إسرائيلياً.. داعش تفتح ملف غور الأردن!!

بقلم: 

لم تتأخر "داعش" وهي تسيطر على المدينة الثانية من حيث الحجم والمساحة في العراق، الموصل، على أن تعلن مخططها لكل من يهمه الأمر، لم تخف داعش نواياها بإقامة دولة الخلافة، فتحت الحدود ـ حدود سايكس بيكو ـ بين العراق وسورية، لكن ذلك تم في اطار خريطة وزعتها وسائل إعلام داعش، وهي بالمناسبة وسائل إعلام حديثة ومهنية، هذه الخريطة تضم دولة الخلافة في مراحل تأسيسها الأولى، وتضم ما كان يعرف "بالهلال الخصيب" فهناك فلسطين ولبنان وسورية والعراق، لكن الخارطة تضمنت إضافة بالغة الأهمية، وهي دولة الكويت، ربما باعتبارها مفتاح المرحلة الثانية من تأسيس "دولة الخلافة" لمنطقة الخليج العربي.

وإذ أن صورة الأوضاع لم تتضح بعد، إزاء مدى قدرة داعش على السيطرة المتواصلة على المناطق التي احتلتها مؤخراً، في ظل التجاذبات السياسية والأمنية في الإقليم المتوتر، إيران وسورية وتركيا، إضافة إلى العراق بطبيعة الحال، فإن ما جرى وبصرف النظر عن النتائج المحتملة وتداعيات وتطورات حرب "داعش" على المنطقة، فإن الجانب الإسرائيلي بدأ يأخذ باعتباراته السياسية والأمنية، هذه الحرب، بعين الاعتبار، خاصة وأن خريطة "داعش" تضمنت دولة فلسطين التاريخية، صحيح أن هذه الحركة، وكافة الحركات "الإسلامية" فتحت الباب أمام حروب واسعة في المنطقة، تواجدت في كل مكان، إلاّ أنها بقيت بعيدة نسبياً عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي ساهم في تأكيد الشكوك حول مدى تطابق شعارات هذه الحركات "الجهادية" وما يجري على الأرض والأهداف الاستراتيجية لحروبها.
إلاّ أن حدود دولة "داعش" بدأت تقترب أكثر وأكثر من حدود دولة الاحتلال الإسرائيلي، فبعد تواجد الجبهات "الجهادية" في شبه جزيرة سيناء، ها هي دولة داعش تكاد تصل إلى الحدود الشرقية لإسرائيل، وهناك خشية من أن تمتد حدود هذه الدولة انطلاقاً من العراق، إلى الأردن، وبحيث تصبح الحروب الجهادية بقيادة داعش والقاعدة والمنظمات المشابهة، على تخوم الدولة العبرية شرقاً وجنوباً، ولكون إسرائيل لا ترسم سياساتها على النوايا، بل على المتغيرات الواقعية، فإن ما يجري الآن في العراق، من شأنه أن يقلق القيادة الإسرائيلية، التي تفضل أن تستمر الحروب "الجهادية" في كل الإقليم، خاصة في الإقليم العربي، إلاّ أن احداً لا يستطيع التكهن بالمتغيرات المحتملة، فإسرائيل في ضوء هذه التطورات، تأخذ بالحسبان مدى التأثير المحتمل لنتائج استمرار الحروب الجهادية في المنطقة عليها، سواء كان ذلك التأثير مباشرا، أو غير مباشر، إسرائيل لا تترك الأمور للاحتمالات بل تضع السيناريوهات والخطط للمواجهة، حتى لا تؤخذ على حين غرة!!
السرعة التي انهار بها الجيش العراقي في المواجهة مع "داعش" لا شك أنها تخيف إسرائيل التي كانت ولا تزال حريصة على إضعاف الجيوش العربية، لكن هذا الانهيار السريع، قد يعجل من وصول حدود دولة داعش إلى تخوم الدولة العبرية، وأحياناً، فإن ممارسة القوة لدى الجيوش العربية ضد الشعوب العربية، أمر محمود وضروري، انشغال هذه الجيوش لتأمين استقرار "أنظمة الحكم" لا بأس به، لكن أن تنهار أمام جحافل قوى جهادية، فهو أمر يجب أن تعيد الدولة العبرية النظر به حتى لا تفاجأ بأنها في نهاية الأمر، قد تشكل هدفاً لحروب القوى الجهادية، التي لم تقترب منها حتى الآن!!
الحسابات الإسرائيلية إزاء هذا التطور المثير والخطير، ستنعكس على أية مفاوضات محتملة قادمة مع الجانب الفلسطيني، إذ إنها ستتمسك أكثر من أي وقت مضى بالبقاء أمنياً وعسكرياً في غور الأردن، في أية تسوية سياسية قادمة، إسرائيل تمسكت بغور الأردن في السابق، لكن الآن، ستبقى هذه المسألة خارج إطار المفاوضات، باعتبار أن غور الأردن، مانع عسكري لا بد من الاحتفاظ به في ضوء المتغيرات التي قد تأتي من الشرق، إذ إن وصول أية قوة عدوة إلى "الغور" يعني تهديد الدولة العبرية، ذلك أن المسافة بين الغور وساحل المتوسط، الحدود الغربية للدولة العبرية، هو 64 كيلومتراً، الأمر الذي يجعل احتفاظ إسرائيل بغور الأردن، وضمان أمن ضفته الشرقية، هدفاً دائماً لإسرائيل، وباعتبار أن عدم تحقق ذلك، يشكل "مسألة وجودية" بالنسبة لها، ليست مجرد حرب فيها انتصار وهزيمة، بل حرب بها نهاية لها!!
وإذ تتذكر القيادة الإسرائيلية، كما يعلم ويتذكر الجميع، أن منظمة القاعدة، التي تلقت الدعم من الولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربية، عادت لتوجه جهودها الإرهابية، ضد هذه الجهات بعد أن انسحبت القوات الروسية من أفغانستان، الأمر قد يتكرر بصورة أو بأخرى، وإذا كانت المنظمات الإرهابية على اختلاف أشكالها وتلاوينها، فعلت كل ما بوسعها لعدم الاحتكاك بإسرائيل، إلا في مرات نادرة، فإن هذا الأمر قد يتغير وعلى الأقل حتى تبرر وجودها واستمرارها إذا ما تمكنت من السيطرة على مقاليد الأمور في الحدود المتاخمة للدولة العبرية.
وإسرائيل ستتحسب جيداً لحدودها الجنوبية، مع إدراكها بقدرة الجيش المصري على اجتثاث الإرهاب من سيناء باعتبار ذلك خطراً داهماً على الأمن القومي المصري، لكن المظاهرات التي قامت بها بعض المجموعات السلفية في رفح جنوب قطاع غزة دعماً لداعش في العراق، يجب أن تشكل قلقاً "لإسرائيل"!!
 

المصدر: 
الأيام