الحكومة اجتمعت في غزة لأن عينها على القاهرة !

بقلم: 

بمقاييس الانقسام الذي أصبح الترمومتر المعياري الذي نقيس عليه كل شيء في حياة الفلسطينيين وخصوصا في قطاع غزة لا يمكن اعتبار مجيء حكومة الحمد الله واجتماعها في غزة حدثاً عادياً بعد كل هذه السنوات الطويلة من التشظي والتباعد إلى الدرجة التي بدت فيها أن مستحيلات المصالحة أكبر كثيراً من ممكناتها، وحين تراءى لنا أنه بدأ ينمو للانقسام أيدٍ وأرجل ومؤسسات موازية ونظاما حكم مختلفان ليس فقط بقوانينهما بل بتفاصيل اليوميات الإدارية البسيطة.

وترافق مع عقد الحكومة لاجتماعها في غزة قدر كبير من الاهتمام الإعلامي وسط حالة الاندهاش التي شابت المراقبين والمواطنين مع كثير من الأخبار التي تبشر بانفتاح كبير ونهاية سنوات البؤس التي أودت بالمواطنين غرقى في البحار البعيدة، حين أصبح القطاع غير صالح للحياة في ظل حالة من الإحباط وانعدام الأمل من إنقاذ قطاع غزة، إذ يجري الحديث عن موعد تسلم موظفي السلطة للمعابر اليوم، وعودة العمال للعمل داخل الخط الأخضر، وفتح الممر الآمن، وبدء العمل على معبر رفح ابتداء من الشهر القادم، وكثير من الأخبار المتناثرة والتي تقول إن عهدا جديدا يبدأ في قطاع غزة وإن صفحة جديدة تبدأ وتطوي صفحة قبلها وإلى الأبد.

وما أن بدأ المساء يحل على قطاع غزة الخميس الماضي حتى بدأت غزة تغرق في الظلام من جديد دون أن يشعر بذلك وزراء الحكومة والذين لم يكن لديهم اهتمام بأن تترافق زيارتهم مع حل لواحدة من مشاكل القطاع الممكن حلها بتحويل السولار اللازم لتشغيل محطة الكهرباء، وهي المشكلة الأبسط لأن الحكومة صاحبة القرار بحلها ولا علاقة لإسرائيل بتحويله، خاصة بعد أن أعيد صيانة المحطة وأصبحت جاهزة للعمل.

الظلام الذي عادت غزة للغرق به مساء حتى في ظل وجود الحكومة لم يخفض منسوب الأمل لدى المواطنين الذي ينتظرون علاء الدين أن يحك فانوسه لتحقيق أمنياتهم وأحلامهم الكبيرة والصعبة كالعمل والاقتصاد وسهلة الحل كالكهرباء، لكن الحقيقة أن مجموع ما قيل في اللقاءات الخاصة وفي وسائل الإعلام من وعود لم تحرك حتى اللحظة ساكنا على الأرض، في حين أن الحكومة كان يجب أن تمهد قبل وصولها لغزة بإشارات عملية ومقنعة إذا كانت جادة بإغاثة قطاع غزة.

هل الأمر مجرد تأخير فني لتلك الإشارات العملية، أم أن الحكومة كانت تهدف فقط لشيء آخر من اجتماعها هنا في غزة، وهذا الأمر هو الذي استدعى كل هذا الحديث عن الأمل وما رافقها من سيل التصريحات المتفائلة ببث وعودها لإعطاء انطباع أن كل شيء يسير كما هو مطلوب؟ هذا السؤال الذي ربما يبعث على التشكيك بكل الاجتماع والزيارة فلا شيء تحقق وكان يمكن أن يتحقق.

اليوم ينعقد في القاهرة مؤتمر المانحين لإعادة إعمار قطاع غزة وهو المؤتمر الذي تنشغل بالتحضير له القاهرة منذ أسبوع، إذ ستحضره شخصيات كبيرة وعلى رأسها وزير الخارجية الأميركي، ويأمل الفلسطينيون أن يتمكنوا من جمع ما يكفي من الأموال لإعادة بناء ما دمرته الحروب الثلاث التي شنت على قطاع غزة وهدمت كل شيء، إذ تحركت السلطة خلال الفترة الماضية على كل المستويات لضمان نجاح المؤتمر ونجاح تحصيل التمويل اللازم وهو بالمليارات لأن إسرائيل دمرت كل شيء والمهمة ثقيلة والمال المطلوب كبير.

هنا يمكن القول إن اجتماع الحكومة في غزة لم تكن غزة محطته الأخيرة ولم تكن عينه عليها بل على اجتماع المانحين حتى تذلل آخر عقبة من الممكن أن يتم التذرع بها حين يفتح باب المزاد وهي أن السلطة حتى اللحظة لم تمارس عملها بشكل فعلي في القطاع، وبالتالي خشية من اشتراطات معينة نقلت السلطة حكومتها إلى القطاع لترسل تلك الرسالة بأنها تبسط سيطرتها وشرعيتها على قطاع غزة وأنها جاهزة للبدء بالعمل فورا لأنها أصبحت تدير القطاع.
وأغلب الظن أن الحوار بين الفلسطينيين لم ينته بعد، ولكن السلطة استعجلت في إرسال رسالتها للمانحين قبل أن ينتهي الفلسطينيون من الاتفاق على كل شيء، واغلب الظن أيضا أن الحوار الحقيقي سيبدأ بعد أن ينتهي اجتماع المانحين وبعد أن تكون السلطة قد حصلت على أكبر قدر من الأموال وأن هذه الأموال أصبحت في عهدتها ولو بالمعنى النظري.

ألا يستدعي إعادة إعمار قطاع غزة ضمان عدم إشعال فتيل الحرب مرة أخرى؟ وكيف يمكن أن يستوي ذلك مع ما أثير من فتح باب التجنيد في كتائب القسام تحضيرا "لحرب سيبدأها القسام"؟ وكيف يمكن فهم التصريح الأميركي على لسان الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي بضرورة سيطرة السلطة على قطاع غزة؟ فهل تم بحث كل شيء بين السلطة وحركة حماس بما فيها السيطرة عن الأرض؟ حتى اللحظة يبدو أن الحركة تسيطر على كل شيء وأنها تتحدث ببرنامج مختلف تماما عن برنامج السلطة وحكومة الحمد الله، فهل أن الحركة مستعدة لكل التراجعات التي تقتضيها ضرورة سيطرة السلطة؟ حتى اللحظة لم تصدر إجابات مطلوبة وربما لم تبحثها أطراف الانقسام أو أنها أجلت البحث فيها، والأمل أن تكون مادة لحوار سري ومن تحت الطاولة وقدمت حركة حماس ما يكفي مما يطمئن السلطة بضرورة التقدم نحو حكم القطاع.

جعجعة بلا طحين، هكذا يمكن وصف كل ما صدر من وعود تحض قطاع غزة حتى اللحظة واليوم سيتم اختبار هذه الوعود ارتباطا بتصريح نائب رئيس الحكومة الدكتور محمد مصطفى، وخلال هذا الأسبوع أو بعد انتهاء اجتماع القاهرة للمانحين سنعرف إذا ما كانت الحكومة جادة وصادقة بوعودها أم أن تلك الوعود ستتبخر لحظة ركوب المانحين طائرات العودة، بعد أن تكون السلطة حصلت على الأموال وحينها يمكن أن ترفع شروطها على حركة حماس، فلم يكن من اللائق أن تشترط السلطة قبل أن تكون ضمنت ما يكفي لإعادة الإعمار لسببين، الأول حتى لا ينشأ خلاف يؤثر على الممولين والثاني أنه كان من الصعب الاختلاف على جلد الدب قبل اصطياده، ولكن بعد أن تعود السلطة بغنيمتها، حينها قد يختلف الأمر.

لا يتمنى أي من الفلسطينيين هذا السيناريو، بل لديهم رغبة بأن تكون الأطراف قد حلت كل القضايا بلا عثرات تعترض طريق الأمل الذي يمتد أمامهم، والأمل ألا يكون قد تبقى ما يجب النقاش حوله ولكن بعض التفاصيل في زيارة الحكومة لغزة وبعض التدخلات تشي بأن الأمر لم ينته بعد.. فهل انتهى في الغرف المغلقة.. الإجابة هذا الأسبوع..!

المصدر: 
الأيام