنات والمناطق المحظور على الفلسطينيين الوصول إليها.
إن الإعلان عن انتفاضة ثالثة جماهيرية سلمية تستحدث أساليب نضالية فعالة، هي أفضل رد على الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه، لأن السكوت عن هذه الجريمة بحق الشهيد أبو عين وغيره من الشهداء، فضلاً عن استباحة أراضينا ووحدة حالنا، ستجعل من الاحتلال يواصل "سفالته" ويسترجل أكثر، وحينها نكون أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.
إذا لم تتخذ القيادة الفلسطينية قراراً مدعوماً بتوجيه انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الصهيونية، وتشكل لنفسها غلافاً دائري من الحماية الشعبية، فإن هذه المخططات قد تهدد الوجود الفلسطيني ومعه مستقبل السلطة الفلسطينية، كما تهدد اليوم رموزها وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس.
لماذا الانتفاضة؟ لأنها صمام أمان وحدة الشعب الفلسطيني، ولأنها بالفعل الجمعي تقرب الفلسطينيين من بعضهم البعض وتشد أزرهم في مواجهة انقسامهم الملعون، كما تشد ظهرهم في مقارعة الاحتلال وفضحه على كافة المستويات.
نتمنى على القيادة الفلسطينية أن تخرج بقرارات مهمة وتؤسس لاستراتيجية وطنية صامدة منبعها وأقطابها الكل الفلسطيني، فليس هناك ما يخسره الفلسطينيون، وليس لدينا دولة ولا مطار أو ميناء أو حتى قرار وطني مستقل. إنها مرحلة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية، فإما نكون أو سلموا على "الحبايب"!!.

المصدر: 
الأيام