غزة ستحتفظ بلونها الأحمر القاني عند التعليب… إعلام أفخاي أدرعي وجمال نزال وعكاشة

بقلم: 

قصة في غاية الطرافة، كثيرا ما يستشهد بها خبراء الاعلام والتسويق لاثبات مهاراتهم في تغيير انطباعات الناس جذريا، واثبات قدرتهم على قلب المفاهيم رأسا على عقب، مهارات إعلامية قد تقتل اقتصادات كاملة وتحيي اخرى بدلا منها. يحكى انه، وقبل مئة عام تقريبا، كانت سمكة السالمون بلونها الزهري الزاهي ملكة المعلبات، ينتشر حولها وعلى ذيلها اقتصاد كامل متكامل من صناعات الصيد والنقل والتعليب والبيع، كانت محبوبة الفقراء والاغنياء ومصدرا مهما للبروتين. لون لحمها الزهري وقدرته على الاحتفاظ بهذا اللون بعد التعليب كان سببا رئيسيا في اجتذاب المستهلكين.

لم يكن احد يسمع بمعلبات سمك التونا ولم يكن الاقبال على شرائها بالمستوى المطلوب، خبراء التسويق المكلفين بتقديمها للاسواق عرفوا ان لون التونا الاحمر في الطبيعة، يتحول عند التعليب للون باهت يشبه لون الوحل، وهذا ما يجعلها أقل رواجا، فما العمل وما السبيل لجعل المستهلك يقبل على شرائها بدلا من علب السالمون؟ في لحظة «ايوريكا» نادرة، صرخ احدهم، لقد وجدتها واطلق حملة دعاية واعلانات تقول التالي: التونا هي السمكة التي لا يتحول لونها للاحمر عند التعليب! نعم هكذا وببساطة، وأتبعها بحملة اعلانات كبرى تقول «ضمان كامل ان التونا لن يتحول لونها للزهري في العلبة» هذا الادعاء الفج، والصحيح علميا، قلب مفاهيم المستهلك وغير انطباعا وخلق انطباعا جديدا بأن هناك مشكلة بخصوص معلبات سمك السالمون، فقل الاقبال على شرائها وانتعشت بدلا منها صناعة تعليب واستهلاك سمك التونا. سحر اعلامي اذكى من سَحرة فرعون مجتمعين، يتلاعب بالحقائق، يقول حقا ويكرره حتى يحقق به باطلا.

غزة ذلك القطاع الفلسطيني، والقطعة من الارض بين مصر والبحر وفلسطين، التي تشبه علبة الســــردين شكلا ومضمونا، ثمانون بالمئة من سكانها هــــم من اللاجـــئين الفلسطينيين الذين هجرتهم اسرائيل وعلبتـــهم هناك لحين البت في أمرهم، تتعـــرض باستمرار لكل انــــواع الالعـــاب البهلوانية من الجميع وحتى من الفلسطينيين انفسهم.
حملات تشويه مستمرة تهدف لإعادة تغليف غزة وإعادة تشكيل وعي الناس عنها وتسويقها للجمهور حسب رغبة المسوقين والمروجين وسحرة الاعلام. اسرائيل، ممثلة بافخاي ادرعي الذي يخاطب العرب بلغتهم ويقول لهم كل عام وانتم بخير في كل مناسبة دينية، يعيد ويكرر بشكل ممل ومضحك ولكنه مستمر وفعال، عندما تشاهد مدى غل بعض العرب على غزة وفلسطين، ان غزة مصنع الارهاب تصدر معلبات الكره وعلب الصواريخ وترميها على اسرائيل، هي سبب عدم استقرار الشرق الاوسط والعالم، وهي البنية التحتية لصناعة الارهاب والعنف والكراهية.

توفيق عكاشه ورفاقه من بعض الاعلاميين المصريين استهوتهم لعبة اعادة تشكيل الوعي والتغليف هذه، فغزة كما يروجون لها، هي علبة مشاكل مصر، مصر الحضارة والعراقة والعظمة تعاني من صندوق باندورا، صندوق المتاعب، الذي هو غزة، وفي المقابل اسرائيل هي حلالة المشاكل التي سوف تخلص الشعب المصري العريق من صداع العلبة وما تحتويه.

وبما ان الانترنت وفيسبوك وتويتر اتاحت للجميع فرصة ممارسة مهنة الاعلام وتجريب السحر الجذاب على الاخرين، غزة لا تنجو من تلاعب الهواة المغالين، فهم ايضا يحاولون وباستمرار، اعادة تغليف غزة وترويجها بالشكل الذي يعفيهم من ردة الفعل، ويجعلهم ينامون مرتاحي البال والضمير، بالنسبة لهؤلاء، اطفال غزة الذين يقتلون بدم اسرائيلي بارد هم شهداء عند ربهم يرزقون، هم ابطال اسطوريون بدلا من اعتبارهم ضحايا جرائم حرب وغدر وظلم يجب الدفاع عنهم. منهم من اعجبته لعبة التلاعب بالصور الاعلامية لدرجة انه روج قائلا «من ظن ان غزة تنزف الان فليراجع نفسه، انما غزة تتبرع بدمائها لامة اصبحت بلا دم»! الصورة الحقيقية ان غزة التي تتعرض لعدوان وعمل همجي بشع من دمار وقتل للابرياء والممتلكات حسب هؤلاء هي، اي غزة، تقوم من ذاتها بالتبرع بالدم للامة ونيابة عنها.

والتوظيف الحزبي والفصائلي والمناطقي على اشده فجمال نزال، الناطق باسم حركة فتح في اوروبا، ومن المانيا، تحدث لوسائل اعلام عربية مخاطبا الجمهور العربي وليس الاوروبي! مدعيا ضمن ما ادعاه ان صواريخ حماس وغيرها من صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تطلق على اسرائيل هي صواريخ عبثية، معطيا الانطباع بانها مجرد خردة حديد يتم القاؤها على اسرائيل، وهذا صحيح علميا وعسكريا، فمقارنة بفاعلية آلة القتل والدمار الاسرائيلية، بصواريخ المقاومة، من ناحية قدرتها على القتل واحداث الدمار تعتبر عبثية، وكل مشاهد ومتابع عربي يعرف ذلك، فلماذا التركيز على هذه القطرة من الحقيقة وترك بحور الواقع على حالها؟ ألم ينتبه السيد نزال الى ان صواريخ المقاومة هي عمل اعلامي بالدرجة الاولى لإعلان شيء ما، قبل ان تكون عملا عسكريا ولا تختلف عن عملية عيلبون عام 1965 التي انطلقت على اثرها حركة فتح بالبلاغ العسكري رقم 1؟ فبالضبط مثل صواريخ المقاومة الحالية، عملية عيلبون لم تحدث أي دمار حقيقي ضد الوحش العسكري الاسرائيلي، ولكنها كانت عملا اعلاميا بامتياز يعلن ان الفلسطيني لن يستسلم ولن يموت، فمن هذه الناحية لم تكن عبثية، كما ان صواريخ المقاومة حاليا هي تعبير اعلامي عن الارادة وهي قمة في الفاعلية.

- كاتب فلسطيني