الأهداف الإسرائيلية غير المعلنة خلف عملياتها في الضفة

بقلم: 

تشهد إسرائيل لليوم التاسع على التوالي حالة غليان تلامس الهستيريا جراء خطف ثلاثة مستوطنين شباب تحضر فيها التوجهات الانفعالية، الأقوال والأفعال العنيفة وتغيب عنها حسابات العقل والنفس وهناك أوساط سياسية وحقوقية في إسرائيل تتبنى الرواية الفلسطينية وتتهمها بتأجيج حالة الجنون بغية تحقيق أهداف سياسية معلنة وغير معلنة. على رأس هذه المآرب النيل من مصداقية السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، وتفكيك حكومة المصالحة والدس بين جناحيها، فتح وحماس وتوفير ذرائع ديماغوغية لتبرير التهرب من مفاوضات تسوية الصراع. وكشف رئيس المعارضة عضو الكنيست بوجي هرتسوغ»العمل» إن العملية الإسرائيلية الواسعة تهدف لزرع الخلافات مجددا بين حماس وفتح وأكد على ذلك المعلق العسكري البارز أليكس فيشمان في تعليق نشرته «يديعوت أحرونوت» الإثنين الماضي.
وعبر وزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز عن مدى رغبة إسرائيل في إستغلال العملية لتحقيق أهداف أخرى عدا استعادة المخطوفين بل أهم منها مطالبته الحكومة باستدعاء جيش الإحتياط وتحطيم حركة المقاومة الإسلامية»حماس». خلال زيارته عائلات المستوطنين الثلاثة قال موفاز الذي أشغل منصب قائد الجيش يوم اجتياح الضفة الغربية في عملية «الجدار الواقي» عام 2002 «حانت الساعة لقلب كل حجر في الضفة الغربية بهدف تدمير حماس» محذرا من عمليات خطف أخرى مستقبلا. وتابع «هذا هو الوقت لعملية واسعة وعنيدة فهذا هدف إستراتيجي ورد صهيوني هام ومناسب إذ هناك شرعية واسعة في الشارع لمثل هذه العملية وهو ينتظر ردا ساحقا ماحقا للإرهاب».
وحذرت زهافا غالؤون رئيسة حزب «ميرتس» اليساري من حملة التهديد والوعيد ومن التورط بتصعيد عسكري ضد الفلسطينيين ومن توسيع العملية العسكرية في الضفة الغربية لأهداف أخرى عدا البحث عن المستوطنين الثلاثة. واعتبرت أن العملية الإسرائيلية محاولة للحصول على صورة إنتصار كاذبة بواسطة خطوات عدوانية يفوق ضررها فوائدها ومحاولة تعويض عن عجز جهاز الأمن عن استعادة المخطوفين وتابعت «نشهد عملية إستغلال ساخر ودماغوغي لمأزق العائلات ولحالة التضامن الإنساني معها لخدمة مآرب لا علاقة لها بالخطف واستعادتهم».
وأبدت في خطابها في الكنيست أسفها على عدم تعلم حكومة نتنياهو من دروس المغامرات الأمنية العجولة التي تمت في السابق عقب عمليات خطف مشابهة مشددة على أنها تسارع لتوسيع العملية العسكرية لتحقيق غاية سياسية تتمثل بالإجهاز على حكومة المصالحة الفلسطينية.
وذهب رئيس الكنيست الأسبق أفرهام بورغ إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن إسرائيل تخطف الفلسطينيين منذ 47 عاما، ففي مقال نشره في مدونته أوضح بورغ أن خطف الفتيان الثلاثة وهم في عمر أبنائه موجع وتمنى عودتهم بسلام. في المقابل قال أيضا إن قلبه مع هؤلاء المساكين ومع عائلاتهم منوها لعيشهم على الكذب والمستندة على أكبر آثام إسرائيل، الإحتلال. بورغ المعروف بمناهضته للإحتلال الذي يهدد بنظره إسرائيل أيضا حمل في مقاله على الحاخامات المنافقين الذين طلبوا من الحبر الأعظم الشهر الماضي تعهدا كنسيا لمستقبل الشعب اليهودي يصمتون إزاء مصير شعب آخر مجاور يئن تحت وطأة الإحتلال والعنصرية. وأطلق بورغ سهام الإتهام لنتنياهو لإستغلاله الأزمة لمآرب سياسية ولحشر العلاقات مع الفلسطينيين في خانة الأسرى فقط. كما حمل بشدة على اليسار الإسرائيلي وقال إنه يملأ فمه بالماء ويخشى الخروج عن الإجماع الصهيوني متسائلا كيف لم يخرج حتى الآن أحد قادة هذا اليسار ليقول إن كل من هو خلف «الخط الأسود» يتحمل مسؤولية ما يحدث. واتهم بورغ نتنياهو بمحاولة شيطنة الفلسطينيين والنيل من مصداقية رئيسهم لتبرير تهربه من تسوية الصراع بالعودة لمزاعم «اللا شريك الفلسطيني».
ويبقى بورغ في الحلبة السياسية الإسرائيلية كصوت في البرية وقد خلا برلمانها من مثله عدا الأصوات الصادرة عن نواب عرب أمثال القيادية في التجمع الوطني الديمقراطي حنين زعبي التي تعرضت لحملة تهويش جديدة ودعوات لطردها وقتلها بعد تصريحها بأن خاطفي الفتيان الثلاثة ليسوا إرهابيين. زعبي التي رفضت التراجع عن أقوالها أكدت أن المسؤول عن عملية الخطف هو الإحتلال وهو الإرهاب الحقيقي في المنطقة. وعبر شاؤول موفاز عن حملة التحريض الإسرائيلية على زعبي التي سبق وأثارت الإسرائيليين بمشاركتها في أسطول الحرية عام 2010،عبر صفحته على الفيسبوك: « العملية إرهابية وأنت تدعمين الإرهاب، مكانك في السجن».
وردا على سؤال «القدس العربي» تؤكد حنين زعبي «أن الحكومة الإسرائيلية، بممارساتها العدوانية الإجرامية، هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن عملية الخطف الأخيرة وأن سياسات القوة والقمع والإحتلال والخطف التي تمثلها هي الإرهاب المركزي والحقيقي في المنطقة، وهي سبب استمرار المعاناة والكوارث وسفك الدماء». ولفتت إلى استمرار خطاب القوة العسكرية، وعدم الإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني سيد اللعبة، وإسرائيل مستمرة حتى هذه الدقيقة في سياساتها الإجرامية، وفي العقاب الجماعي المضاعف للفلسطينيين تحت احتلالها. وذكرت أن إسرائيل اختطفت ممثلين فلسطينيين من القدس وسائر الضفة بعملية قرصنة لا قانونية، وهي ما زالت تعلن عن مزيد من القمع وتطلب المزيد من «التنسيق» الأمني دون أي اعتراف بأن سياساتها هي التي أدت إلى عملية خطف المستوطنين ودون أن ترى العلاقة بين عملية الخطف هذه وبين خطفها لمئات الأسرى الفلسطينيين في السجون دون محاكمة ودون تقديم لائحة اتهام، ودون توجيه أي تهمة لهم.
وتستكمل زعبي عملية تشخيص جوهر الصراع بعدم حصر نقدها للحكومة فحسب مشيرة إلى أن المجتمع الإسرائيلي أعمى تماما عن رؤية معاناة الفلسطينيين، ولا يريد أن يستيقظ من سكرة القوة والسيطرة. وأكدت: «نحن نؤمن بالنضال الشرعي والعنيد ضد سياسات الإحتلال، بحدود الشرعية الدولية، الذي هو وفقط هو يؤدي إلى إحقاق الحقوق للشعب الفلسطيني، والسلام العادل وحده يضع حدًا للعنف والعنف المضاد ويمنع عمليات الاختطاف المستقبلية». ويتقاطع معها زميلها رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» عضو الكنيست محمد بركة رغم تباين الأسلوب والحدة في النقد والتصريح بقوله إن عملية الخطف الحقيقية هي اختطاف أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، مشددا على أن الإرهاب الأساسي هو الاحتلال الذي يعتقل 192 أسيرا إداريا دون تهمة ومحاكمة، ويعتقل 196 طفلا في السجون. ونوه لما قالته أوساط عسكرية في إسرائيل إن الضغط على الضفة سيـــستمر من دون علاقة بالمستوطنين الثلاثة منوها لوجود من يريد القفز على ما جرى، من أجل تنفيذ أجندته السياسية في الساحة الفلسطينية.
كما أكد بركة أن بنيامين نتنياهو يسعى في كل فرصة من أجل ضرب حكومة التوافق الفلسطينية، وهو على استعداد لاستخدام كل الوسائل. وقال بركة لـ «القدس العربي» «إن حماس هي حركة مركزية في الساحة الفلسطينية وقادت الحكومة الفلسطينية» مشددا على أن الارهاب الأكبر هو الاحتلال الإسرائيلي الذي «يتعامل مع الشعب الفلسطيني كحيوانات في أقفاص، ويريد لهذه الحيوانات أن تخنع أمام الإحتلال ولا تعارضه». وأضاف، إن الإحتلال يجيز لنفسه كل شيء: نقض الإتفاقيات، ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وتنفيذ الإعتقالات الإدارية وغيرها الكثير، وبعد هذا كله تتوقعون من الفلسطينيين أن يمر كل شيء بسلام وهــــدوء؟ وشدد على أن المستوطنات هي جسم سرطاني في جسد الشعب الفلسطيني، داعيا الحكومة لإعادة المستوطنين ووقف التنكيل بالشعب الفلسطيني وحياته.
وفي المقابل أضاف «على النضال المشروع العادل أن يستخدم وسائل مشروعة عادلة، دون المس بالأبرياء والأطفال، وأنا متمســك بهذا القول». لكن إسرائيل التي تعيــــش حالة من الانفعال الهستيري والتهويش على العرب لا تخلو من أصوات شاذة وجريئة تعوم ضد التيار الجارف.
وغردت صحيفة «هآرتس» خارج سرب الإعلام الإسرائيلي المتماثل مع المؤسسة الحاكمة ويتبنى روايته، بقولها هي الأخرى إن الحكومة تستغل خطف الفتية فرصة لعمليات خاطفة أخرى. وتتهم الصحيفة الحكومة باستغلال عملية الخطف من أجل قطع العلاقات مع السلطة الفلسطينية وتشريع قانون يحظر أي إفراج عن أسرى وطرد قادة حماس لغزة واستكمال تشريع قانون يتيح إطعام الأسرى المضربين عن الطعام عنوة والتنكيل بالفلسطينيين بل من أجل ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية كما يجاهر قادة حزب المستوطنين «البيت اليهودي». وتؤكد أنه لا علاقة لهذه الأهداف باستعادة المخطوفين وتقول إنها بأحسن حال تسعى لمجاراة الرغبة المتصاعدة بالشارع الإسرائيلي في الإنتقام محذرة من استغلال ساخر على يد «مخربي مسيرة السلام». وتضيف «هذه محاولة لتحويل عملية الخطف لحدث مؤسس يعيد بناء العلاقات مع الفلسطينيين وإستغلالها لتقويض أي احتمال لتسوية سياسية». وتدلل «هآرتس» وأوساط سياسية أخرى على ذلك بالإشارة لإمعان نتنياهو بالتحريض على الرئيس عباس رغم التعاون الكامل من قبل جهاز الأمن التابع له مؤكدة أنه ليس هناك أخطر على أمن إسرائيل اليوم من ضرب الشريك الفلسطيني. وهذه وجهة نظر يتبناها معلقها العسكري عاموس هارئيل الذي يقول إن إسرائيل تحول الأهداف الهامشية المذكورة للغاية المركزية من عملية «إعادة الأبناء». ويتفق معه زميله د. تسفي بار إيل الذي يحذر إسرائيل من عودة طرد قادة حماس الى غزة كيدا مرتدا إلى نحرها. ويوضح في حديثه لـ «القناة الإسرائيلية الثانية» أن طرد قادة حماس الى غزة وتشديد القبضة على الأسرى سيدفعان نحو تمرد فلسطيني منبها بأن البديل لحماس أشد خطورة وتابع «علما أن هذه المحاولة قد فشلت في عمليات «الرصاص المصبوب» «وعمود الغمام».
من جهة أخرى اتهم معلقون إسرائيليون آخرون نتنياهو بفتح شهية الفلسطينيين للمزيد من عمليات الأسر بإطلاقه آلاف «المخربين» و «بالجملة». وحمل المعلق السياسي شيمعون شيفر على نتنياهو قائلا إن العملية الأخيرة تعكس إنهيار الإستراتيجية الأمنية التي يقودها وتقوم على مفاوضات غير مباشرة مع حماس وإطلاق أسرى من جهة ومن جهة أخرى إضعاف السلطة الفلسطينية.
في المقابل يدعو شيفر أن تستخلص إسرائيل الإستنتاج الإستراتيجي وتقف أمام الامتحان الحقيقي بعد إنهاء هذه الأزمة والتي تدفع لترسيم حدودها وتابع «هل نفهم بنهاية الأمر أن خلف خلية الإختطاف هذه ملايين الفلسطينيين ممن لن يتنازلوا يوما عن رغبتهم بالعيش بحرية؟».

المصدر: 
القدس العربي