هل ستتمكن الاتصالات من اعادة الحياة الى بنيتها وخدماتها في غزة بصورة " مستقلة"

بقلم: 

في الوقت الذي تزداد فيه أهمية توفير خدمات الاتصالات والإنترنت على مستوى فلسطين بشكل متسارع، وفي الوقت الذي دخلت به المختبرات الالكترونية الجامعات الفلسطينية كافة، وفي الوقت الذي بات المجتمع الفلسطيني يبحث عن امكنته عبر خدمة في هذا الفضاء المفتوح، وعن هواياته ومهاراته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها محور التواصل والتعبير بحرية في حياتنا اليومية،وكونها معبرا للخصوصية الذاتية للحد الذي أصبحت به الشبكة العنكبوتية من أهم أدوات التواصل بين المواطنين لما يشكّل به الإنترنت من فضاءًات واسعة لتدفّق المعلومات والأفكار وتبادلها بسرعة، في ظل الثورة الجديدة التي احدثتها وسائل التواصل الاجتماعي في عالم الاتصالات وخدمات الانترنت بسبب زيادة روادها ومستخدميها في فلسطين؛ جاء العدوان الاسرائيلي على غزة ليدمر هذا التواصل ويضرب عصب الحياة اليومية للمواطن في القطاع عبر ضربه للبنية التحتية للاتصالات وشبكة المعلومات.

وكما يلاحظ المختصون والمراقبون لقطاع الاتصالات والإنترنت في فلسطين خلال العامين الماضيين، أن فلسطين أصبحت تحتل مرتبة متقدمة من ناحية جودة خدمة الإنترنت والسرعات المقدمة للمواطنين بالمقارنة بالدول المجاورة كما لاحظنا نحن حجم الالم الذي خيم علينا نحن الفلسطينيين ونحن نواكب الاحداث في غزة من جهة ،وحجم الحزن ونحن نفقد الاتصال بزملائنا واصدقائنا في القطاع اما لانقطاع الكهرباء المستمر على القطاع او لانقطاع خدمة الانترنت.

لا شك بأن هذا التطور الملحوظ والايجابي جاء نتيجة لعدة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أظهرت الحاجة الماسة لتقديم خدمات إنترنت بسرعات فائقة وبجودة عالية من قبل شركات الاتصالات الفلسطينية للمواطن وبأسعار قد تكون منافسة وقد يكون للمواطن ملاحظات بشأنها،الا ان السؤال الذي يبقى في ذهن المواطن يتمحور حول الاستقرار الذي من شأنه ان يحافظ على ما انجز على صعيد خدمات البنية التحتية للحد الذي نسأل به أنفسنا هل سنكون قادرين على حماية هذه الاستثمارات؟

لقد أجاب العدوان على هذا السؤال؛ فالخسائر التي تكبدتها بنية الاتصالات وشبكتها في غزة هي جزء من الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الفلسطيني ككل وشأنها شأن الدمار الذي لحق بشبكات الكهرباء والمياه وشبكات الصرف الصحي وغيرها من منظومة الخدمات التي يتلقاها المواطن والتي تخضع حالياً لعمليات الجرد والإحصاء للوصول إلى حجمها الحقيقي قبل الشروع في عملية إعادة الاعمار؛ ولكن هل سنكون قادرين على إعادة الحياة لبنية الاتصالات وإعادة الخدمات الى سابق عهدها دون الحاجة الى شركات الاتصالات الاسرائيلية؟ 

أعتقد أنّ أحد أهم العوامل التي يجب التركيز عليها عند الحديث عن إعادة الأعمار؛ وتحديداً في قطاع الاتصالات هو أنّ تتم اعادة اعمار البنية التحتية وتقديم خدمات الاتصالات بصورة مستقلة دون الحاجة لوساطة اسرائيلية، وهذا من السهل جدا ان يتم عبر الشراكات الدولية مع كبرى شركات الاتصالات في العالم مما ينفي الحاجة للشركات الاسرائيلية.

قد يقول القارئ ان هذا الامر من المستحيل أو أنه "حبر على ورق" ولكن أنا اقول انه من الممكن ومن الممكن جداً؛ كيف لا وقد تم الاعلان قبل عامين عن توقيع اتفاقية الشراكة بين الاتصالات الفلسطينية و مجموعة شركات الاتصالات التركية في أول كابل بحري مستقل إلى الآراضي الفلسطينية، يربط فلسطين بالعالم الخارجي مباشرة، والذي مكَن الشركات الفلسطينية أن تستغني عن الربط القصري مع الشركات الاسرائيلية لتقديم خدمات الانترنت.

كما أنّ هذه الشراكة مكنت فلسطين ولأول مرة للوصول إلى مصادر الانترنت العالمية بشكل مباشر ومستقل؛ وهي الاتفاقية التي يجهلها الجزء الاكبر من شعبنا؛ وبغض النظر عن اللوم الواقع  على شركة الاتصالات في هذا المجال  لعدم توعيتها الكافية للمواطن الفلسطيني في تفاصيل هذه الشراكة وفي فوائد الكابل البحري وفي كيفية استغنائنا عن الاحتلال خاصة واننا نخوض حملة مقاطعة للمنتوجات الاسرائيلية؛ فانّ المعلومات المستقاة من الاتصالات الفلسطينية تؤكد أن هذه الشراكة ستفتح آفاقاً جديدة لدخول شراكات دولية أخرى، وستؤدي إلى تعزيز كلا القطاعين الاقتصادي والتكنولوجي في دولة فلسطين، من خلال طرح خدمات جديدة ونوعية وتقديم سعات عالية باسعار منافسة تهدف إلى رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن الفلسطيني، وتلبي احتياجات سوق الاتصالات ومتطلبات قطاع التكنولوجيا في فلسطين الذي يعتبر من اكثر القطاعات نمواً وتطوراً.

إنّ الناظر الى هذه الشراكة والى مستقبلها يرى مستقبل اعادة الاعمار بايدي فلسطينية وبشراكات دولية قادرة على تقديم خدمات اتصالات أكثر تطوراً مما كانت عليه والأهم أنها ستقدم بعيدها عن الحاجة القصرية للشركات الاسرائيلية.