غزة لا عودة للوراء

بقلم: 

مع بداية العدوان على غزة راهن الكثير من المراقبين والمحللين على أن ينتهي العدوان على غزة  بالغالب  بنفس السيناريو الذي انتهت عليه العام 2012 . تدخل مصري، اتفاقية تهدئة ، مجموعة مطالب، و تعود الأمور إلى طبيعتها. ولم تحدث التهدئة ولم تنهي جولة التصعيد الحالية.
وصلنا اليوم الرابع عشر من العدوان المستمر و قد فشلت العديد من الوساطات لإيقافه سواء بتعنت إسرائيل و تغولها في المدنين  وبإصرار حركة حماس علي مطالب الحد الأدنى التي تبنتها . الأمر هذه المرة مختلف تماماً  إسرائيلياً  ،فلسطينياً  ،عربياً و إقليمياً فإسرائيل ومنذ اختفاء المستوطنين الثلاث بمدينة الخليل يونيه الماضي خاضت حملة كبيرة من التصعيد ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس بدءًا بجريمة قتل الفتي أبو خضير وصولاً ليومنا هذا وجرائم الإحتلال البشعة ضد المدنين بالقطاع هي حملة ممنهجه متدحرجة تهدف إلى خلط الأوراق فلسطينياً و إقليمياً و العمل على إضعاف الأطراف الفلسطينية وتشتيتها وخصوصاً بعد تعثر المسار التفاوضي وقد أثبتت إسرائيل للعالم عدم رغبتها الجادة بتحقيق السلام بالقضاء على اولى خطوات المصالحة الفلسطينية التي ولدت متعثرة أصلاً .
إسرائيل تدحرجت في مخططها إلى أن غرقت في وحل غزة و أغرقت القطاع بشلالات من دماء الأبرياء لتغطية فشلها أمام جمهورها الذي لم تحقق أمامه أي من أهداف عمليتها المعلنة ، وكثفت من دعايتها إلى العالم و تسويق فكرة الإرهاب الفلسطيني الذي يهدد أمن مواطنيها لرفع التعاطف وخلق غطاء دولي لجرائمها بالقطاع بالإضافة لحماية الإئتلاف اليميني الحاكم من الفشل في أي استحقاق إنتخابي قادم وقد استثمرت إسرائيل التناقضات العربية و الإنقسام الإقليمي  وخصوصاً بعد التحول الحاصل في مصر والإشكالية السورية  و تبعاتها على مستوي المنطقة و الإقليم .
فداخليا ثمة وضع فلسطيني داخلي مأزوم، حركة حماس وجدت نفسها و رغم تحقيق المصالحة الفلسطينية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام مجموعة من الأزمات فلا الحصار رفع عن القطاع ولا جديد في أزمتها المالية بالإضافة إلى العلاقة المأزومة أصلاً مع الجارة الكبري مصر نتيجة للعلاقة المعقد مع حركة الإخوان المسلمين و ما يتبناه الجانب المصري من مواقف معادية للحركة و منهجها والتحريض المستمر على القطاع .
وفي الجانب الاخر أيضا فشل ذريع للمسار التفاوضي الذي يتزعمه الرئيس محمود عباس والسياسيات الإسرائيلية تزيد من انعدام مقومات الوجود الفلسطيني لأكثر من سلطة حكم ذاتي وانتهاك إسرائيلي يومي للفلسطينيين بلا قدرة على الردع سواء الميداني أو السياسي زاد من حدة الإنتقاد والإنقسام من تبني المسار السلمي ولا يغيب عن المشهد أيضا الغياب التام لتنظيم فتح الذي أصابه الشلل التام و حالة الإنقسام والتيار الذي يبحث أيضا عن أي  دور يعيده إلى المشهد والذي  يتزعمه محمد دحلان القيادي بالحركة  المدعوم من قوى عربية وإقليمية .
حطت الحرب أوزارها، حركة حماس وقوي المقاومة  دخلت المعركة و هي عازمة بعدم العودة بخفي حنين وبدأت رحلة البحث عن الدور الجديد لكل الأطراف، أبو مازن والدحلان و إسرائيل   والجيران في الإقليم فالإقليم هنا له ما يبحث عنه أيضا مصر تريد العودة لدوروها ومحوريتها برؤية حكامها الجدد وإعادة رسم سياستها بما يتلاءم مع مصالحها الجديدة. ومحاولتها للجم خصومها السياسيين و داعميه،ا فالإمارات والسعودية حاضرة بقوة وكما أن فرصة الثأئر جاءت لقوي اخرى  منها قطر وتركيا لإستعادة دورها وإستخدام ورقة غزة من جديدة لعودتهم للإقليم وتصفية الحساب ولاسيما مع النظام المصري الجديد .
الكل يحتاج الكل هنا والجميع يبحث عن قواعد جديدة تضمن له البقاء ضمن رؤيته ومصالحه وقوته على أرض أو في الأروقة السياسية والدبلوماسية و المخابراتية  ولسان حال الجميع يقول لن نعود للوراء. سيبذل الفلسطينيون هذه المرة الكثير من الجهد الاتصالات ما بين غزة ومقاومتها ومصر وقطر واسطنبول وواشنطن ولا ننسي الرياض وأبو ظبي وطهران وما خفي كان أعظم وشلال دماء الابرياء يتصدر المشهد  فهل سينجح الفلسطينيون هذه المرة بتسخير فهمهم لجميع تلك التناقضات والمصالح  وإنجاز اتفاق جديد يدخل الفلسطينيون في مرحلة جديدة تحميهم من شرور الإرهاب الإسرائيلي في المستقبل القريب و تسهل حياتهم اليومية وتخلق ارضة جديدة لتجاز الامات الداخلية أم لا ؟ سؤال مطروح الآن وستكشفه نتائج الحراك القائم الآن في الأيام