من حقنا أن نقول: كفى ..!

بقلم: 

ما الذي يحدث؟ وهل لا زلنا ندور في نفس الدائرة من حوارات ووعود ولكن على الأرض لا شيء؟ من الذي يعيق قصة المعابر وماذا نفهم من التصريحات المتناقضة للحكومة وحركة حماس من أن المعابر كان يجب أن تسلم منذ أسبوع وترد "حماس" بأن هذا لم يتم الاتفاق عليه، وماذا تفعل الحكومة في غزة حين يبدو وجودها وغيابها بنفس القدر؟ فكل شيء لا زال كما هو وكأننا لا زلنا أسرى الخلافات وأسرى الصراع على الصلاحيات .. ولماذا لم يستكملوا الحوار على كل نقاط الخلاف التي بقيت عالقة بينهم .. وهل لا نعنيهم إلى هذه الدرجة؟؟.

فقد ثبت بما لا يقبل مجالا للشك خلال السنوات السابقة أن معاناة المواطن ليست ذات شأن بالنسبة للنظام السياسي، وأن النظام السياسي ليس ذا صلة بحاجات المواطنين وآلامهم وعندما نكتب النظام السياسي نقصد به السلطة والمعارضة والفصائل والأحزاب جميعها والمشكلة بالنسبة للمواطن أنه انتخب نظامه السياسي ليوفر له حياة كريمة، لم يتحرك وخصوصا في غزة ليشكل عنصرا ضاغطا ولو مرة واحدة على ما يحدث وعلى استمرار هذه الحالة التي تحكم خلالها حركة حماس غير آبهة بحالة غزة وغير قادرة على تغييرها وعلى الجانب الآخر السلطة التي بدت وكأن عبء غزة أنزل عن كتفها.

يكفي السفر لمرة واحدة خارج غزة ليعرف المواطن أنه ليس عزيزا ولا كريما بل ذليل مهان، فمن المسؤول هنا حيث لا إسرائيل وهي مشجبنا الدائم لتغطية قصورنا وعجزنا، بل لأن هناك صراعا على السلطة كانت غزة ميدانه الرئيسي بين حركة حماس والسلطة يبدو أنه لم ينته بعد، بالرغم من إتمام المصالحة، والقصة أن حركة حماس تراجعت ولم تتراجع، والسلطة تقدمت ولم تتقدم، وهذه أحجية أخرى بحاجة إلى حل وإلى حين يحدث ذلك على الغزيين قبول هذا الواقع المفعم بالفشل والذل.

لدينا حكومة وليس لدينا كهرباء، لدينا معابر وليس لدينا حركة سفر سوى "المغمس" بالمهانة، لدينا وزراء وليس لدينا خدمات، لدينا تعليم بلا تعليم وصحة بلا صحة، لدينا كل شيء ولكن الحقيقة أن ما هو موجود في غزة ليس سوى الفقر والحزن والبؤس .. وحكومة التوافق.

سئمنا من هذا التلاعب بنا وبأعصابنا وعواطفنا وسنوات عمرنا التي هرمت وهي تنتظر إنهاء الأزمة بغزة، سئمنا اللقاءات والاتفاقيات والشتائم والابتسامات والوعود الفارغة والأحلام المارقة، سئمنا من فصائل تعتقد أنها وحدها تملك الحقيقة السياسية الغائبة وتريدنا أن نصطف قطعانا خلفها فالحالة الفلسطينية مأزومة والضفة تنزف أرضا وغزة تنزف دما ودموعا ولا أحد يدعي أنه قادنا نحو الخلاص بل لمزيد من الأزمات حتى أصبح الاغتراب في الوطن هو السمة المشتركة بين كل المواطنين.

للاحتلال نصيب في دمنا كما قال شاعرنا الكبير، ولكن هل من المعقول أن يكون للفصائل نصيب في معاناتنا؟ نعم، هذا ما يقوله لسان حال سكان قطاع غزة الذين يتعثرون في الماء وفي الكهرباء وفي السفر ورحلات العلاج والألم الطويل والأمل الطويل الذي يموت على عتبة جوع السلطة ونهم الحكم الذي تحول إلى غريزة بالنسبة للعرب، وإلا لماذا هذا الدم الذي يسيل في بعض عواصمهم ويبدو أننا مثلهم بالرغم من وجود الاحتلال الذي كان يجب أن يهذبنا قليلا وأن يجعلنا أكثر تواضعا ولكننا نتصارع كأن الاحتلال غير موجود.
وفي قصة الصراع تحت الاحتلال ما يستدعي التوقف أمام أولويات الفصائل والتي استنزفتنا لسنوات سابقة ونحن نتابع مسيرة مصالحتها أكثر من متابعتنا لمسيرة الكفاح ضد الاحتلال فيما حدث وما يحدث، ما هو مخالف لطبيعة الثوار والأحرار وأقرب للطامحين والطامعين، فإن تستمر رحلة الانقسام والمصالحة كل هذه السنوات وتتعثر كل هذا الزمن فهناك بالقطع شيء ما لا يمكن فهمه بعيدا عن ما قدمته الفصائل من حجج وذرائع لتبرير الأزمة.

فإذا كانت حكومة الوفاق عاجزة عن توفير الكهرباء فماذا تفعل هنا في غزة؟ وإذا كان وجودها لا يوفر للمواطن المسافر كرامة حتى اللحظة فما هو مبرر وجودها؟ فهي موجودة اسما منذ شهر حزيران، ماذا لو طلب منها سكان قطاع غزة كشفا بالمائة يوم الأولى ماذا يمكن أن تقول؟ لقد مللنا العجز المتواصل ومن حقنا أن نقول كفى ..!

على الحكومة إذا أرادت أن تواصل عملها أن تبدأ بلا تأخير بالغوص في قضايا الناس التي لا دخل للاحتلال فيها وهي كثيرة وممكنة، أن تمسح عن وجه غزة ما تراكم من أتربة وغبار خلال السنوات السابقة، أن تعيد لسكان غزة كرامة طحنها الفقر والجوع والحصار والمرض والحروب المتعاقبة فلن يقبل الناس بحكومة صورية لا تضع همومهم على سلم أولوياتها.

وعلى حركة حماس التي تحكم وتتحكم بكل شيء أن تتراجع وفق ما تتطلبه ضرورات عمل الحكومة للتسهيل على الناس، وإذا كان مطلوبا منها أن تسلم المعابر فلماذا لم تفعل حتى اللحظة؟ ولماذا تتواجد على معبر رفح وهي تعرف أنه لن يعمل بكامل طاقته حتى مغادرة موظفيها وأيضا لماذا لم يأت حرس الرئيس لاستلامه، لا نعرف حقا من المسؤول حتى اللحظة ولكن الحقيقة أن الجزء الأكبر في رحلة المعاناة هو فلسطيني بامتياز ومن صناعة الفلسطينيين أنفسهم بأنفسهم.
هذا المقال يشبه حتى بتعبيراته مقالات كثيرة سابقة وبنفس نداء الاستغاثة نيابة عن سكان القطاع ولكن يبدو أن لا قيمة للكتابة لأن صوت الكاتب في وطننا أشبه بصوت الصارخ في البرية أو أن نظامنا السياسي بفصائله "لا حياة لمن تنادي"، أم أن صمتنا نحن الكتاب والشعب إلى درجة الخضوع والاستسلام جعل من النظام السياسي في حالة من الأريحية ليمارس هوايات خلافاته وحواراته واتفاقاته غير آبه بالزمن ولأننا أكثر عجزا منه فمن حقه أن يتلاعب بنا وأن يجعل معاناتنا مزمنة .. ألا يكفي؟.

المصدر: 
الأيام