ازرَعْ كُــلّ فِلَســطيْـنَ مُقـاوَمَـةٌ

بقلم: 

أفاقت الجرائم الوحشية المتتالية خلال الأيام والأشهر القليلة الماضية، من كان من الشعب الفلسطيني في سبات عميق أو منهم ممن كان يرفض التعامل مع الواقع، وبرهنت هذه الجرائم أن الصراع الفلسطيني الصهيوني لن ينتهي وأن فلسطين قضيةٌ إنسانية لن تموت. ومن هنا بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بتفجير انتفاضة ثالثة؛ وتأتي الانتفاضة نتيجة غضب عارم، هي لحظات لا تعود فيها السيطرة على الغضب ممكنة، تتجاوز حدودها كل الممنوعات والحواجز، تنتقل بها الجماعات أو الشعوب إلى خطوات أكثر تصعيدية تكون صاخبة في الميدان، ترفض محاولات الجهات الرسمية الداعية إلى التهدئة أو طرح أسباب للتعقّل.

ومع أن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة ليس مستبعداً خاصة بعد الفشل الذريع الذي حققته المفاوضات؛ وعلى الرغم من الشعبية التي تحظى بها عمليات المقاومة المسلحة مؤخراً بسبب عدم وجود سبل أخرى للرد على الاعتداءات الوحشية التي يمارسها الاحتلال، إلا أن المطلوب حالياً هو تحرك من نوع مختلف؛ تحركٌ يضع حداً لاعتقاد الغالبية العظمى من الفلسطينين بأن لا دور لهم سوى انتظار نتائج هذه المواجهات...تحركُ شعبي فلسطيني واسع النطاق غير محدود، يهدد أمن الاحتلال، وطمأنينته، يلفت انتباه العالم، ويدفع كثيرين لرفع أصواتهم مع كل قضايا فلسطين.

وليس المقصود في الحراك الشعبي هنا الكفاح المسلح أوالعمليات العسكرية، بل أتحدث عن مقاومة شعبية ذات مفاهيم ومواقف واستراتيجية وتكتيكات متكاملة، ذات منطق خاص، لا تأتي نتيجة تلبية مطالب السلطة واسرائيل أو المجتمع الدولي بوقف الكفاح المسلح، ولا هي تنازلٌ عن حق شعبنا المضطهد؛ وإنما هي خيار استراتيجي يختاره الشعب الفلسطيني لقناعته بأنه وسيلة ناجعة وفعالة ومتاحة في الظروف الراهنة. ولأن المقاومة الشعبية ستنقل المعركة من المواجهة العسكرية التي يمتلك بها العدو التفوق الواضح إلى مواجهة معنوية من نوع آخر قوامها الإيمان بالقيم والقانون والشجاعة والاستعداد للتضحية وتجنيد التضامن والقوة الداخلية بحيث يصبح لنا في المواجهة أفضلية واضحة على الاحتلال.

إذاً فالحديث هنا عن حرب حقيقية بكل معنى الكلمة، تستوجب حشداً للطاقات البشرية والمادية، كما وتستلزم الجاهزية المناسبة لحجم وطبيعة الصراع، التخطيط والتنظيم على المدى البعيد والقصير وبشكل واعٍ وممنهج وليس بانفعال وعاطفة وهبات حماسية ما تلبث أن تخبو وتتضائل. هي حرب يشارك فيها الرجال والنساء، العامل والمزارع، الطفل والشيخ، وكل صاحب مهنة وكل ذي موهبة، كل صاحب علم، وكل من يمتلك شعوراً إنسانياً، ولذلك فهو الشكل الأمثل لتعبئة كل الطاقات الفلسطينية أو الطاقات المساندة لها وهو الأمر الذي سيعني تطوير الكفاح والمواجهة الجادة وهو ما يخشاه الاحتلال ويدفعه للتفكير بما سيجره هذا الحراك . 

وتختلف الظروف الخاصة بكل نوع من المقاطعة بالتأكيد ، وبالتالي معايير المقاطعة، إلا إن المنطق الأساسي لحركة المقاطعة يبقى واحداً، وهو تفعيل وتعزيز كافة أشكال الضغط المتاحة على الاحتلال والمؤسسات والشركات المتواطئة بشكل فعال ومستدام من أجل استعادة الحقوق الأساسية لشعبنا وممارسة حقنا غير القابل للتصرف في تقرير مصيرنا على أرضنا. وللمقاومة الشعبية جبهات متنّوعة:

سياسياً: والوحدة الوطنية هي أساس هذه الجبهة – "ضَعْ فلسطين أولاً وقاوم".

اقتصادياً: وهي خطوة المقاطعة الأولى والتي يستطيع كل الشعب الأعزل القيام بها. فالشعب الذي يريد مقاومة عدوه مقاومة مستمرة وجادة يبدأ أولاً بهذا النوع من المقاومة التي تلحق ضرراً باقتصاد الاحتلال وتشجع المنتج المحلي بحيث يتطلب هذا تغليب القيم الوطنية على القيم الاستهلاكية. من جهة أخرى يجب فرض كل التسهيلات والمغريات التي يقدمها الاحتلال، التوقف عن العمل في مصانع الاحتلال؛ لأن قوة العمل الفلسطيني يجب ألا تكون أداة قوة اقتصادية للعدو على حساب الفلسطينيين. مما يعني تطوير اقتصاد فلسطيني بدائي أو منزلي يتبنى فكرة الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي، ويولد فرص عمل للجميع - " اصنع البديل وقاوم".

إعلامياً: وهي الجبهة الأهم بعد الاقتصاد، ليس لأنها الجهة التوعوية فحسب بل نظراً للتطور الهام في وسائل الإعلام وبخاصة الالكترونية وتطبيقاتها في الإعلام الاجتماعي بحيث يمكن بالموارد القليلة المحدودة المتاحة لدينا أن نشن حرباً الكترونية تحشد من التضامن ما يمكننا على أقل تعديل من إظهار صورة الاحتلال الحقيقية دون انحياز لأية أجندة إعلامية أو غيرها. كما ولابد لنا من  العمل على بناء آلية إعلامية وأن نولي اهتماماً خاصة بالصورة التي تعتبر أهم ما نملك، وعليه فيجب أن نكون أكثر دقة وذكاء، وعلينا أن نضع الاندفاعات العاطفية التي تفرضها علينا مرارة المواقف جانباً، ليصنع الإعلامي والصحافي الخبر ولكن دون تحولنا إلى مجرد مشاهد لا تثير التعاطف. وعلى الإعلام أيضاً أن يدعم كل جهود المقاطعة والترويج للحملات وللأنشطة المتميزة، والإسهام في عملية خلق ثقافة وطنية في موضوع المقاطعة وفي تغيير سلوك المواطنين نحو إحياء ثقافة المقاطعة – "انشر الوعي وقاوم".

فكريّاً: اقرأ ماضي فلسطين وتاريخها، تعّرف على حدود فلسطين شمالها وجنوبها، ذكّر نفسك بأسماء مدنها وقراها، احفظ الجغرافيا جيداً، اقرأ مجريات التاريخ جيداً، حصّن نفسك بالمعرفة، استغل الحاضر وعلّم أطفال فلسطين وشبابها بأن الأرض لنا وبأن الاحتلال عدوٌنا، وأن الحديث عن السلام والتعايش هي مصطلحات وليدة مفاوضات لن تنجح. علمّهم بأن غزّة ، المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، لم تطلب السلام طوال أعوام وأعوام من الصمود والإصرار على الحياة رغم الحرب التي تحيط خاصرتها..وذلك لأن غـزّة تعرف عدوها جيداً ولا تصدقّه أبداً- "ابني فلسطين المستقبل وقاوم".

تنمويّاً: يجب العمل على إعادة هيكلة دوائر ومؤسسات "السلطة الفلسطينية" بطريقة تخدم المقاومة الشعبية، والعمل على إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بطريقة تؤدي إلى حسن التوزيع والاستثمار الزراعي وتحقيق الاعتماد على الذات.كما ويجب البحث عن بدائل للكهرباء الإسرائيلية، ويجب ابتكار مولدات تعمل بإدارة فلسطينية.هذا بالإضافة إلى حفر آبار مياه لجمع كميات من مياه الأمطار التي يمكن أن تفي بجزء من المتطلبات المائية – "انهض بفلسطين وقاوم"

إن الحديث السابق عام، لا أطرح من خلاله أساليب أو تكتيكات خاصة؛ ولا يكمن السبب وراء هذا بأن شرح الأساليب صعب ولا لأن التطبيق مستحيل ولكن لإيماني بأن كل منّا يعرف عدوّه جيّداً ولأنه وبإرادة كل منّا سنبتكر الأسلوب الأنسب التي سيعزز من صمودنا.

حين يفعل الفلسطينيون ذلك وحتى أكثر، سيحترم العالم منطقهم التحرري، وسيفخر الشعب بخطابه المقاوم؛ فاختر سلاحك مما سبق، طوّره.. قاوم وازرع فـلسطيننـا مقاومة وأثبت أننا "نحن الفلسطينيون ما زلنا هنا لنقاوم ، "ولأن الوجود مقــاومة...قــاوم".