"اشتعال القدس".. الاحتلال يتحمّل المسؤولية
حاولت السلطات الإسرائيلية منذ اليوم الأول لاحتلال القدس، في العام 1967، بكل السبل عزلها عن محيطها الفلسطيني، وعملت كل ما في وسعها لإضفاء الصبغة المدنية على احتلالها للعاصمة السياسية والروحية ليس للفلسطينيين فقط وإنما للعرب والمسلمين.
وعلى الرغم من المواجهات والصدامات الكثيرة في القدس، فإن الاحتلال لم يرغب بإضفاء جو عسكري على القدس، وفضل إيجاد حلول للهبّات الجماهيرية، ففي الانتفاضة الأولى نشر قوات الشرطة الإسرائيلية، بما فيها حرس الحدود، دون أن يعطي أي دور للجيش الإسرائيلي على قاعدة أن القدس موحدة تحت سيطرة الاحتلال.
إلا أن الأسابيع الماضية بكل ما حملته من أحداث دراماتيكية صدمت الإسرائيليين بشكل عام وقيادتهم السياسية بشكل خاص؛ جعلت الإسرائيليين على قناعة تامة بأن محاولات التدجين تجاه القدس والمقدسيين قد فشلت بشكل تام، وأن الصراع في القدس صراع طويل، وربما ساهم ما يحدث في كي وعي كثير من الإسرائيليين الذين اعتقدوا أنه بالقوة يمكن تحقيق الأهداف.
ردات فعل أجهزة الأمن الإسرائيلية والسلطة التنفيذية وحتى التشريعية كانت "هستيرية"، فمن المطالبة بسجن كل من يرمي حجراً عشرين عاماً فعليةً، إلى سحب الإقامة والطرد من المدينة، إلى تكثيف سياسة هدم المنازل والاستيلاء على الأملاك الفلسطينية، إلاّ أن الحقيقة المرّة بالنسبة للاحتلال وهو ما أكدته الصحافة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، أن مزيداً من العقوبات الخرقاء لن تجلب الهدوء الذي تحلم به حكومة نتنياهو، بل على العكس من ذلك، اشتدت وتيرة المواجهات داخل الحرم القدسي وفي الأحياء الفلسطينية المجاورة، لأن السياسة الإسرائيلية الحقيقية هي التي ترغب بتغيير الطابع الفلسطيني للمدينة المقدسة.
يؤكد كثير من الكتاب الإسرائيليين أنه كلما زاد الضغط على المقدسيين؛ زادت حدّة المواجهات، وأن التصعيد الإسرائيلي في أحياء القدس لن يجلب إلاّ مزيداً من الشباب والفتية الغاضبين والرافضين لسياسات الاحتلال، والذين، أيضاً، لا يوجد ما يخسرونه في هذه المواجهة، خاصة أن العائلات الفلسطينية في القدس القديمة وأحيائها المجاورة تعيش في حالة فقر.
ولكن وكما فعلت إسرائيل سابقاً في الضفة الغربية من تقييد لحرية الحركة وإقامة الحواجز، فإن مظهر العسكرة الإسرائيلية بدأ يظهر بوضوح داخل الأحياء المقدسية، فالحواجز تقسم الأحياء الفلسطينية.. هناك حواجز اليوم في الصوانة، ورأس العامود، والشيخ جراح، وواد الجوز أخذت طابع الوجود الدائم، مع تحرش احتلالي بكل مظاهر الحياة الفلسطينية هناك.
وبات الأمر واضحاً أكثر مع تصاعد الدعوات الإسرائيلية المطالبة بإنزال جيش الاحتلال إلى شوارع القدس العربية، لعل الجيش يتمكن من إيقاف كرة الثلج المتدحرجة في شوارع القدس وأزقتها وحاراتها.
القدس اليوم مقسمة بشكل واضح وجلي أكثر من أي وقت سابق منذ الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، ولعلّ الداخل إلى القدس العربية يرى بوضوح الخط الأخضر بين القدس الغربية والقدس المحتلة منذ العام 67.
الحلّ في القدس ليس بالعسكرة ولا باقتحام الحرم القدسي ولا بمصادرة المنازل والعقارات، ولا بتكثيف الاستيطان في قلب الأحياء الفلسطينية، بل بعقلانية سياسية ترى الأمور بشكلها الصحيح، من خلال تحقيق السلام العادل القائم على إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب المحتل في العام 1967 وعلى رأسها القدس. والابتعاد عن سياسة الأمر الواقع.. لأن هذه السياسة عبارة عن عبوة زمنية لا أحد يعرف متى وكيف ستنفجر وكيف سيكون تأثيرها على المنطقة بشكل كامل.