ومع ذلك، قلق على المقاطعة

بقلم: 

ونحن في الطريق إلى جعل المقاطعة مسار ونمط حياة، لا أستطيع إخفاء قلقي من إصابتها بعدوى "فيروس" الموسمية الذي أصاب الحملات السابقة، لكون قاسمها المشترك قد استند إلى المناخ الثوري العام ومفاعيله، وضمن ردود الفعل على ممارسات الاحتلال، ومن ثم ذهبت إلى حال سبيلها مع تراجع الأجواء الثورية التي حفزت تجديدها.

القائمون على الحملات على بيِّنة من كونها عملية معقدة وتراكمية في ظل تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وبأنها تنطوي على تعقيدات جمّة لعدم القدرة على حلها بقرار فوقي، إضافة إلى التباس المفهوم لدى الرأي العام لجهة جدوى المقاطعة، وفي ظل الارتباط المحكم بين الاقتصادين، وسيطرة الاحتلال على المواد الأولية الأساسية للصناعة المحلية. كل هذه التعقيدات، تجعلنا أمام استحقاقات متجددة في مسار المقاطعة ومراحلها، لا بد من مواجهتها وعرضها على المواطنين في كل المراحل الوطنية المحيطة لضمان ثبات الحملة وحمايتها من الأنواء والتقلبات.
بعض الأمور لا زالت حلقاتها مفقودة على الرغم من الإنجازات والتطورات الإيجابية المتحققة على جبهة المقاطعة، والحلقة المفقودة في خطاب المقاطعة تكمن في اعتماده الرئيسي على مخاطبة العاطفة، ونادرا ما يركِّز على مخاطبة العقل بالاستناد إلى المعلومات وعلى الوضوح التام بنقاط القوة والضعف، لضمان استمرارية المقاطعة لكونها عملية ذات بعد استراتيجي مرتبط بالهدف الأساسي، بمعزل عن حالة المدّ والجزر على الصعيد الوطني من أجل مأسستها وتجذيرها في الوعي والممارسة.
الوضوح سيد البدايات الناجحة، وضوح مع المواطن، أساس المقاطعة ومحورها، وضعه في ملابسات تصنيع المنتوج الفلسطيني بشفافية، ملابسات التبعية التي فرضها ورتبها ونظمها الاحتلال، لتصبح العلاقة مع الاقتصاد الإسرائيلي كمولود سيامي لا يمكن الانفكاك بينهما، بسبب سيطرة الاحتلال على المواد الخام والمعابر والماء والكهرباء والوقود.. ومع كل هذه الحقائق نريد أن نقاطع.. أن نصارحه بأن عبوة "الزيت أو الحليب والماء والبندورة"، يتم استيرادها من الاحتلال، وبأن مساهمتها في سعر المنتوج قد يصل إلى 30% من كلفته.. ومع ذلك سنشتريها ونقاطع بضائعهم لأننا سنخسرهم 70% من سعرها، ولأن ملصقها مدوَّن باللغة العربية.
من زاوية أخرى، على حملة المقاطعة، الاستمرار في مراقبة انعكاساتها على السوق الفلسطينية، وعليها أن تعلن على الملأ نتائجها مرفقة مع قراءتها التحليلية. فدون ذلك، لا يمكن صناعة الوعي الراسخ، ولا يمكن الذهاب إلى وضع الآليات والأنشطة في ضوئها. فعلى سبيل المثال، بعد مرور تسع وأربعين يوما على بدء الحرب وحوالي شهر على بدء تجديد حملات المقاطعة، تبدو آثار المقاطعة أكثر وضوحا على القطاعات الإنتاجية وخاصة الزراعية والغذائية، حيث انخفضت مبيعات الألبان الإسرائيلية في السوق الفلسطينية إلى 75%، كما انخفضت بنسبة لا تقل عن 50% في الأسواق الخارجية والعالمية. وعلى جبهة الألبان الفلسطينية أيضا، ضاعفت شركات الألبان المحلية من انتاجها لتعمل بكامل طاقتها وبدأت تستوعب مئات العمال الجدد واستهلاك حليب أكثر من المزارعين، بينما تبدو أنها لم تحقق شيئا على صعيد المفروشات، على الرغم من توفر البديل الراقي والسعر الأقل.
من جهة أخرى، يصبح من مهام لجان تنسيق المقاطعة وضع المعطيات الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي أمام الجمهور من أجل تحفيزه وتوعيته من زوايا مختلفة. حيث تشير المعطيات إلى تراجع الصادرات الإسرائيلية من المواد الغذائية بنسبة 50% منذ بداية الحرب العدوانية على قطاع غزة، كما تشير إلى استغناء الشركات الإسرائيلية عن مئات العمال، كما تشير إلى تأثير أعظم للمقاطعة مقارنة بالحملات السابقة، حيث أشارت إلى عدم استيعاب الشركات 50% من حليب الأبقار المتوفر نتيجة الانخفاض الكبير في الطلب عليه من الأسواق الفلسطينية والعالمية.
من جوانب أخرى، لا بد من تعميم المعلومات حول ممارسات الاحتلال التي تدل على صدمته من تجديد المقاطعة، فقد قام جيشه باقتحام مدينة بيتونيا التي قصت شريط مقاطعة التجار للبضائع الإسرائيلية. ففي خطوة هستيرية، قامت أجهزة الاحتلال بالاتصال مع التجار وتهديدهم بما لا يحمد عقباه جرّاء تخلصهم من بضائعهم، كما حذرتهم من تخفيض الأسعار. وفي خطوة تبتغي نشر الترهيب والتهديد بقصد إفشال حملة المقاطعة وثني المواطنين والتجار قامت بأخذ هويّات بعض المواطنين والتقطت الصور للبعض الآخر.
مما سبق، وانطلاقا من أهمية الشفافية والمصارحة والحرص على مدّ المواطن بالمعلومات التي تؤثر في وعيه وحسم خياراته، يصبح على جدول أعمال الجميع عدد من المهام الأساسية التي ينبغي التصدي لها، منها ما يتعلق بتوحيد وتنسيق الجهود الجمعية وخاصة على صعيد تزويدها "باللوجستيات"، تبدأ من متابعة تطورات حملات تنظيف رفوف المتاجر، إيجابا وسلبا، ورصدها رقمياً، مرورا بالتطورات الواقعة في مجال توسيع الإنتاج المحلي وأثره على توظيف العاطلين عن العمل وعددهم ثلاثمائة ألف مواطن، وانتهاءً بمسارات الحملة ومستجدات تشكيل الأدوات التنظيمية، وتوسيع الرقعة الجغرافية للمقاطعة.
وسيبقى في موضوع المقاطعة دائماً بقية..

المصدر: 
الأيام