الأعياد المجيدة وأزمتنا
أخي المسيحي، ها قد حان شهر كانون الأول، وها قد حانت أمور عدة مرتبطة بهذا الشهر، وأكثر ما يرتبط به بعد الشتاء هو أعيادك المجيدة، وستندلع – كالعادة- الخلافات بين إخوتك المسلمين في هذا الوطن على كل شيء.
بعضهم سيتنافسون للتهنئة والتبريكات، والبعض الآخر لن يكتفي بذلك، بل سيقتحم عليك أماكن العبادة والاحتفالات، و"يدس" أنفه بينك وبين أخيك المسيحي، ليثبت لك أن "تسامحه" مع دينك يجعله يؤدي واجب التهئنة عن طيب خاطر وبكل حب وسلام.
وبعضهم سيضعون خانة "الوطن" و"الوطنية" قبل وبعد وأثناء كل كلمة يوجهونها لك في أعيادك المقدسة، وليس هذا فحسب؛ سيمارس هؤلاء دور الأخ الأكبر في هكذا مناسبات، وسيرجمون الآخرين بأنهم "متعصبون" و"غير متسامحين" مع إخوانهم في البلد الواحد، وهذا النوع من "التشبيح" سيمارسه أولئك "المسلمون" الذي اغتصبوا الوطنيّة اغتصابًا، واعتلوا فيها كراسي ذهبية.
وسيعج الفيسبوك وتويتر وغيره بنوعين من المنشورات؛ أولها من "يبذل" نفسه ليسبق الآخرين بتهنئتك ومشاركتك أعيادك بكل ما أوتي من كلمات وألحان، وثانيها من يواجه الأول برد الفعل، ويشرع بسرد الآيات والأحاديث لينهى الآخرين عن هذا "الفعل".
أخي المسيحي، أنت هنا قبل "الإعلام الاجتماعي" وبعده، ولم يتغير في الأمر شيء. أنت هنا قديمًا وحديثًا تحتفل بأعيادك ونحن حولك ولم يتغير في الأمر شيء. لكن المبالغات المذمومة من بعضنا تجاه كل علاقاتك بمكونات مجتمعك تجعلك في حيرة من أمرك تجاه أفعالنا وردود أفعالنا أيضا.
لن يضيرك في الأمر شيء إن كتبت لك تهنئة أم لم أكتب، بل ستكون في سعادة غامرة عندما أتوقف أنا وغيري من أبناء بلدك عن التعامل مع هذا الموضوع بشكل "غير عادي"، نعم ما تحتاجه أنت وأحتاجه أنا هو الشعور أننا "عاديون" فقط. لأن الاهتمام المبالغ به مني تجاهك أو منك تجاهي سيشعر كلينا وكأن حياتنا "غير عادية" إلا أن حياتنا منذ مئات السنين عادية.
أخي المسيحي، لقد تقدمت التكنولوجيا وتأخرنا نحن، تقدمت العلوم وقصّر المتعلمون، تطورّت الحضارة وتراجع المتحضرون، ولو أنني أدعك وشأنك سيكون الأمر عاديا حتما، وستشعر أنت تماما بما أشعر أنا به عند احتفالي بأعيادي.
أقدّر أنك تفهم كلماتي جيدًا لأنك تعيش في مجتمع يواجه أزمة مع الذات في كل مكنوناته الاجتماعية وما حوت، وتلك الأزمة تنعكس في علاقات الأفراد مع بعضهم سياسيًّا وثقافيًّا، ولو كان مجتمعك قد تخلّص من تلك الأزمة في تعريف الذات، والعلاقة مع الذات ومحيط تلك الذات، لتوقفت الأزمة النفسية والبلبلة وذلك الضجيج الذي نزعجك به في كل عام.