وزارة التربية والتعليم العالي ومعدلات القبول في الجامعات المحلية والأجنبية

بقلم: 

يكثر الحديث في مثل هذا الوقت من كل عام، عن نتائج الثانوية العامة بفروعها المتعددة، والمنح والبعثات التي تقدمها الوزارة، ومعدلات القبول في الجامعات الفلسطينية وبرامجها المختلفة من جهة وفي الجامعات الأجنبية من جهة أخرى. في خضم هذا الحديث، يتساءل الناس لماذا لا يكفي معدل النجاح في الثانوية العامة "50%"  لدخول الجامعة؟
للمساهمة في الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من مراعاة ما يلي:
أولاً:
" تحديد المعدلات الدنيا في امتحان شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها كأساس للقبول في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية" هو من صلاحيات الوزارة ، كما ورد في البند 17 من المادة رقم (5)  من قانون رقم (11) لسنة 1998 بشأن التعليم العالي.
يجتمع مجلس التعليم العالي في كل عام، قبيل اعلان نتائج الثانوية العامة، لتحديد المعدلات الدنيا للقبول في الجامعات الفلسطينية.
الحكمة التي توخاها المشرع من توقيت الاجتماع أعلاه، هو أن تقدم الوزارة للمجلس بيانات وإحصاءات عن نتائج الثانوية العامة للسنة الدراسية، ويقوم المجلس بدوره بدراستها، وتحليلها، ومواءمتها مع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي وبرامجها، ومن ثم يتم تحديد الحد الأدنى لمعدلات القبول للعام الجامعي المعني.

وإذا استعرضنا قرارات وزارة التربية والتعليم العالي خلال السنوات السابقة، نلاحظ ما يأتي:
الحد الأدنى لمعدل القبول في الجامعات الفلسطينية هو 65% فأعلى لجامعات الضفة الغربية، و 60% فأعلى لجامعات قطاع غزة، و55% فأعلى لجامعة القدس المفتوحة لحملة التوجيهي القديم.
يقوم الوزير سنوياً بمنح استثناءات لبعض مؤسسات التعليم العالي يسمح للمؤسسة بقبول طلبة في بعض برامجها التعليمية دون أن يحققوا الحد الأدنى لمعدل القبول.
والملاحظ أنه رغم الزيادة المضطردة في أعداد طلبة الثانوية العامة، وعدد مؤسسات التعليم العالي، والبرامج التعليمية الجديدة التي تستحدثها هذه المؤسسات،فإن ثبات معدلات القبول أعلاه لمدة تجاوزت عقداً من الزمن، قد يؤشر إلى أن الوزارة تقدم كل سنة البيانات نفسها لمجلس التعليم العالي، أو أنها لا تقدم مثل هذه البيانات أصلاً.
كما أن معظم الجامعات الفلسطينية تطلب معدلاً أعلى من معدلات القبول التي حددتها الوزارة كحد أدنى للالتحاق بالتعليم الجامعي. فالجامعات، ومنذ سنوات طويلة، قد حددت لكل تخصص أو أكثر معدلاً خاصاً به يسمح للحاصل على الثانوية العامة بتعبئة طلب التحاق (دفع رسوم الطلب)، دون أن يضمن له ذلك حق التسجيل بذلك التخصص أو أحد برامجه التعليمية. فمثلا، الحد الأدنى للقبول في برنامج الطب البشري هو90%، وفي الصيدلة 85%، وفي الهندسة 80% ... الخ. مع أن بعض الجامعات الفلسطينية، ولظروف معروفة، قد تضطر إلى قبول طلبة ممن لم يحققوا الحد الأدنى لمعدل القبول في بعض البرامج التعليمية المطروحة لديها دون مراجعة الوزارة، أحياناً.
  ثانياً:
تنص المادة (2) من قانون (11) لسنة 1998 بشأن التعليم العالي على " التعليم الجامعي حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط العلمية والموضوعية ..."، ولم يتم توضيح المقصود من هذه الشروط حتى يومنا هذا، وبناءً عليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو:
هل توجد ضرورة لتحديد الحد الأدنى لمعدل الثانوية العامة للقبول في الجامعات المحلية؟ وهل يبقى امتحان الثانوية العامة مرجعا وحيدا للقبول في جامعاتنا الفلسطينية؟
لتقديم إجابة منطقية عن هذا السؤال، لا بد من دراسة وتمعن وتحليل المسائل التالية:

إلى أي مدى يمكن الاعتماد على معدل الثانوية العامة كمؤشر وحيد وحصري للمعارف والمهارات التي يمتلكها الطالب، والجوانب المكونة لشخصيته، رغم أن المادة (5) من قانون التعليم العالي تعتبر هذا المعدل أساساً لا غير، للقبول في الجامعات.
ما مدى صدق الاشاعة التي تزعم بأن الوزارة تقوم بإجراء تعديلات على نسب ومعدلات الثانوية العامة في بعض المباحث المدرسية أو جلها لتتناسب مع المعدلات السنوية الإجمالية لكل عام؟
هل من الحكمة أن تكتفي الجامعات الفلسطينية بمعدل الثانوية العامة شرطاً واحداً ووحيداً للقبول فيها، دون تطوير معايير ومؤشرات إضافية لقبول الطلبة في التخصصات والبرامج المختلفة، علماً بأن هذا الحق قد كفلته المادة (5) من قانون التعليم العالي؟
ما مدى ثقة الوزارة بنظام التعليم العالي الفلسطيني من حيث عملياته ومخرجاته؟
ما مدى ثقة مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني بنتائج الثانوية العامة، وهل هناك ما يدلل على وجود ارتباط من نوع ما بين معدل الثانوية العامة ومعدل الطالب في الجامعة؟
الا يتوجب على مؤسسة التعليم العالي ومن خلال رسالتها، أن تنمي وتطور قدرات منتسبيها، وخصوصا الطلبة الجدد منهم، من خلال برامج تعليمية وتدريبية متعددة، لاعدادهم للحياة الجامعية؟
هل نريد أن تكون جامعاتنا ومؤسساتنا نسخة طبق الأصل عن بعضها؟ أم يجب حثها وتمكينها من تحديد مكانتها في الأوساط العلمية محلياً وإقليمياً ودولياً؟
إذا كان المقصود من تحديد معدلات القبول هو الارتقاء بجودة التعليم العالي الفلسطيني، ألا تشكل موافقة الوزير على منح استثناءات (وهي كثيرة) لقبول طلبة في برنامج تعليمي دون حصولهم على الحد الأدنى للقبول مخاطر على نوعية التعليم وجودته؟
هل لتحديد معدلات القبول في الجامعات الفلسطينية أي أثر، سلباً أم إيجاباً، على واقع التعليم المهني والتقني الفلسطيني؟
إذا كنا نتطلع إلى الإبداع والتميز في مجال التعليم المهني والتقني، فلماذا نحاول قصره على الطلبة من ذوي المعدلات المتدنية؟
خلاصة الحديث أنه، وإلى أن تتم معالجة الأمور آنفة الذكر، تبقى الحكمة من وراء تحديد معدلات القبول في الجامعات الفلسطينية أو الأجنبية في دائرة الغبش.

 

*خبير في جودة التعليم العالي