بين الحقد والحمق !!

بقلم: 

عدت اليوم في ذاكرتي بالزمان إلى خريف 1986 م وبالمكان إلى قرية في ولاية أوكلاهوما الأمريكية اسمها "كليرمور" Claremore, Oklahoma في تلك الضيعة المنسية في جنوب الولايات المتحدة كنت مثل الكثيرين من الطلاب العرب نقصد كليتها المتوسطة لسهولة المتطلبات والامتحانات فيها. في مكتبة الكلية استرعى انتباهي على نحو لافت وجود عشرات الكتب والكتيبات والنشرات التي تتحدث عن مأساة البهائيين في العالم الإسلامي وصنوف الاضطهاد التي تحيق بهذه الطائفة على أيدي المسلمين!! في ذات المكتبة قد تجد بين السطور ما يشير لمأساة مسلمي فلسطين أو أراكان لكنك لن تجد غلاف كتاب  واحد يتحدث بشكل مباشر عن تلك المآسي لأن إدارة المكتبة استبعدته!!

اليوم استرعى انتباهي أمراً مشابها وهو أن "توني أبوت"، رئيس وزراء استراليا، تلك الدولة المنسية بالنسبة لنا، والقابعة في جنوب الكرة الأرضية، أعلن عن اعتزام بلاده المساهمة بمهمات إنسانية في العراق، في المناطق الجبلية القريبة من مدينة سنجار من أجل توزيع المياه والأغذية على آلاف الأشخاص من أبناء الطائفة الأيزيدية المهددين من تنظيم الدولة الإسلامية. طبعا سبقه وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الذي جاء بنفسه لشمال العراق ليشرف على تسليم أطنان من الأدوية والإسعافات الأولية لسكان المنطقة الكردية والشمالية من الأقليات التي يطاردها تنظيم الدولة الإسلامية؛ (يقصد النصارى والأيزيديين). الولايات المتحدة تحركت فعلا وألقت آلاف الأطنان من المساعدات لهم في الجبال وقامت بضربات جوية ضد تنظيم الدولة.

قلت: أين كل أولئك الساسة الإنسانيون ومرهفو الإحساس وأصحاب الأخلاق النبيلة والقيم الرفيعة من محرقة أطفال ونساء غزة التي تجري الآن على أشدها!!

أين هم من حصار ثماني سنوات لغزة يحبس فيه الصهاينة ووكلائهم من العرب مليوني إنسان في غزة!!

أين هم من أربع سنوات مضت على جرائم تصل لحد استخدام النظام النصيري في سوريا للكيماوي ضد آلاف المدنيين، قتل وجرح في حربه أكثر من مليون مسلم سوري وشرّد فيها ملايين؟!

أين هم من حصار أحياء في حمص وحلب ومخيم اليرموك وتجويع السكان؟!

وفي العراق أين هم من عشر سنوات من إجرام ميليشيات المالكي وذبحهم لأهل السنة وهدمهم لمساجدهم وتهجيرهم من مناطقهم!!

أين هم الآن من حرق المسلمين من السوريين واللبنانيين في عرسال على أيدي الجيش الماروني اللبناني!!

أين هم من تهجير وحرق مسلمي أراكان على أيدي البورميين البوذيين!!

أين فرنسا خاصة من تهجير وحرق مسلمي أفريقيا الوسطى على أيدي النصارى!! أم أنها لا ترى هي وأولاد زايد إلا الأصوليين المسلمين في مالي؟!

القائمة تطول ولا يستطيع المرء عدها... لكن الرابط بينها كلها أن ضحاياها مسلمون وأن من يقومون بهذه الجرائم أصحاب ديانات أخرى أو أقليات يحرص الغرب على دعمها.

الأمر بهذه البساطة وهذا الوضوح؛ فساسة الغرب الحاقدون والكاذبون يتحركون من فورهم لاستنقاذ أي طائفة أو عرق أو دين ولو كان أصحابه بضعة آلاف من عبدة "طاووس الملائكة" (الأيزيديين). ولكنهم يصمتون بل يساندون كل إبادة للمسلمين. ويقفون بكل قوتهم للإبقاء على نظام لا تخفى جرائمه وفظائعه كنظام بشار لأنه من الطائفة النصيرية. ويوفرون دعما وغطاءً لا محدودا لجرائم الإبادة التي يمارسها الصهاينة بل الأمر يتعدى ذلك للدعم والتسليح.

بهذا ثبت الشق الأول من موضوع المقال وهو الحقد الأسود في قلوب هؤلاء الروم على الإسلام وأهله وحرصهم على إبادة المسلمين وعرقلة كل محاولة إسلامية للنهوض أو نفض الظلم والثورة على حكام مأجورين للصليبية والصهيونية. وهذا سلوك مفهوم ولا يتعجب العاقل منه ولكن خلف هؤلاء الصهاينة أعراب متصهينة وأروام من بني جلدتنا يتعجب المرء من مسالكهم وكلامهم ولهم الشق الثاني الشائك من مقالتي.

هم أراذل من بعض العوام والنخب –لم يرد الله أن يطهر قلوبهم - استمرؤوا الهزيمة ومنحوا رؤوسهم للمستعمر فدبغها نعالا وارتداها مما أصابهم بالعته الذي يرونه إنصافا مع الخصوم وذابوا في الآخر نزاهة وإحقاقا لحق مزعوم فتجد أحدهم صار ناطقا بلسان الأقليات يتهم المسلمين حاليا وتاريخيا بظلم الأقليات والافتئات على حقوقها.

وتجد من هؤلاء المستحمرين – لا سيما الليبراليين من الكُتاب – من يتباكى على آلاف من نصارى الموصل ومئات من عبدة إبليس في سنجار وعشرات من راهبات معلولا وكنائسها ويقودهم ذوبانهم في أعداء الإسلام للبكاء على مدنيين "إسرائيليين" في النقب والجليل وأطفال يهود أفزعتهم صواريخ المقاومة!! في الوقت ذاته فإنه يضع في جراب النسيان الملايين من المسلمين الذين أبادهم الروم والصهاينة أو وكلائهم من الأقليات وعشرات الملايين من الشعوب المسلمة المعذبة والمضطهدة والمقهورة والممنوعة قسرا من النهوض بسبب الغرب ووكلائه.

وإذا تحدث أحد هؤلاء المستحمرين عن مجاهدين تحدث باشمئزاز وفي أحسن الأحوال على استحياء ومحاولات لقطع الصلة بينهم وبين الإسلام دين السلام الذي يؤمن بقيم التعايش وحوار الحضارات!! ويضع تحت مجهر بحثه العلمي المجرد كل قذة أو هفوة لأي جماعة تنتسب للإسلام، لكنه لا يرى بعينه المجردة الجذع في عين الصهاينة والروم. ويضخم ممارسات فردية بعضها كان ردة فعل على الظلم الفادح الذي أوقعه أسياد المستحمرين بأمتنا. فيرى ذلك إرهابا ويتغاضي عن إرهاب وبلطجة دول كأمريكا والكيان الصهيوني.

مرة أخرى إذا كان المرء لا يتعجب من حقد الأعداء فإنه يعجب من هؤلاء الحمقى والمعتوهين من ذراري المسلمين أو من ينتسبون للإسلام زورا. وممن يضفون على أنفسهم صفة التنوير والبحث النزيه ويتسلحون بمبضع النقد الذاتي ويزعمون أنهم يملكون ناصية الحقيقة ويؤكدون أن أسباب النهوض تكمن في نبذ قشور الدين والأخذ بجوهره الموجود طبعا في قيم الروم والصهاينة.

أسئلة لمن يفقه دلالات أجوبتها:

من حافظ وحمى الأقليات ومعابدهم في ديار الإسلام؟ ومن أفنى الهنود الحمر وثقافتهم في بلاد العم سام؟

من أبقى على لغات وثقافات الأكراد والأتراك والتركمان والأمازيغ وغيرهم في بلاد المشرق؟ ومن حمل سائر سكان أمريكا الجنوبية قسرا على المذهب الكاثوليكي وطمس لغاتهم لصالح الأسبانية؟!