تحديات ما بعد فشل حل الدولتين
هناك شبه إجماع أن حل الدولتين قد آل إلى الفشل وبلغ نهايته، دون أن يعني هذا على الإطلاق نهاية المطاف بالنسبة للهدف الوطني الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وفي تقرير المصير والعودة. فما فشل هو المسار والسياق الذي سارت فيه الأمور منذ "اتفاق أوسلو" حتى الآن. وقد كان لهذا السياق، سياق حل الدولتين، محددان: المحدد الأول، هو إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. والمحدد الثاني، هو أن هذا الحل إنما يتم عبر عملية تفاوضية انطلاقًا من اعتبار أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبارة عن نزاع كأي نزاع معتاد بين طرفين متخاصمين. هكذا دونما تحديدٍ لمرجعية هذه المفاوضات، التي هي بالضرورة مرجعية الشرعية الدولية والقانون الدولي، ومرجعية اتفاقات جنيف التي تنظم سلوك الاحتلالات العسكرية، وخاصة التزاماتها ومسؤولياتها تجاه السكان المدنيين. والأغرب والأنكى من ذلك أنه حتى نقطة انطلاق حل الدولتين بقيت غير محددة. فإذا كانت الدولة الفلسطينية الموعودة ستقوم إلى جانب دولة إسرائيل التي هي قائمة فعلًا، فإلى جانب أية حدود لإسرائيل؟ هل هي حدود ٤ حزيران ١٩٦٧؟ أم أنها حدود قرار التقسيم رقم ١٨١ في نوفمبر ١٩٤٧، الذي تم بموجبه التأسيس لقيام دولة إسرائيل؟ أم تراها الحدود التي تبتلع معظم القدس، وكتلًا استيطانية كبيرة وصغيرة، وتمتد إلى غور نهر الأردن؟ فإسرائيل تظل حتى الآن الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعلن وتحدد حدود دولتها حتى يومنا هذا.
وهناك سبب آخر لفشل حل الدولتين يعود إلى بنية المفاوضات من حيث أنها تفترض وجود طرفين متكافئين، ويتفاوضان بحسن نية حول نزاع يتعلق بتفاصيل هنا وهناك. كما تفترض وجود وسيط نزيه يحكم بينهما بالعدل والقسطاس. فهل يمكن وجود أي تكافؤ على طاولة المفاوضات بين دولة محتلة وبين شعب تحت الاحتلال ما لم يتم تعديل موازين القوى ليصبح الاحتلال، كأي احتلال عرفه التاريخ، مشروعًا مكلفًا وخاسرًا من كافة الوجوه، الأمر الذي يرغم المحتل عندها، وعندها فقط، على الجلوس على طاولة المفاوضات لترتيب أمور الانسحاب وليس للمساومة على الحقوق.
وأما الوسيط النزيه، فقد أثبتت الولايات المتحدة أنها أبعد ما تكون عن ذلك، وأنها طوال الوقت وحتى يومنا هذا منحازةٌ انحيازًا مطلقًا للمواقف الإسرائيلية، وتوفر الغطاء والحماية لها ولكل سياساتها وممارساتها وانتهاكاتها وجرائمها.
لكل ذلك غدت المفاوضات جهدًا عبثيًا لا طائل من ورائه، وتجربة مأساوية شبيهةً بالمأساة الإغريقية لـ"سيزيف" الذي عاقبته الآلهة بأن حكمت عليه أن يحمل صخرة كبيرة ً إلى قمة الجبل، وما أن يصل إلى قمة الجبل حتى تفلت الصخرة من يديه وتتدحرج إلى أسفل الجبل ليعود إلى حملها إلى أعلى الجبل من جديد، وهكذا دواليك، وإلى ما لا نهاية.
على أن ما هو أكثر من عبثيةِ وسيزيفيةِ تلك المفاوضات، من دون مرجعية، وبهكذا وسيط أنها تجاهلت تمامًا ما يجري من وقائع يومية على الأرض، التي تشكل بحد ذاتها المحكَّ الحقيقي للنوايا الإسرائيلية، الأمر الذي انتهى بنا إلى أن نخسر يوميًا أرضًا، وقدسًا، واستيطانًا، وجدارًا، وآلافًا من الشهداء، والأسرى، وهدم البيوت، وتقطيعًا لأوصال الضفة، وفصلًا قسريًا لغزة وحصارًا لها وحربًا وحشية إثر حرب. كل ذلك وغيره مما حوّل المفاوضات إلى غطاء لتلك الممارسات، لا أقل ولا أكثر. في حين بقينا طوال ٢١ عامًا ونفاوض، ونفاوض، ونفاوض، ونصرّ على التفاوض، وكأن المفاوضات قدرنا المحتوم، وطريقنا الوحيد الأوحد، فنبني لها مؤسسة، ونُنصِّبُ لها كبير مفاوضين.
هذا هو السياق الذي حشرنا أنفسنا، أو حُشِرْنا حشرا داخل جدرانه واهمين أن حل الدولتين، وما سُمّيَ زورًا وتضليلًا بعملية السلام، بتلك المواصفات والمحددات المذكورة آنفًا، سيقودنا إلى الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة التي نريد.
بناء على كل ما سبق، نستطيع القول أن فشل هذا السياق كان أمرًا حتميًا طالما أنه لم يضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في سياقه الحقيقي والصحيح: سياق مشروع استعمار استيطاني Settler Colonialism مع تحولات تحمل مكونات نظام أبارتيد جديد أكثر تعقيدًا وتركيبًا من نظام الأبارتيد الذي تم تفكيكه في جنوب أفريقيا.
ورغم أننا كثيرًا ما كنا نصف إسرائيل بأنها تجسيد ٌلمشروع استعمار استيطاني، إلا أننا لم نتعامل حقًا وجديًا، إستراتيجيًا وتخطيطًا وممارسةً، مع المشروع الصهيوني كمشروع استعمار استيطاني بكل ما يتطلبه ذلك من أدوات. إذ تعلمنا مشاريع الاستعمار الاستيطاني عبر التاريخ، في أمريكا الشمالية، والجنوبية، وأستراليا، وفي الجزائر، وجنوب أفريقيا أنها مشاريع يشكل الاستيطان، والتوسع والتمدد المتواصل، جزءًا بنيويًا أساسيًا من جوهرها (وبالتالي لا يشكل الاستيطان والتوسع لديها موضوعًا قابلًا للتفاوض).
وأستطيع أن أزعم في هذا السياق، أن القيادة الفلسطينية، عجزت عن فهم، أو تجاهلت جوهر ومكانة الاستيطان في المشروع الصهيوني عندما أقدمت على تأجيل موضوع الاستيطان إلى حين يأتي زمان مفاوضات الحل النهائي، ولم تصمم حتى على تجميد الاستيطان قبل إقدامها على توقيع "اتفاق أوسلو"، كما لم تصرّ على شمل القدس في ترتيبات المرحلة الانتقالية، فقدمتها على طبق من ذهب ليمعنوا فيها استيطانًاً وتهويدًا.
وجنبًا إلى جنب الاستيطان والتوسع، هناك بُعْدٌ آخر مهم في ديناميكية أي مشروع استعمار استيطاني، وهو العمل الممنهج على إبادة السكان الأصليين إذا أمكن ذلك ( كما جرى في أستراليا)، أو محاصرتهم وتفتيت كيانيتهم ووجودهم في معازل (كما جرى في أمريكا الشمالية)، أو اقتلاعهم من أرضهم و طردهم (كما جرى لغالبية شعبنا خلال نكبة ٤٨)، أو تحويل حياتهم إلى جحيم لا يطاق، بتقطيع أوصالهم وكيانيتهم إلى (أ) و(ب) و(ج)، وجدار ٍ وحواجز لا أول لها ولا آخر، وبكل وسائل "فرق تسد" لتفتيت صفوفهم، مما يدفع شرائح من مجتمعاتهم دفعًا إلى طريق الهجرة ليبقى من يبقى عاجزين مستسلمين لقدرهم وعبيدًا يسهل قيادهم، كما هو جارٍ منذ نكبة العام ٤٨ وحتى الآن.
على أن هناك مكون أساسي آخر من طبيعة الاستعمار الاستيطاني للتمكن من السيطرة على الشعب الأصلي المستعمَر، وهو العمل بشتى الوسائل على تشويه وعي هذا الشعب الأصلي المستعمـَر وإيصاله إلى القناعة بأن لا مجال له ولا طاقة على مقاومة المستعمِر وأن عليه الخضوع، وأن يستسلم لقدره ومصيره، وفي حالة أي تمرد أو مقاومة لا بد من كيّ وعيه كيًا كلما احتاج الأمر ذلك بأن يلقنه المستعمِرُ درسًا بجعله يدفع ثمنًا قاسيًا كيلا يحاول أن يقاوم أو حتى مجرد التفكير بالمقاومة مرة ًأخرى، "فيعود إلى رشده". ويدرك أنه مهزوم لا محالة، وأن لا سبيل أمامه سوى الخضوع والاستسلام والقبول بالمصير الذي تريده له إرادة السيد، كما كان واضحًا تمامًا من هدف إسرائيل من اللجوء إلى تلك الدرجة من الوحشية والتدمير الممنهج واستهداف غير مسبوق للمدنيين أثناء العدوان الأخير على غزة.
وعادةً ما يركز المستعمِر على تشويه وكيّ وعي قادة هذه الشعوب المستعمَرة لإيصال وعي هؤلاء القادة إلى الاعتقاد بأن لا طاقة لشعوبهم على مقاومة المستعمِر، وأنهم مهزومون لا محالة، وأن عليهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه إذا ما أرادوا النجاة بشعوبهم من الخراب والدمار. هذا بالإضافة إلى خلق شبكة من المصالح المختلفة والامتيازات لدى بعض الشرائح مع المستعمِر خدمة ً لنفس الأهداف.
هذه هي طبيعة كل تجارب الاستعمار الاستيطاني عبر التاريخ. لكن هناك ميزة خاصة تميّزَ بها مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ولم أجد لها في النماذج الأخرى مثيلًا، وهي تمَكِّنُهُ من خلق سابقة التنسيق الأمني كسابقةٍ تاريخيةٍ بامتياز.
أما مدى نجاح أو مدى فشل كل واحدة من هذه التجارب فقد توقف على الظروف التاريخية، وعلى مدى صمود ومناعة الشعوب الأصلية المستعمَرة، وعلى مدى مناعة وصلابة قياداتها، بالإضافة إلى خصائص تتعلق بكل تجربة.
ونستطيع القول بدون أي ادعاء أو مكابرة، إن المشروع الصهيوني، كآخر نماذج مشاريع الاستعمار الاستيطاني، لم يتمكن إلا من تحقيق نجاحٍ جزئي حتى الآن، ولم يتمكن من إقفال دائرته وإتمام مشروعه بعد. بل أن الحقائق والكثير من المؤشرات تشير إلى أن بذور إلحاق الفشل بهذا المشروع قائمة وتتعزز. شريطة تغيير المسار والخروج من الصندوق وكسر "جدران الخزان" الذي نحن فيه.
وليس لدي من شك أن ما تم إنجازه من إنجازات على طريق دحر العدوان الأخير على غزة قد خلق أمامنا تحديات وفرصًا حقيقية نحو نهوض وطني شامل، يبدأ بتغيير المسار، وبقطيعةٍ تامة مع المسار الحالي. ويرتكز هذا المسار على الأولويات الآتية:
أولًا. تعزيز عودة الوعي، واستعادة روح المقاومة التي أخذت تدبّ في الجسد الفلسطيني من جديد، بإعادة الاعتبار لثقافة المقاومة على رأس جدول الأعمال الوطني، وبكل أشكال هذه المقاومة دونما اختزالها بشكل واحد من أشكالها. المهم، بل الأهم، هو استئناف الاشتباك المتواصل مع الاحتلال بهدف جعله يدفع يوميًا ثمنًا باهظًا لاستمرار احتلاله: سياسيًا، واقتصاديًا، وأخلاقيًا، وقانونيًا، ودوليًا.
ثانيًا. المضيّ قدما وحثيثًا في خطوات إنهاء الانقسام، والبناء على ما تجلى من وحدة ميدانية أثناء العدوان الأخير، وتحويل خطوة وفد التفاوض الموحد في القاهرة إلى خطوات باتجاه تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير كمدخلٍ ضروري ومهمة عاجلة من أجل استعادة الوحدة الوطنية بصيغة الجبهة الوطنية العريضة، التي هي شرط انتصار كل حركات التحرير الوطني، وتستند إلى "ركائز المصلحة الوطنية العليا"، وليس انتظارًا لانتصار أو هزيمة هذا الفصيل أو ذاك في انتخابات قد تأتي، وقد لا تأتي، بل وقد تؤدي إلى تعميق الانقسام من جديد إذا لم يتم التحديد والالتزام مسبقًا، ومن الآن، بـ "ركائز المصلحة الوطنية العليا". وأولى مهمات الإطار القيادي المؤقت بلورة إستراتيجية جديدة تغيّر المسار الفاشل الذي سرنا فيه أكثر من عشرين عامًا، وتعيد الاعتبار لمنظمة التحرير بإعادة بنائها عل أسس جديدة، مقرونًا بإعادة موضعة وتغيير دور السلطة الوطنية كذراع خدماتي للمنظمة.
لا معنى، ولا قيمة لأي اتفاق مصالحة ما لم يقم ويستند إلى هذه الأسس.
وإن أي مزيد من التأخير أو المماطلة، تحت أي مبرر، في العودة العاجلة لتفعيل الإطار القيادي المؤقت؛ إنما يخدم الهدف الإسرائيلي الإستراتيجي الثابت لزرع بذور الفرقة وتعميق الانقسام ومنع استعادة وحدتنا الوطنية.
ثالثًا. التبني التام لبرنامج المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني (BDS). فحملة المقاطعة شكل من أشكال المقاومة وطنيًا، كما أنها من أهم أسلحة التضامن الدولي معنا لممارسة ضغط فعال ومؤلم ومتعدد الوجوه على إسرائيل، تمامًا كالدور الفعال الذي لعبته حركة الـ BDS كأحد الجوانب التي ساعدت على محاصرة وإسقاط نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا.
رابعًا. تفعيل دور القانون الدولي في مواجهة المشروع الصهيوني كمشروع استعمار استيطاني. بدءًا بدعوة الدول السامية الموقعة على اتفاقات جنيف لتَٓحَمُّل واجبها في إلزام إسرائيل باحترام اتفاقية "جنيف الرابعة"، المتعلقة بحماية المدنيين تحت الاحتلال ومسؤولية الدولة المحتلة عن رفاه وسلامة السكان المدنيين وحقهم في الحياة والكرامة. كما تجرّم نقل سكان من مواطنيها إلى داخل أرض محتلة.
والخطوة المهمة الأخرى في هذا المجال سرعة الانضمام إلى "ميثاق روما"، وبالتالي "محكمة الجنايات الدولية" لملاحقة قادة غسرائيل من ساسة وعسكريين على ما ارتكبوه ويرتكبون من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد شعبنا، بما في ذلك جريمة الاستيطان. كل ذلك ليس فقط لإحقاق العدالة إنصافًا للضحايا، بل أيضًا لردع إسرائيل عن المضي في ممارسة جرائم جديدة حاضرًا ومستقبلًا.
ولا أعتقد أننا كنا بحاجة إلى منظمة "هيومان رايتس ووتش" قبل أيام لتتساءل عن سبب التردد والمماطلة الفلسطينية في الانضمام إلى "ميثاق روما"، ولا إلى تنبيهنا بخطورة المقايضة أو المساومة على ذلك انتظارً لأي وعود أمريكية وأوروبية، أو قرارٍ ما من مجلس الأمن.
إن خطاب الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام قد يشكل خطوةً في اتجاه تصويب وتغيير المسار. فهو قد يمثل ضربة مِعولٍ قوية لكسر "جدران الخزان" الذي حشرنا أنفسنا، أو حُشِرْنا فيه. هذا إذا ما قرأنا الخطاب على أنه يحمل العناصر الأساسية لمسار إستراتيجي جديد، باستثناء ملاحظتين: أولاهما، أن من الخطأ ربط مسألة توقيع "ميثاق روما" والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية بموضوع استصدار قرار من مجلس الأمن، فهذا يتيح المجال لتكثيف الضغوط علينا سعيًا لمزيدٍ من التأجيل والمقايضة والمساومة.
إن من الخطأ ربط أمر ملاحقة إسرائيل على جرائمها المستمرة ضد شعبنا بمسألة استصدار قرار من مجلس الأمن، كي لا نمكنها من الإفلات من العقاب. إن الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية شيء، والعمل على استصدار قرارٍ من مجلس الأمن شيء آخر. ويجب عدم الربط بينهما، وإلّا فإن هذا سوف يدخلنا مباشرة إلى باب المقايضة والمساومة، وبالتالي تأجيل الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بالاستعداد للدخول في عملية تفاوضية مجددًا، فيما لو تم استصدار قرار من مجلس الأمن (حتى لو كان هذا الإحتمال شبه مستحيل). إن ذلك يتناقض تمامًا مع القطيعة التامة المطلوبة مع مسار التفاوض العبثي والفاشل الذي سرنا فيه طيلة ٢١ عامًا. هذا مع أن المفروض أننا قد استوعبنا أن أهم درس من تجربة تلك المفاوضات، ومن دروس كل حركات التحرير في العالم، بضرورة عدم الذهاب إلى أية مفاوضات إلا بعد استجماع ما يكفي من عناصر قوتنا بجعل الاحتلال احتلالًا مكلفًا على الأرض بكل أشكال المقاومة الشعبية، وفي المحافل الدولية، وأولها محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، والتبني الكامل لبرنامج المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) على الصعيد الوطني، كما على صعيد أوسع حركة تضامن دولي نراها تتنامى يوميًا. وعلى رأس استجماع عناصر قوتنا هذه يأتي تعزيز الوحدة الوطنية بشراكة حقيقية في صنع القرارات الوطنية، التي يشكل تفعيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة مدخلها الجدي الوحيد والمُلِحُّ كما ذكرت آنفًا.
أريد أن أقول إن كل عناصر قوتنا هذه قد وردت، وتكاد تكون حرفيًا، في خطاب الرئيس أبو مازن، باستثناء الملاحظتين المهمتين المذكورتين. وما علينا سوى أن نحولها من خطاب ألقاه الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى إستراتيجية وبرنامج عمل يقدمها الرئيس والقيادة، بما فيها الإطار القيادي المؤقت أمام مؤتمر وطني عاجل طال انتظاره.
عندها فقط نستطيع أن نلقن نتنياهو وأمثاله درسًا فيكفّوا عن التطاول على شعبنا وقيادته، ويتوقفوا عن التبجح والوقاحة والادعاء بأن أرضنا ليست محتلة وكأن شعبنا دخيلًا وغريبًا عنها. وعندها فقط سيأتي هؤلاء إلى طاولة المفاوضات صاغرين، كما فعل ذلك من قبلهم الأمريكيون في فيتنام، والفرنسيون في الجزائر، ودكليرك نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا.
إن القاصي والداني يعرف أن هناك ضغوطًا هائلة تمارس على القيادة الفلسطينية، مصحوبة بتهديدات وابتزازٍ بقطع المساعدات المقدمة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وغير ذلك، من أجل ثنيها عن الانضمام لميثاق روما والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية، ومنعها من المضي قدمًا في خطوات الوحدة الوطنية. إن الموقف الوطني والمسؤولية الوطنية تفرضان على القيادة أن لا تستجيب إطلاقًا لهذه الضغوط، وعليها أن تدرك أن شعبها هو أهم وأقوى درع حماية لها في وجه كل التهديد والابتزاز طالما أنها لا تخذله، ولا تخذل نضالاته وتضحياته، ولا شهداءه وجرحاه، ولا أسراه ومعتقليه.
لا يجوز إضاعة أي مزيد من الوقت والمماطلة تحت أي مبرر، خاصة وأن المزيد من التلكؤ سيتيح لإسرائيل الوقت الذي تحتاجه في جهدها المسعور لإجراء تعديلات على القانون الدولي لإفقاده فاعليته في مساءلة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
هل يغفر التاريخ لأي واحد ٍمنا يمكِّنُ مجرمي الحرب الإسرائيليين من الإفلات من العقاب، كما فعلنا في تقرير جولدستون؟