لعبة الشطرنج بين عباس و نتناياهو..لعبة التحدي

بقلم: 

في لعبة الشطرنج هناك قواعد و تكتيكات يجب أن يلتزم بها اللاعبون حتى ينتصروا في النهاية . وفي لعبة الشطرنج هناك ملك و وزير وجنود و فيله و أحصنه و قلاع ، تنتهي اللعبة بانتهاء الملك وخروجه من اللعبة بعد مطاردته عدة مرات بمجرد استخدام كلمة "كش مات"  عندها  يحاول الملك بشتى الطرق البحث عن مخرج له حتى يصل إلي زاوية لوحة الشطرنج  و إذا  لم يجد منفذ له  يفوز حينها الملك الأخر و تنتهي اللعبه.

تلك هي قواعد لعبة الشطرنج التقليدية التي يتسم لاعبيها بالذكاء و الدهاء والصبر و قوة التحمل والقدرة على تنفيذ تكتيكات حربية شطرنجية تؤدي بهم في النهاية  إلي النصر، إنها القدرة على ادارة أحجار اللعبة من جنود  و أحصنه و فيله و القدرة على تحقيق مكاسب و غنائم، وقد تسقط في تلك اللعبة القلاع ويتم احتلالها أو يتم أسر عدد كبير من الجنود و الوزراء .

إن ما يميز لعبة الشطرنج هو أنها حرب مشتعلة بلا دماء ، حرب بين عقول لا  تعتمد كثيرا على قوة  العضلات الجسدية أو الأسلحة الفتاكة ، إنها الحرب الباردة التي تتسم بالهدوء و القوة الناعمة و التحفز الشديد من أجل ايجاد أية ثغرة في ساحة  الخصم أو العدو .

 هكذا اذا ، يمكننا حاليا وصف تلك  الحرب الغير مباشرة الدائرة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس و رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتاياهو ، انها حرب أدمغة و ألسنه بالدرجة الاولى ، بدون استخدام نيران البنادق و المدافع ، إنها معركة  النفس الأطول فالذي سينتصر بالنهاية هو من كان  لديه قوة احتمال أكبر في مواجهة الضغوطات الدولية و المحلية  و التغيرات الاقليمية ، والطرف الذي  سيكون في جعبته أدوات وحيل سياسية أكثر  سيجمع  حينها  أكبر عدد ممكن من النقاط لصالحه عبر لوحة الشطرنج الدولية.

لقد بدأ نتاياهو المعركة مع عباس عندما احتفظ بأكبر عدد ممكن من جنود الرئيس الفلسطيني  في السجون الاسرائيلية ، فمن المعروف أن الأسرى الفلسطينيين يعتبرون  من أهم جنود المعركة الذي يدافع عنهم  عباس بحرارة وهم من أهم أسباب قبول الرئيس عباس  بالعودة مرة أخرى إلي طاولة المفاوضات مع الاسرائيليين  برعاية الوساطة الأميركية .

لم يكتفِ نتاياهو بالاحتفاظ فقط بجنود عباس بل احتفظ أيضا بحجر هام جدا ألا وهو حجر الوزير ، القيادي الفتحاوي  مروان البرغوثي الذي تعول عليه حركة فتح بأكملها من أجل انقاذ شعبيتها في الشارع الفلسطيني وتجده كبديل قوي للرئيس عباس  لتولي شئون الحركة وقيادة السلطة الفلسطينية لاحقاً .

 لذا نستطيع القول بأن نتاياهو يمتلك الآن في جعبته أهم أحجار الشطرنج ، الجنود و الوزير بل أيضا سيطر على القلعتين التي تمثلهما المستوطنات في القدس و الضفة الغربية.

وفي المقابل استطاع عباس اللعب جيدا بحجر الحصان الأمريكي الذي انحاز في بعض الأحيان لوجهة نظر عباس حول قضية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني ، والذي لم يخفِ هذا الحصان الأمريكي  تعاطفه و انحيازه المتأرجح مع شروط  عباس و لم يتردد في القاء اللوم مرارا وتكررا على الحكومة الاسرائيلية  حول سبب فشل المفاوضات ، الأمر الذي أغضب نتاياهو وكبار جنوده ، و جعل وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون يغضب بشدة و يلقب كيري  بالشخص  الذي يتلهف للحصول على جائزة نوبل للسلام .

ونتيجة لذلك الانفعال الاسرائيلي و الالحاح الأمريكي المتواصل حول ضرورة التنازل من كلا الطرفين و الاستمرار في التفاوض ،  بدأت العلاقات الأمريكية - الاسرائيلية تشهد  تدهورا  وتراجعا ملحوظا  خلافا عما تميزت به هذه العلاقات  بالسابق من تعاون كبير وانحياز أمريكي مشهود لوجهة النظر الإسرائيلية ، لقد نجح  عباس بالفعل في استمالة الجانب الأمريكي لوجهة نظره و نستطيع القول أن طريقة عباس في تحريكه لحجار الشطرنج أحرزت نجاحا  كبيرا في السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية ، فلا أحد يستطيع أن يتجاهل الجهد المبذول في حملات المناصرة و الحشد التي يقودها الفلسطينيون من أجل إزالة الشرعية عن المستوطنات الاسرائيلية ومن أجل تدويل القضية الفلسطينية و قضية الأسرى الفلسطينيين وذلك بمقارنة ما يحدث في فلسطين  من سياسة عزل و استيطان بما حدث سابقا في دولة جنوب افريقيا من فصل عنصري و استيطان.

وبعد أن استخدم عباس حجر الحصان الأمريكي للضغط على  خصمه نتاياهو ، قام الأخير باستخدام حجر أخر لسد الطريق أمام جنود عباس ومنعهم من التحرك الي الأمام بخطوات أحادية فبدأ حجر الوزير عند اللاعب الاسرائيلي  يطارد حجر الملك عند اللاعب  الفلسطيني و يقول له يهودية الدولة "كش مات"  ، فتقدم حينها الملك الفلسطيني خطوة الي الوسط  للابتعاد عن الاعتراف بيهودية لكن حجر الوزير الاسرائيلي مازال يطارد حجر الملك الفلسطيني ويقول له مرة أخرى يهودية الدولة "كش مات"  فيقوم بعدها  عباس اللاعب المحترف بتحريك  حجر الفيل الدولي في اتجاه مباشر يسير في خط مائل وعلى أرضيه بيضاء و يوقع على اتفاقيات دولية تؤهل فلسطين للانضمام لبعض منظمات الأمم المتحدة ، فيرد عليه لاعب الشطرنج الاسرائيلي نتاياهو ويقوم بالاحتفاظ بأخر دفعه من جنود عباس في الأسر، وتصبح طاولة الشطرنج شبه خاليه من الجنود الفلسطينيين لم يتبق فيها سوى الأحصنة و الفيلة و الملك .

 ويستخدم عباس بعد ذلك حجر حصانه الأخر ، الحصان الفلسطيني الذي يقفز قفزتين إلي أقصى اليمين في اتجاه التحالف مع حركة حماس و انهاء الانقسام الفلسطيني و اعلان  حكومة الوحدة الوطنية ، عندها يتحرك الحصان الاسرائيلي  ويحاصر الحصان الفلسطيني بقفزتين الي جهة اليسار يهدد بها عباس أنه في حال تحالف مع حماس سوف يتم معاقبة السلطة الفلسطينية اقتصاديا ، فيقفز الحصان الفلسطيني مرة أخرى خطوتين إلي اليمين عن طريق تهديد عباس للإسرائيليين بحل السلطة الفلسطينية و تحميل مسئولية ادارة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي ، يتراجع عندها  حجر الملك الاسرائيلي بعيدا قليلا عن حجر الملك الفلسطيني و ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على الملك الفلسطيني.

 ويتقدم الملك الفلسطيني خطوة أخرى إلي الأمام نحو التلميح بانضمام فلسطين الي محكمة الجنايات الدولية ، فيقوم عندها حجر الوزير الاسرائيلي  بالتحرك بشكل مستقيم  و يقوم بعمل   عدة خطوات  استباقية  عن طريق  تحميل عباس كامل المسئولية عن اشتعال المعركة و اتهامه بكونه  مسئول عن  اطلاق لأي صاروخ  فلسطيني من قطاع غزة ضد اسرائيل ، وذلك استعدادا من الحكومة الاسرائيلية لتقديم شكوى دولية ضد السلطة الوطنية في محكمة الجنايات الدولية في حين فكر الفلسطينيون تقديم شكوى لنفس المحكمة ضد الحكومة الاسرائيلية.

هكذا اذا ، تُدار معركة الشطرنج بين عباس و نتناياهو ، إنها حرب غير مباشرة و دبلوماسية و سياسية بالدرجة الاولى ، انها معركة النفس الأطول و القدرة على  التحمل ، فمن لديه أدوات و حيل أكثر سوف يتقدم أكثر و يحصل على مزيد من الغنائم و المكاسب في الساحتين المحلية و الدولية ، إنها معركة  معنوية بالدرجة الأولى ولكن نتائجها بالتأكيد ستنعكس على أرض الواقع و سوف تُحدد مصير شعبين يتجهان إلي بوابة المجهول دون وجود أية خطة  واضحة للسلام بين لاعبي الشطرنج.

فهل ستتوقف لعبة الشطرنج ؟ و هل سيتحرر حجر الوزير الفلسطيني  ويعود للعب مرة أخرى على الساحة الفلسطينية ؟ و من سيستخدم في نهاية اللعبة كلمة "كش ملك" ؟

لنتظر ونرى ماذا سيكشف لنا المستقبل من حقائق و خبايا..