ما هو المطلوب من حركة فتح ؟!!

بقلم: 

في كل حرب مجنونة يشنها جيش الإحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني يتساءل المراقبون ما هو موقف حركة فتح من هذه الحرب وهذا العدوان ؟!! في كل هبة جماهيرية وفي كل فعلٍ مقاوم ضد الإحتلال الغاشم وغطرسة وإرهاب الكيان الإسرائيلي البشع يتسائل الأحرار أين دور حركة فتح مما يجري ؟!!

شعارات الزمن الجميل هي التي تخطر على بال الشرفاء من أبناء شعبنا الصامد ومن شبيبة حركة فتح المناضلة، حركة فتح هي راعية الشعب الفلسطيني وأم الجماهير الثائرة، حركة فتح هي صاحبة الرصاصة الأولى ومطلقة شرارة مقاومة الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، حركة فتح هي صاحبة الصدارة منذ عام 1965م في تقديم الشهداء والجرحى والأسرى على مذبح الحرية والإستقلال .

هذه الشعارات التي أتبعتها حركة فتح بعمل دؤوب وجاد وعبر ثلاثين عام من النضال بدأ يتلاشى أثره شيئاً فشيئاً مع زيف السلام المتمثل بإتفاقية أوسلو عام 1993م ومجيء السلطة الوطنية الفلسطينية على أثر هذا الإتفاق ودخول بعض مناطق الضفة وغزة عام 1994م، وبدأ الخلط جلياً وواضحاً وبشيء من الإرباك بين برنامج حركة فتح النضالي وبرنامج سلطة أوسلو التي تجرم العمل المقاوم وتدعو إلى مكافحة الإرهاب الفلسطيني والتنسيق الأمني البغيض بين أجهزة أمن السلطة وأجهزة أمن الكيان الإسرائيلي؛ حتى مجيء الإنتفاضة الثانية عام 2000م والتي قلبت المعادلة ودخلت كتائب شهداء الأقصى الجناح المسلح الجديد لحركة فتح معمان إنتفاضة الأقصى بقوة وحزم وبعمليات شجاعة وبشهداء عظام وقافلة طويلة من أسرى الحرية .

دخلت الإنتفاضة الثانية ثلاجة الموتى عبر سلسلة منظمة وخطة "أمريكية إسرائيلية فلسطينية" لوأدها والتخلص منها تدريجياً وخاصةً بعد انتخاب السيد محمود عباس رئيساً للسلطة في عام 2005م؛ بدأت بإستعادة الأجهزة الأمنية لدورها الحقيقي في ملاحقة نشطاء الإنتفاضة وتصفية ما تبقى من مشروعها النضالي من أجل الدخول في مارثون تفاوضي جديد وتحريك عملية وهم السلام المزعوم؛ فذاقت جميع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها كتائب شهداء الأقصى الأمرين من سلطة أوسلو عبر صراع محموم قضت فيها على كافة وسائل المقاومة من مصادرة السلاح وملاحقة النشطاء وتجفيف منابع الدعم وخاصة في الضفة الغربية؛ وذلك إذا ما استثنينا غزة بسبب الإنقسام الفلسطيني وسيطرة حركة حماس عام 2007م على قطاع غزة فكان للمقاومة الفلسطينية وفصائلها شأن آخر من تطوير أساليب المقاومة والتغيير الجذري في وسائل الدفاع حتى وصلنا إلى درع صاروخي رادع لحماقات جيش الإحتلال ومنظومة صواريخ تمتلكها حركتي حماس والجهاد الإسلامي وصل نطاق مداها تل أبيب والقدس المحتلة .

ثلاثة حروب جديدة شنها الكيان الإسرائيلي ضد قطاع غزة كانت الأولى عام 2008م، وكانت الثانية عام 2012م، وكانت الثالثة الحالية عام 2014م والذي أطلق عليها الكيان اسم "الجرف الصامد" فكان رد المقاومة تحت اسم "البنيان المرصوص" والذي تبنته حركة الجهاد الإسلامي و"العصف المأكول" الذي تبنته حركة حماس .

في العدوان الأخرق الذي يشنه جيش الإحتلال على الشعب الفلسطيني والذي يدور رحاه الآن في قطاع غزة توحدت جميع فصائل العمل المقاوم لصد العدوان وإيلام الكيان وتلقينه الدرس القاسي عبر صمود أسطوري يقوده أبطال المقاومة في غزة الغالية، وكان لبعض أجنحة فتح العسكرية في غزة صولات في ذلك وكانت لقواعدها الشعبية في الضفة وغزة والشتات رأي واضح لا لبس فيه في دعم المقاومة والإتحاد من أجل رد العدوان ولعن الخنوع والتخاذل والتنسيق الأمني .

ومع ذلك كان لقيادة حركة فتح _ وخاصةً مركزيتها والناطقين الإعلاميين بإسمها _ والسلطة الذي يترأسها السيد أبو مازن رأي آخر لا ينسجم أبداً مع قواعدها الشعبية ولا يتماهى مع غليان الشارع الفلسطيني بأكمله؛ من قرار رئيس السلطة وهرم فتح بقدسية التنسيق الأمني، وإعلان السيد عزام الأحمد لرفض مركزية الحركة من وقف التنسيق الأمني مع دولة الإحتلال ومخابراته، ومن تصريحات السيد جمال نزال _ الناطق الإعلامي بإسم فتح في أوروبا _ والتي لا يمكن التمييز بينها وبين تصريحات أفخاي أدرعي _ الناطق بالعربية بإسم جيش الإحتلال الإسرائيلي _ ، ومن تصريحات السيد أحمد عساف _ الناطق الإعلامي بإسم فتح في الضفة _ المنسجمة مع الرؤية الإسرائيلية .

أعلن اليوم السيد أمين مقبول _ أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح _ بأن السيد جمال نزال لا يمثل حركة فتح وأنه تم إيقافه من عمله ناطقاً بإسمها، وهنالك أصوات حية وجريئة نسمعها داخل حركة فتح تعبر عن عدم رضاها عن مستوى الحركة وأدائها ودورها ومواقفها حيال المستجدات على الأرض وطريقة التعامل مع كثير من الملفات الساخنة بخصوص الشأن الداخلي لحركة فتح والشأن العام الفلسطيني .

الآن، ما هو المطلوب من حركة فتح ؟!! المطلوب من حركة فتح بحجم نضالها وتاريخها وإرثها المقاوم الكثير الكثير، هنالك أصوات مطلوبة من القواعد الشعبية، وهنالك تحركات مطلوبة من الكوادر التنظيمية والثورية، وهنالك مواقف مطلوبة من القيادة العليا؛ ليس أقلها العمل الجاد والحقيقي من أجل تفعيل مبادرة فعلية تتضمن أولى بنودها فصل حركة فتح عن السلطة الفلسطينية؛ ولتكن بعدها حركة فتح صاحبة قرار منفصل كباقي فصائل العمل المقاوم في فلسطين المحتلة .

المطلوب من حركة فتح الآن هو وضوح في الرؤيا والهدف والعمل المنسجم مع تاريخها وتضحياتها فالسيد جمال نزال ليس فرداً وإنما هو يمثل تياراً في فتح له قياداته وعرابيه، بحيث تعود الحركة إلى مربعها الأول وتحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين المحتلة قضيةً وشعباً ووطناً ما زال يرزح تحت نير الإحتلال .

بالمختصر المفيد يجب أن تكون الفصائل الفلسطينية جميعها وعلى رأسها حركة فتح على قناعة تامة أننا ما زلنا شعب تحت جريمة إحتلال القرن الواحد والعشرين فنحن في مرحلة التحرر الوطني ومقاومة الإحتلال والذي تقره جميع الأديان والشرائع السماوية والإتفاقيات الدولية التي يرعاها المجتمع الدولي ذو العين الواحدة . وأن ملهاة الدولة المراقب ما هي إلا دور أُعطي للسلطة لتكون الرقيب الصامت تجاه ما يجري على الأرض من توغل في الأرض وتوسع في الإستيطان وتهويد القدس وتدنيس المقدسات وقتل المدنيين والأبرياء بدم بارد وقتل ما يمت للروح الفلسطينية التي تأبى إلا أن تعيش بحرية وكرامة كباقي الشعوب العالم .